خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

السيرة الذاتية والتداخل بين الفكري والشخصي

السيرة الذاتية والتداخل بين الفكري والشخصي

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

حميد سعيد  -  في البدء، أقول: لست في معرض تحديد الكتابة عن الذات، اصطلاحاً، وبالتالي لا أدخل مدخل من يفرق بين المذكرات واليوميات ونصوص السيرة الذاتية، لأنني أدرك معنى ما يقوله توماس كليرك: إن السيرة الذاتية مفهوم ملتبس ، و إنها أكثر من جنس أدبي ، و إنها نمط من أنماط الخطاب .
إن القارئ أمام نصوص السيرة تواجهه اسئلة مثل: من يتكلَّم؟ وهل أنا أمام خطاب صادق؟ وكيف التأكد من ذلك؟ ومن ثم، فإنه يحسبها أسئلة مشروعة.. ويستشهد كليرك بمقولة فيليب لوجون، الذي عدَّ السيرة الذاتية جنساً أدبياً ، وذهب إلى أنها قصة استعادية نثرية، يروي فيها شخص حقيقي قصةَ وجوده الخاص، مركّزاً حديثه على حياته الفردية وعلى تاريخ شخصيته .
على الصعيد الشخصي، لطالما كنت أبحث في المروي، قصة قصيرة أو رواية، عن الكاتب، في سلسلةٍ من الأسئلة، هل الكاتب هو البطل؟ هل هو أحد ابطالها؟ ومن هو؟ وقد يبلغ بي الفضول، حدَّ البحث عن شخصيةٍ أو أكثر تلفت نظري في المروي، في محاولة لاكتشافهم في الواقع.
وتكون مثل هذه الأسئلة، أكثر حضوراً وإلحاحاً، حين يكون الكاتب معروفاً على صعيد سيرته الذاتية، أو حين أكون قد عرفته شخصياً، حيث أبحث في ثنايا النص عنه، عمّن أتوقع أن يكون من بين شخصياته، وأحاول أن أكتشف المكان ومفرداته، ولعل هذا الفضول هو الذي جعلني أعيد قراءة بعض النصوص القصصية والروائية، بعد أن أتعرف على الكاتب، وأرتبط به بمعرفة شخصية عميقة، حتى كأنني أريد تحديد الواقع في النص الإبداعي، أما نصوص السيرة الذاتية، فكنت أنظر اليها، وإلى ما يرد فيها من أحداث، على أنها حقائق، وان جميع احداثها، مما عرفه الكاتب وعاشهُ، ولا دخل للخيال فيها، ولا حصة لمتغيرات الذاكرة.
كنت أرى اعترافات جان جاك روسو، وهو أول كتاب قرأته من كتب السيرة الذاتية، على أنها صورة حقيقية لكل ما مرَّ به روسو في حياته، دون شك في أن يكون الخيال أو متغيرات الذاكرة، قد لعبا في مسارات أحداثها، وحين قرأت الأيام لطه حسين، قادتني لغة العميد، الى الأحساس بأنني أقرأ عملاً روائياً، اكثر مما هو نص مذكرات، ولكثرة ما قيل عن جديّة العقادّ، كان أنا بالنسبة لي هوَ الحقيقة كاملة.
إن أول مرة بدأ فيها الشك عندي يخترق ثبات الوثيقة، كان مع مذكرات بابلو نيرودا أشهد أنني قد عشت ، فبعد صدورها وكنت أيامذاك أقيم في مدريد، استمعت إلى من يشكك ببعض روايات المرحلة الإسبانية، التي سبقت الحرب الأهلية أو رافقتها، أو التي حدثت بعدها، وممن استعمت إليهم ينحون هذا المنحى السيدة ألكسندرة، ابنة الكاتب والمفكر مانويل اثانيا آخر رئيس جمهورية أطاح به الجنرال فرانكو، وكانت صبيةً، فخبأها نيرودا في بيته مستفيداً من عنوانه الدبلوماسي. أما لا مذكرات أندريه مالرو، فقد خرجت من قراءتها بانطباع هو أن مالرو عمد الى أن تكون أقرب الى ملاك الأعمال الإبداعية منها الى ثبات المذكرات، وراودني مثل هذا الإحساس مع الطريق الى الغريكو لكازنزاكي، ومما يلفت النظر فيها، أن النص الروائي لهذا العملاق الإغريقي، يجعل القارئ اعمق احساساً بالواقع، مما يحسه في الطريق الى الغريكو ، كما هو الحال مع أبطال زوربا و المسيح يصلب من جديد و الإخوة الأعداء ، ومع أحداثها أيضاً. اما مذكرات رفائيل ألبرتي، وقد ترجمتها الى العربية باهرة محمد، فهي انموذج رائع لسيرة شاعر كبير.
