خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

فقير ما له ثوب

فقير ما له ثوب

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

المطران سليم الصائغ - حافظ المسيحيون في فلسطين على الاماكن التي قدسها السيد المسيح بميلاده وحياته وموته وقيامته وعجائبه، وتناقلوها عبر القرون والاجيال. وأول من ''كتب'' التقليد المنقول ''شفويا''، بخصوص مغارة بيت لحم حيث وُلد يسوع، هو ابن فلسطين، الفيلسوف يوستينوس الذي وُلد في نابلس حوالي سنة 100 للميلاد واستشهد في روما. وكان اوريجانس (185-253) الفيلسوف واللاهوتي الاسكندري الكبير، اول من ذكر الثور والحمار في المغارة مشيرا الى أشعيا حيث يقول: ''عرف الثور مالكه والحمار معلف صاحبه، لكن اسرائيل لم يعرف، وشعبي لم يفهم'' (1/3). وفي ظل تلك المغارة عاش القديس ايرونيمس (347-420) حياة الزهد والنسك مكرسا وقته للصلاة وترجمة الكتاب المقدس من العبرية الى اللاتينية.
اختار السيد المسيح فادي البشر ان يتعاطف مع الفقراء في كل مكان وزمان، وأراد ان يولد فقيرا، وأن يكون أفقر الفقراء، فلجأت امه الفقيرة الى احدى مغر بيت لحم لتلده، فولدته فيها وقمطته، ووضعته في مذود للحيوانات لئلا تدوسه البهائم. وفي فقر الطفل وأمه يشع وحي الله ومجده اشعاعا لا يدركه البشر. ولنا فيه عبرة أدبية ودينية تقتضي منا ان نتساءل ما هو الفقر ومن هو الفقير، وما هو الغنى ومن هو الغني، وأن نعيد النظر في علاقاتنا وتصرفاتنا مع الاغنياء والفقراء.
للفقر والغنى ميزان بشري وميزان إلهي. فالميزان البشري، في نظر الناس، يجعل من صاحب المال الكثير والارزاق الوفيرة غنيا، ومن صاحب المال القليل فقيرا. وميزان الفقر البشري هو في نفس الوقت ميزان نسبي. فمن كان يُعدّ فقيرا في بلاد، قد لا يكون معتبرا فقيرا في غيرها، وما يعتبره اهل بلاد ضروريا للحياة، قد يعتبره أهل بلاد غيرها من كماليات الحياة.
أما الميزان الالهي فهو يختلف كليا عن ميزان البشر. فالغنى لا يُقاس بمال الدنيا، بل بمال السماء. ومال السماء هو البر والتقوى وعمل الخير ومحبة جميع الناس من غير استثناء لان الله المحبوب الاول هو خالق كل الناس، وهو يحب كل الناس مهما كان دينهم وعرقهم وجنسهم، ومهما كانت احوالهم المادية. وفي نهاية الحياة، سوف يترك الغني امواله ولن يبقى له سوى ما اكتنزه عند الله، وسوف يترك الفقير فقره ولن يبقى له هو أيضا سوى غناه برحمة الله.
كثيرا ما يتملق مال الدنيا صاحبه بسعادة موهومة وينحرف به عن الطريق القويم، ويقضي على شفافية الضمير لديه، فلا يعود يميز بين الحب الأصيل والانانية، ويجعل من ماله قيمة نهائية وخيرا مطلقا لحياته، فيجره ماله الى الظلم والجشع والبخل والغش والتكبر والتجبر ويخنق كلمة الله المزروعة في قلبه. وكثيرا ما يقود الفقر صاحبه الى الحسد والغش والكذب والاحتيال والسرقة.
إن الاغتناء بمال السماء، بعكس الاغتناء بمال الدنيا، هو في متناول كل انسان. وأما شرط الاغتناء به فهو التجرد. ولا يعني التجرد ان يكون الانسان فقيرا وأن لا يكون غنيا بمال الدنيا، بل يعني ان لا يتعلق قلبه بمال الدنيا، سواء كان لديه منه الكثير أو القليل، وأن لا يكون للمال عبدا بل يكون سيدا عليه. ولذلك فإن ميزان الفقر والغنى عند الله، يشير الى ان كثيرين من فقراء الدنيا ليسوا بالضرورة من أهل الصلاح لمجرد كونهم فقراء، وان كثيرين من اغنياء هذا الدهر ليسوا بالضرورة ممن يرشقهم المسيح بالويل ولا من البعيدين عن الله، لمجرد كونهم اغنياء.
ما أجمل ان يكون الغني بمال الدنيا غنيا بمال الله أيضا، حرا متحررا من عبودية ماله، يجود بسخاء على الفقراء والمحتاجين والمؤسسات الخيرية وينشئ المشاريع التي توفر عملا للعاطلين عن العمل. وما اكثر الفقراء والمحتاجين من حوله. ولا نعني بالفقير ذاك الذي اتخذ من الاستعطاء مهنة وسخر لها اولاده، بل نعني به ذاك الذي سدت هموم الدنيا آفاق الحياة الكريمة أمامه ولا يجد طعاما لاهل بيته، وتجاهله الناس وتجاهلوا فقره وحاجاته الكثيرة. كم من الشباب في بلادنا عاطلون عن العمل. وكم من مرضى لا حيلة لهم لشراء الدواء. وكم من بيوت تعجز عن دفع فاتورة الماء والكهرباء. وكم من ظلم يلحق بالذين يكسبون في بلادنا خبزهم بعرق جبينهم، وكم من طفل يقف امام الحوانيت متفرجا متلهفا عاجزا عن شراء لعبة صغيرة يفرح بها في العيد، وعن شراء ثوب جديد يزهو به في العيد مثل رفاقه...الخ.
قف أمام مغارة الميلاد بقلب متجرد وتأمل في طفلها، فتراه يمد ذراعيه اليك مليئتين بالغنى الروحي وشفافية المحبة والكرامة. فهو محور العيد، جاءك فقيرا ما له ثوب من ثياب الدنيا ولكنه على استعداد لأن يغنيك بالخيرات الروحية إذا شئت انت ذلك. فإذا كنت غنيا بمال الدنيا، املأ نفسك بخيرات السماء، وكن سخيا معطاء، سيدا على مالك، متحررا من عبوديته. وإذا كنت فقيرا بمال الدنيا، فلا تحسد أحدا ولا تضمر لاحد سوءا واطلب العيش الكريم بعرق جبينك، وكن سخيا لانك تجد دائما حولك من هو اكثر فقرا وحاجة منك.
لا طعم لحياتك، ولا معنى لافراحها البريئة بدون إدخال التعزية والفرحة والكرامة الى حياة الاخرين، وبدون الطموح الى افراح السعادة الابدية، تلك التي جعل المخلص طريقها سالكة. الحياة ليست معقدة، وإنما يعقدها الانسان بأنانيته وجشعه وبخله. فسواء كنت غنيا بمال الدنيا أو فقيرا، كن سخيا معطاء للأقل حظا منك. كن محبا للحياة وازرع في حياتك وحياة الاخرين المحبة والفرح والابتسامة والرجاء. في هذا العيد، وفي كل عيد، كثيرون يأملون ان يسمعوا وقع قدميك تتوجهان اليهم لتجلبا الفرحة الى بيوتهم، وتصبح شريكا في سعادتهم. عيد ميلاد السيد المسيح حدث عظيم يغنيك بخيرات السماء إذا فتحت قلبك لمن هم أقل حظا منك في الحياة. وكن مطمئنا بأنك اذا زرعت السعادة في بستان الاخرين، فإن السعادة تزهر في بستانك.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF