على أرض مؤتة الشهيرة التي من خلالها حلّق الإسلام عاليا من أقصى الشرق الى أقصى الغرب.. أرض الحوار الأول بين المسلمين وغيرهم والتي أثبت قادتها الشعراء بأن الإسلام حالة ثقافية يجب أن تسود بالقلم والكلمة لا بالسيف.. في الكرك ذات الخصوصية الثقافية الأردنية على مر العصور الإسلامية كانت جامعة مؤتة التي أرادها الراحل الحسين طيب الله ثراه وصلة حقيقية مع هذا التراث.. منذ ميشع الذي أسس للثقافة على أطراف مؤتة حتى مؤتة ذات الجناحين.. مؤتة الجامعة ومجتمعها الذي يحيط بها يطلب منها الكثير ويتمنى ان يكون دورها أكثر ريادية وحضور.وعن دور مؤتة الجامعة في النهوض بالواقع الثقافي وإيجاد تنمية ثقافية حقيقية تنسجم مع الثوابت الوطنية الأردنية وتحقق المصلحة الوطنية الأردنية والعربية العليا، التقيت رئيس جامعة مؤتة، د.سليمان عربيات، في حوار حول الجوانب التي يمكن لجامعة مؤتة أن تسهم في النهوض بها أو الإسهام في تطويرها في مجال الثقافة الوطنية..
* لنتحدث عن الرسالة الحضارية التي تحملها جامعة مؤتة ودورها التنويري الذي وُجدت من اجله؟
- لقد التزمت جامعة مؤتة منذ إنشائها قبل خمسة وعشرين عاما برسالتها الحضارية والإنسانية وبالوعد الملكي عندما أعلن المغفور له الحسين بن طلال تأسيس جامعة للتعليم العالي العسكري والمدني في الكرك وعلى أرض مؤتة الطاهرة. وهي جامعة تحمل رؤية ولها رسالة وتزهو اليوم في حمى راعيها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم.
وتسعى مؤتة لإتاحة فرص التعليم العالي لأبنائها وبناتها وتجويد محتواه ورفع مستواه، وتزويد الوطن بالمختصين في ميادين العلوم والتكنولوجيا والآداب والفنون، ورفد المؤسسة العسكرية بالضباط والقادة المؤهلين لمواجهة التحديات المعاصرة والمستقبلية، وتعميق الشعور بالاعتزاز الوطني والانتماء القومي العربي في قلوب منتسبيها، وتشجيع البحث العلمي، واستيعاب التكنولوجيا الحديثة وتوطينها، ونشر المعرفة خاصة ما يتصل منها بدور الحضارة العربية الإسلامية في تقدم الحضارة الإنسانية. أصبح الجهدُ المؤسسي المنظمُ الأداةَ لضمان مشاركة الجامعة في التنمية الوطنية الشاملة، وهو نهج الجامعة في التعامل، وفي هذا الإطار استطاعت أن تؤسس لنشاط ثقافي مؤثر في فضاءات محيطها الثقافي والمجتمعي، عبر مسيرتها العلمية والأكاديمية والثقافية التي امتدت لعقود من حيث العطاء العلمي والثقافي، ولقد تحدد في فلسفة الجامعة ورؤيتها وأهدافها الدورُ الثقافي والتنويري ونشر المعرفة، وخاصة ما يتعلق باستيعاب التطور المذهل في أدوات الثقافة والعلوم. ومن هذه الفلسفة عمدت الجامعة إلى رسم رؤية ثقافية أصيلة وعميقة تكفل لها القيام بهذا الدور واستمراريته.