ولم تعد السيرة الذاتية، في كثير مما نقرأ الآن منها، إلا مما يوحد بين جنس الرواية وجنس السيرة الذاتية، ومثلما عرفنا الرواية - السيرة فإننا نعرف السيرة - الرواية ، والأخيرة لم تعد حالات عابرة داخل نص السيرة الذاتية، بل أصبحنا في حضرة جنس أدبي جديد، و مرايا نجيب محفوظ مثال على هذا الجنس الأدبي الجديد، ولم يكن اقتران السيرة بالخيال أو بعوامل أخرى منها الذاكرة والنضج، جديداً، وعلى هذا الصعيد وردت إشارة ذكية من د.نصر حامد أبو زيد في معرض حديثه عن السيرة الذاتية لابن عربي: إن الراوي هنا، ليس الفتى، بل هو الشيخ الذي أصبح على معرفة بالتراث ، غير ان الالتزام بالموضوعية الوثائقية، لم يغب تماماً، وعندي أن ما كتبه الشاعر الجواهري من صفحات سيرته، هو الأقرب الى هذا الالتزام، فالرجل كان صريحاً وصادقاً في تناول مفردات حياته، ما تعلق منها بنشأته وتاريخه الشخصي، أو ما تعلق بشعره وبخاصة مدائحه، وكذلك ما عُدَّ من هفوات أو ما حسبه بعضهم أخطاء وانحرافات، فما أخفى شيئاً ولا اضطر الى تبرير موقف، وكأنه أراد القول: إنني أعتز بكل ما قمت به طيلة قرن من الزمان ، وهذا ما أذهل محبيه وحيَّر شانئيه.
ولم تكن السيرة الذاتية عند جميع الذين كتبوا عن ذواتهم، تمتد من المهد الى اللحد، وتتناول رؤاهم لأحداث حيواتهم ومتغيرات عصورهم كلها، تناولاً يتسم بالتسلسل، فمنهم من كتب عن جانب منها، كما فعل السياب حين كتب عن تجربته الحزبية بعنوان كنت شيوعياً ، ومنهم من كتب عن مرحلة من مراحلها كما فعل عبد الرحمن منيف في كتابه سيرة مدينة ، حيث التداخل بين المكان والذات، وكثيرة هي الكتابات التي ذهب كتابها هذا المذهب، ومنهم على سبيل المثال غارثيا لوركا، في ما كتب عن رحلته الاميركية، وجان جينيه عن تجربته الفلسطينية، وناتالي ساروت عن طفولتها وعن مرحلة التكوين الأولى، ونازك الملائكة في كتابتها عن الأسرة الملائكية، وحسب الشيخ جعفر عن رحلته الى موسكو في كتابه رماد الدرويش ..
وقد حاولت الإيحاء بعلاقه ما بين السيرة الذاتية للشاعر، والسيرة الذاتية للقصيدة في كتابي الكشف عن أسرار القصيدة ، وعلاقتها بالمكان في كتابي الآخر المكان في تضاريس الذاكرة . ومن حالات الاقتراب من جغرافية السيرة الذاتية محاولة الروائي أحمد المديني، في كتابيه كتاب الضفاف-نصوص الغربة، نصوص الولع ، و كتاب الذات ويليه كتاب الصفات أن يكتب صفحات من سيرته الذاتية، ليست خاضعة للترتيب المعهود، بل اتخذت من كل موضوع أو رحلة أو حالة شعورية، بؤرة تستنبت منها الواقع والذكريات، وحتى الاستيهامات، كجزء من سيرة أدبية - ثقافية، أما البياتي فلطالما وحّد بين سيرتيه الشخصية والشعرية.
إن التداخل بين الفكري والشخصي، ليس جديداً في تاريخ الكتابة عموماً والكتابة العربية بخاصة، وقد أشار الى ذلك د.نصر حامد أبو زيد في كتابه هكذا تكلم ابن عربي عبر قراءة الفتوحات المكية ، وأظن أن هذا التداخل بين فكر ابن عربي وسيرته، هو محاولة لإخفاء الأنا التي ظلت أقرب الى المحرمات في الفكر الديني، وهكذا كان الموقف منها في بعض مدارس الاجتماع، وفي غيرها، حيث يمكن أن نذكر في هذا المجال مقولة فيكتور هوغو: إننا نتذمر أحياناً من الكتّاب الذين يقولون: (أنا)، ونصرخ في وجوههم .. تكلموا عنا .
* شاعر عراقي مقيم في عمّان

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF