فرحت لحراك الاخوان يوم الجمعة الماضي جانب فندق ريجنسي ، حين كان عريف الحفل يمر على قصائدي ولا سيما قصيدتي فان عطشت وكان الماء ممتنعا فلتشربي من دموع العين يا بلدي ،وان سقطت على درب الهوى قطعا اوصيك اوصيك بالاردن يا ولدي ، لكن فرحي كان ناقصا لانني ما كتبت قصائدي حتى تسير بهذا المسار واذا كنت اقدم ملاحظات فنية حولها فهي تدور في فضاء الفن وفي فضاء العمل السياسي الاخواني في هذه الفتره فالخطاب الاخواني لا يستعير شعري فقط وانما يستعير الضجيج كله في البلد ويسيره في غير مساره وهذا اخطر ما في الامر ان ناخذ الكلام ونركب ما فيه من مضامين لحساب الحس السياسي المسيطر.
اسامح عريف الحفل على اخذ شعري دون الاشارة الى اسمي فهو نهج لا يختلف الاخوان عن غيرهم فيه ، ولكنني لا اسامح العريف على تحريف الشعر نفسه فقد قال : فان عطشت وكان الماء ممتنعا فلتشربي من وريد الدم يا بلدي وانا اقول فان عطشت وكان الماء ممتنعا فلتشربي من دموع العين يا بلدي حمانا الله من الدم ايها الشيخ الجليل فدموع العين تختلف عن وريد الدم انني اخذ التحريف على النية الحسنة ، فالاخوان تيار اصلاحي سلمي والتحريف مجازي بالتاكيد ولكن التحريف السياسي هو الاقسى، لانه يذهب الى تقديم صورة مشوهة للبلد خلال النشاط وسائر الانشطة التي تقلل من استقرار البلد وثقافته وقيمه العليا ورموزه هذا التحريف لايقبله ضمير سيما وانه يركب موجة الفوضى ويستقوي على امان البلد بعناصر التهديد في الاقليم والمحيط
ما يسجل للحراك الاردني انه الحراك الوحيد في المنطقة الذي مر من غير نقطة دم واحدة، وما يسجل عليه انه الحراك الوحيد الذي يمر من غير نقطة حبر واحدة ايضا ، فالبلد الذي اسس بنية ثقافية عملاقة تتمثل في جامعاته ومؤسساته الاعلامية واعداد هائلة من المثقفين والكتاب والشعراء والفنانين لا بواكي له واستقراره الذي نمت في ظله هذه المنجزات لا يعني احدا لقد وصل الحال بمثقفي مصر و العراق خلال حروبهما الطويلة الى بيع كتبهم واثاث بيوتهم لكن اقلامهم ظلت سياجا من الورد والنور حول مصر والعراق
انني اقر ان هناك ما يستوجب تصحيح الاختلالات البنيوية في الدولة وعلى راسها الفساد الذي اكل الاخضر واليابس ولكن ذلك ينبغي ان لا يقود الحراك الى عمى البصيرة وعمى القلب عما انجز البلد من منجزات على راسها تحقيق الامان ومحو المسافة بين السائل والمسؤول وينبغي ان يلتفت المثقفون الذين اغرقوا جامعاتنا بالوصايا للجيل الجديد منذ اعوام ام ان هذه الوصايا كانت بمثابة الضباب لتغطية مصالحهم والبكاء على مناصبهم والتعبير عن ذواتهم المتورمة وهم يخطبون علينا بما ورثوه من حناجر اذاعية وبلاغة دبقة لا قيمة لها
يسجل للنظام الاردني خلال قرن من الزمان انه لم يرتكب اعداما سياسيا واحدا ، والاهم من ذلك انه لم يرتكب اعداما ثقافيا واحدا، مع ان اعدام المثقف اهون من اعدام السياسي فهو لا يحتاج حبل مشنقة ولا رصاصة كاتم صوت ، وكان المثقفون في الاردن يتمتعون بالافق الارحب في التعبير عن الذات حتى ان التحول الاهم في تاريخ الاردن الذي تمثل في هبة نيسان 1989كان ثقافياً بامتياز ، صحيح ان طائفة من المثقفين الانتهازيين قد ركبت موجته وحرفته عن مساره لكن ذلك التحول مثل لحظة الاصغاء الاعلى بين السلطة والتقافة ، لكن هذه اللحظه لم تستثمر في تنوير المشهد السياسي والثقافي ، حيث قطف المثقفون الذين دخلوا دائرة الضوء عنب تلك المرحلة وتركوا الثقافة تلهث وراء اكاذيبهم وسرابهم وبلاغتهم الدبقة وحناجرهم الاذاعية.
اعود الى قصائدي التي القاها عريف الحفل الاخواني لاقول له شكرا لك لانك نبهتني كشاعر على ضرورة قراءة مشهد الحراك من الداخل ، فهو مشهد مفرغ ثقافيا ويقوم على التغرير السياسي واستثمار اللحظة الراهنة بكل ما فيها من تناقضات وامواج متلاطمة تستهدف الكيان الاردني وهز جذوره، الشعراء ايها الافاضل لهم رايهم والسنديان على جبال الاردن له رايه ايضا.