* كيف تقيّم إسهام الجامعة في رفد المنجز الثقافي المحلي؟
- لقد تم توجيه الكليات والعمادات والدوائر والوحدات والمراكز ذات الصلة بالشأن الثقافي لتقوم بدورها، وتسهم في تنمية الثقافة الوطنية بكل أبعادها المختلفة. وقد تراكمت منجزات واضحة لعدد من الفعاليات والنشاطات والبرامج الثقافية في سياق المؤتمرات والندوات والمحاضرات التي أقامتها مختلف كليات الجامعة وعماداتها ودوائرها، فقد عقد في رحاب الجامعة عدد كبير من المؤتمرات العلمية والثقافية على المستوى العالمي، مثل مؤتمر الأدب منصة للتفاعل الحضاري الذي عقد العام الماضي وشارك في أعماله عدد من الباحثين من خارج الأردن، وهو مؤتمر دوري، ومؤتمر الأمن والديمقراطية وحقوق الإنسان الذي شارك فيه أكثر من خمسين باحثاً من الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة والأجنبية، وعقد عدد آخر من المؤتمرات والندوات على المستوى المحلي، مثل: ندوة ابن خلدون وإسهاماته في الفكر الإنساني، وندوة السرقات الأدبية والعلمية، ومؤتمر مهنة التمريض في جنوب الأردن: تحديات من أجل التطوير، وندوة القدس الشريف والأخطار الصهيونية، وغير ذلك كثير جدا. كما استضافت الجامعة عدداً من الخبراء والباحثين والمفكرين، الذين تناولوا عدداً من القضايا التي تهم المجتمع المحلي بخاصة والمجتمع الأردني بعامة، في مجالات التربية والتعليم، والشؤون الاقتصادية والفكرية والثقافية والصحية.
وفي مجال النشر، ومن خلال لجنة التراث، أصدرت الجامعة ثلاثة عشر كتابا تؤرخ للتراث الثقافي والاجتماعي المحلي، وتصدر الجامعة مجلتين علميتين محكمتين هما: مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، والمجلة الأردنية في اللغة العربية وآدابها.
وبزغ من رحاب جامعة مؤتة عدد كبير من الأفكار والرؤى الثقافية التي قادت إلى تأسيس عدد من الهيئات والمؤسسات والمنتديات الثقافية التي أصبحت ذات سمعة ثقافية مميزة، وحضور قوي على المستويين المحلي والوطني. ومن هذه الهيئات التي خرجت فكرتها من الجامعة وتكونت في رحابها، وبدعمٍ منها: الهيئة العربية للثقافة والتواصل الحضاري (بيت الأنباط)، ومنتدى درب الحضارات، ومنتدى مؤتة للثقافة والتراث (المشهد). وقد غدت هذه المؤسسات مراكز إشعاع ثقافي مؤثر. وأضيف إلى ذلك مجلة راية مؤتة الثقافية والموسم الثقافي وعدد من الإصدارات والمطبوعات التي أصدرتها عمادة البحث العلمي التي تغطي معظم حقول المعرفة الإنسانية، وتشكل إضافة نوعية في مجالها واختصاصها تأكيداً على شمولية المعنى الثقافي ومتضمناته.
* ما هي أبرز الدوائر المعنية بالشأن الثقافي في الجامعة، والتي تسهم في اظهار المنجز الثقافي الى حيز الوجود؟
- جميع كليات الجامعة ومعظم وحداتها ومراكزها ودوائرها ذات علاقة مباشرة بالمنتج الثقافي، إذا ما أخذ معنى الثقافة بشموليته في مختلف المجالات العلمية والتربوية والاجتماعية والدينية، فلكل كلية برنامجها الثقافي الخاص الذي يشتمل على تقديم عدد من المحاضرات الثقافية العامة، وفق برنامج محدد .
أما عمادة شؤون الطلبة ووحدة العلاقات الثقافية والعامة ووحدة تنمية المجتمع المحلي والمكتبة، فهي معنية بشكل مباشر أو غير مباشر في إظهار هذا المنجز، لأن الجهد الثقافي جهدٌ تشاركي وليس مقصوراً على جهة محددة في الجامعة، فعلى سبيل المثال تتولى عمادة شؤون الطلبة الإشراف على عدد من الأندية الطلابية ذات الاهتمام الثقافي، مثل نادي النهضة العربية الكبرى، ونادي الطلبة الوافدين، وهو يسهم في التفاعل الثقافي بين الطلبة الوافدين من مختلف الدول العربية والإسلامية والصديقة من جهة، والطلبة الأردنيين من جهة أخرى، كما تشترك العمادة في عدد من المسابقات التي تقيمها الجامعات الأردنية للطلبة في حقول الإبداع الأدبي المختلفة، كالقصة والشعر والخاطرة والمقالة وغيرها. كما أصبحت جامعة مؤتة مقرا للاتحاد الثقافي والفني للجامعات الأردنية ابتداء من مطلع الفصل الدراسي الثاني للعام الحالي 2007.
مهما يكن، فإن الكليات والوحدات والدوائر تشكل صورة الجامعة وأذرعها العملية التي ترتبط مع مختلف مديريات ومنتديات ومراكز الثقافة في محيطها، لأن الجامعة في أدائها الثقافي ليست معزولة عن محيطها، بل هي البؤرة الأهم التي تلتقي حولها مراكز الإشعاع الثقافي في المنطقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الجامعة أقامت نشاطات وبرامج ثقافية مهمة بالتعاون والتنسيق المشترك مع مديريات ثقافة الكرك والطفيلة ومعان، كما أسهمت الجامعة في دعم فعاليات مهرجان الكرك الثقافي منذ بدئه وحتى اليوم على مستويات الإعداد والتنظيم والتنفيذ. كما أسهمت الجامعة في إعداد الخطة الثقافية لترشيح الكرك لتكون عاصمة للثقافة الأردنية، وكما قلت سابقاً فإن المنتج الثقافي هو طبيعة ثمرة لجهد تشاركي، والفاعلون الثقافيون أو اللاعبون في مضمار الثقافة، مهما اختلفت صيغهم الإدارية، يلتقون حول رؤية ثقافية واحدة مستمدة من رؤيتنا الثقافية الوطنية المستندة إلى ارثنا الحضاري وموروثنا الثقافي.
* كيف تقيمون المواسم الثقافية في جامعة مؤتة؟
- لدى جامعة مؤتة رصيد مهم وخبرة متلازمة في عقد هذه المواسم، فهناك موسم لكلية العلوم الاجتماعية، وهناك موسم آخر لكلية الآداب وكلية الشريعة، فلكلية الشريعة وكلية الآداب، على سبيل المثال، موسمان ثقافيان يستضيفان من خلالهما عددا من الأساتذة والمحاضرين يتناولون مختلف القضايا المعاصرة ذات العلاقة باهتماماتهم. ومؤخراً تم تشكيل لجنة ليصار إلى تحديد محاور الموسم الثقافي القادم والشروع بتنفيذ برامجه وفعالياته التي تتضمن استضافة المفكرين والعلماء في مختلف المجالات التربوية والاقتصادية والثقافية والسياسية ذات الصلة بالشأن العام الوطني والمحلي. كما تستضيف الجامعة معارض للكتب العلمية والأدبية.
* تعدّ مجلة راية مؤتة منارة ثقافية أردنية.. فأين هي الآن؟
- هذه المجلة ذات ميزة وخصوصية مهمة بما تحمله من أهداف تعزيز الثقافة في جنوب الأردن، ودعم مبدعي الجنوب من خلال إلقاء الضوء على تجاربهم وإبداعاتهم وطرح القضايا الثقافية التي تسلط الضوء على الثقافة خارج المركز (العاصمة)، والجامعة الآن بصدد الإعداد لإصدار عدد خاص من المجلة حول الأدب والأدباء في جنوب الوطن، ونأمل أن يكون هذا الإصدار مميزاً، ويجب أن أشير هنا إلى أن الجامعة تصدر مجلة ثقافية أخرى هي فرسان مؤتة.
* هل تعتقد بفاعلية الفرق الفنية في الجامعة؟ وما الذي تقدمه هذه الفرق من جديدٍ للفن الأردني والمبدعين من أبناء المنطقة؟
- الفرق الفنية في الجامعة من ضمن اهتمامات عمادة شؤون الطلبة، التي استطاعت اكتشاف الكثير من الإبداعات الشبابية في مجال الموسيقى والغناء والموروث الشعبي الفني. وتشكل هذه الفرق عنصراً مهماً لإبراز مواهب الطلبة وتنمية مهاراتهم، وصقلها وإتاحة فرص التميز أمامهم. ولعلنا نشير هنا إلى مشاركات الفرق الفنية في الجامعة في إحياء عدد من الفعاليات والمهرجانات التي تُقام في حرمها في المناسبات الوطنية المختلفة، والمشاركة في الفعاليات والمهرجانات التي أقيمت في الجامعات الأردنية المختلفة، ومهرجان الكرك الثقافي وغيره، وأضف إلى ذلك أن هذه الفرق استطاعت أن تحصل على عدد من جوائز التميز على مستوى الجامعات الأردنية، وكل ذلك دليل على فاعليتها وتميزها ومن بينها فرقة السامر التي انشئت حديثاً ويتوقع أن تشكل حضوراً وطنياً.
* وما هي خططكم لتفعيل دور النشاطات الفنية (المسرحية والموسيقية) في البناء الثقافي؟
- سعت جامعة مؤتة إلى تطوير العلاقة بينها من جهة والمسرح والفنون الموسيقية والصحافة وأندية الشباب والمهرجانات الثقافية من جهة أخرى، لتجمع بين الترويح والتثقيف. وفي هذا الإطار استضافت الجامعة عدداً من النشاطات والفعاليات المسرحية والموسيقية وغيرها، كما اسهمت في دعم مهرجان الكرك الثقافي على مستويات الإعداد والتخطيط وتحديد الفعاليات واستضافة بعضها. كما أن للجامعة فرقة موسيقية معروفة بنشاطاتها في المناسبات الوطنية. وقد برز من طلبتها عدد من الفنانين في مجال الغناء الوطني الرفيع.
* هل ترى أن هنالك خصوصية اللثقافة الجنوبية؟ وكيف عالجت جامعة مؤتة هذه الخصوصية؟
- فيما يتعلق بخصوصية الثقافة الجنوبية، فإنني أرى أن الثقافة واحدة لا تتجزأ وطنياً وقومياً. ولكن يمكن القول بخصوصية الإبداع في الجنوب، وذلك من حيث ارتباطه بالإرث الحضاري والتاريخي للمنطقة. ذلك أن القارىء والمتلقي لأدب وإبداع أدباء الجنوب يلحظ الحضور القوي والملفت للمؤابيين وارنون وميشع، وشهداء مؤتة وبخاصة جعفر الطيار، والشعور الوطني والبعد القومي العربي، كما يمكن الإشارة إلى أن مفردات معجم الأدباء الجنوبيين مرتبطة بالمكان الجنوبي من مؤتة إلى البتراء والحميمة وأذرح والعقبة وقلعة الكرك. وروح هذا التراث ساكنة في نفوسهم، لتشكل بمعظمها ذاكرة المكان والزمان (الزمكانية).. والشخصيات التاريخية والمعارك قاسم مشترك للوحات الإبداعية التي يقدمها أدباء الجنوب في الشعر والرواية والقصة والمسرحية وغيرها. وأستطيع أن أميز مفردات شعراء وأدباء الجنوب وأشم رائحتها العبقة من بعيد، وأن خصوصية الروح الجعفرية حاضرة في أشعارهم ونثرهم الفني وقصصهم وأدبهم، وقد لاحظت انتشار الشعر النبطي بين المثقفين والرواة وشعراء الربابة.
* كيف تردون على من يقول بتراجع الدور التنويري للجامعة؟
- إن أي تشويه لهذا الدور يمكن الرّد عليه من خلال جملة المعطيات الثقافية التي قدّمتها وتحدثت عنها في الإجابة عن الأسئلة السابقة، فحجم الإصدارات من كتب ومجلات، والمواسم الثقافية وتفاعل كليات الجامعة ومرافقها المختلفة مع الأهداف الثقافية للجامعة، وحجم نتاجات هذا التفاعل من ندوات ومحاضرات وورش علمية وتدريبية وحلقات البحث، والبحث العلمي والدراسات الميدانية وغير ذلك هو ما يؤكد صدق التزام جامعة مؤتة بدورها التنويري فالجامعات منارات علم ومحطات استشراق للمستقبل. ونضيف إلى ذلك الجانب الأكاديمي التدريسي والبحثي الذي يعدّ ركيزة من ركائز العمل الجامعي، فهو جانب تنويري رئيس من حيث صياغة فكر الأجيال وتشكيل الشخصية الوطنية وتمكينهم من امتلاك المعارف والقدرات والخبرات، وتأهيلهم علمياً وثقافياً لممارسة هذا الدور التنويري ممارسة عملية وأخذ زمام المبادرة والقيادة.
* المطبعة الوطنية حلم يراود أبناء الجنوب، وقد وعدتموهم به.. أين وصل العمل بها، وهل سيكون مقرها في الجامعة؟
- تفتقر منطقة جنوب الأردن إلى مطبعة ذات قدرة تقنية وفنية وكفاءة تؤهلها لطباعة واصدار واخراج الكتب والمطبوعات والأعمال الإبداعية المختلفة. إن إنشاء مطبعة في هذه المنطقة تحديداً يمثل ركيزة أساسية من ركائز التنمية الاقتصادية، ويوفر الجهد والمال والوقت لإنجاز احتياجات جامعات: مؤتة والحسين والطفيلة، وغيرها من المؤسسات الثقافية والعلمية المختلفة من المطبوعات، ومن هنا فقد عمدنا في جامعة مؤتة إلى تشكيل لجنة تقوم حالياً بدراسة الجدوى الاقتصادية لإقامة مطبعة في الجامعة، وتكون قادرة أيضاً على تلبية احتياجات أبناء المجتمع المحلي والمؤسسات المختلفة في محافظات الجنوب من المطبوعات المختلفة. وعلى ضوء النتائج التي ستنتهي إليها اللجنة، سنبذل جهوداً للتواصل مع الوزارات المعنية والمؤسسات الخاصة ذات العلاقة لتذليل الصعوبات وتوفير المستلزمات المالية والأجهزة، وغيرها، لإخراجها إلى حيز الوجود، وأرجو أن نرى ذلك قريباً بعون الله.
دعم الإصدارات الثقافية التي يبدعها أبناء الجامعة حلم يراود هؤلاء المبدعين، فهل يتحقق هذا الحلم؟ - جامعة مؤتة مهتمة بنشر الإنتاج العلمي لأعضاء الهيئة التدريسية من خلال عمادة البحث العلمي أولاً، وهو أمر يشكل ركيزة أساسية من الركائز التي تنهض عليها الجامعة. وتخضع عملية النشر لمعايير علمية معتمدة، أما نشر الأعمال الإبداعية فأمر لم تتعرض له أنظمة الجامعة وتعليماتها الحالية. وإيماناً منا بأهمية ايلاء الجامعة أهمية لنشر الأعمال الإبداعية المميزة فإننا سندرس إمكانية تبني نشرها من خلال توفير سبل الدعم المالي بالتعاون مع المؤسسات الوطنية العامة والخاصة ذات العلاقة بالشأن الثقافي.
وأعتقد أن ما أعلنه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين من دعم للثقافة والمثقفين الأردنيين، بتقديم تمويل مقدارة عشرة ملايين دينار للثقافة ومؤسساتها، ينعكس على الثقافة الأردنية وعلى ظروف المثقفين الأردنيين. وهذا جزء من رؤية جلالة الملك لمشروع النهضة الثقافية الذي طال انتظاره.
* أصبح إيجاد جائزة ثقافية باسم جامعة مؤتة، أو أحد قادة معركتها، تحتفي بالإبداع وتدعمه، مطلباً ملحّاً على جامعة مؤتة التي تعدّ نفسها راعية للإبداع، فهل هذا الأمر من ضمن استراتيجيتها الثقافية؟
- لا شك أن تخصيص جائزة ثقافية باسم جامعة مؤتة أو باسم أحد الشهداء من قادة معركة مؤتة الذين روت دماؤهم وجبلت بتراب مؤتة، وهم يدافعون عن راية الإسلام ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، عبر بوابة مؤتة، يشكل أمراً مهماً وملهماً جداً لدعم الحركة الثقافية وتقدير المبدعين في الجنوب خاصة والوطن عامة. وسنسعى لدراسة هذه الفكرة آخذين في الحسبان الجوائز التي تمنحها المؤسسات العامة والخاصة في الأردن، ومجالات هذه الجوائز وأبعادها المختلفة بحيث لا يكون هناك تكرار لهذه الجائزة.
أضاءت لجنة التراث في الجامعة الكثير من تراث هذه المنطقة ووقفت على أهم المعالم التراثية في المنطقة المحيطة للجامعة، وقد كانت بدايتها قوية، وصدر عنها عدد من الدراسات المهمة، لكنها توقفت وغابت عن الحضور،
* أين هي الآن، وهل ستعود من جديد؟
- كانت الجامعة قد أنشأت لجنة التراث سنة 1992، لإبراز التراث الحضاري للمنطقة من خلال دراسة واقع القرية والمدينة، وتوثيق المعلومات المتصلة بالتراث وواقعه قديمة وحديثة، ومشاركة المواطن في كتابة التاريخ والإسهام في إعداد التوثيق المطلوب، وجمع الوثائق المتعلقة بالأردن من المراسلات والمذكرات والملفات والمخطوطات، وجمع الروايات الشفوية من تاريخ الأردن وتراثه وتقاليده، وحفظ المواد التراثية ذات الدلالات التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعمرانية.
واستطاعت اللجنة خلال عشر سنوات من تاريخ إنشائها إصدار ثلاثة عشر كتاباً حول التاريخ الشفهي الاجتماعي والثقافي للمنطقة، شارك فيها عدد من الباحثين في الجامعة ومن خارجها، غير أن عمل تلك اللجنة توقف منذ فترة وآلت مخطوطات الوثائق والأشرطة الوثائقية التي جمعت وكتب الرحلات إلى مكتبة الجامعة، وهي متاحة لجمهرة الباحثين وتسعى الآن بالتعاون مع مركز الأردن الجديد للدراسات في سبيل إعادة إحياء عمل لجنة التراث في الجامعة، والسعي لاستكمال جمع التاريخ الثقافي والاجتماعي الشفوي لمنطقة الكرك وتنفيذ عدد من المشاريع العلمية في هذا الاتجاه.
* خربة نخل وخربة انشينش وغيرهما من المواقع الأثرية التي تحيط بالجامعة يعدّها المؤرخون مخزناً للتراث الإنساني، وهي تحكي قصص الحضارات التي مرت على هذه الأرض التي تقف عليها الجامعة، أين دور الجامعة في إلقاء الضوء على هذه الحضارات من جديد، من خلال الحفريات والمسوحات الأثرية التي تكشف أسرارها وعمق جذورها؟
- قامت جامعة مؤتة بدعم جملة من المشاريع الأثرية الميدانية التي يقوم بها أعضاء هيئة التدريس في قسم الآثار والسياحة في الجامعة، وذلك للكشف عن المكنون الحضاري لمحافظة الكرك وتسليط الضوء على تاريخ هذه المنطقة وتطوره عبر العصور الأثرية المتلاحقة، ومن أهم هذه المشاريع الميدانية حفرية خربة نخل.
وتقع خربة نخل كما نعلم على الحافة الشرقية لهضبة مؤاب وعلى مسافة ثلاثين كيلومتراً من مدينة الكرك، وهي موقع أثري كبير. وقد بدأ التنقيب في الموقع في صيف عام 1993، واسفرت نتائج الحفر في الكشف عن آثار ضخمة جداً وبالغة الأهمية، فقد تم الكشف عن أطلال معبد نبطي كبير يؤرخ إلى القرن الأول قبل الميلاد. وقد أعيد استخدام هذا المعبد في الفترة الأموية، وذلك بعد إجراء التعديلات المعمارية عليه وقد خلد هذه التعديلات نقش كوفي مبكر يعود للحقبة الأموية ويؤرخ إلى مطلع القرن الثامن الميلادي.
أما الكشف الأثري المهم الآخر، فهو أطلال معبد نبطي بُني من حجارة مزينة كبيرة الحجم ويؤرخ للقرن الأول قبل الميلاد وقد تم تحويله إلى كنيسة في الفترة البيزنطية وتحديداً في القرن السادس الميلادي، ثم تحويل هذه الكنيسة إلى منزل ريفي يعود للفترة المملوكية ويؤرخ للقرن الرابع عشر الميلادي، وقد نشرت نتائج هذه الحفرية في مجلاّت علمية محكمة.
* تتحدث الأوساط الثقافية عن نقص في طرق التزود بالمعلومة بكل أشكالها مما يُبرز الحاجة الماسة إلى تأسيس بنك للمعلومات يرجع إليه الباحث في هذه المنطقة للتزود بأية معلومة عن هذه المنطقة، فهل هذا المشروع من ضمن مشاريعكم القادمة؟
- تأتي فكرة تأسيس بنك للمعلومات لمحافظة الكرك تأكيداً على أهمية التاريخ الحضاري للمنطقة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية عبر العصور المختلفة، وذلك لما يمكن أن تشكله هذه المعلومات من أهمية بالغة لدى الدارسين والباحثين، إضافة إلى أهمية هذا المشروع لحفظ التراث المادي والمعنوي للمنطقة.
وللأهداف العليا التي تناط بهذا البنك فإن ذلك يتطلب تظافر جهود مشتركة لعدد كبير من المؤسسات الرسمية والفعاليات المدنية لتأسيس هذا المشروع، وجامعة مؤتة إذ تقدّر أهمية تأسيس بنك للمعلومات في المنطقة، فإنها على استعداد تام للمساهمة في انجاز المشروع بالتعاون مع المؤسسات المعنية في محافظة الكرك وبلديتها ومؤسسة الإعمار والملتقيات والمراكز الثقافية فيها، وجميع الجهود التي يمكن أن تقدم اسهاماتها في هذا الشأن.
* العنف في جامعاتنا.. هل تعتقد أن هنالك خلفيات ثقافية أو أيديولوجية تسهم في إثارة هذه العنف وتأجيجه وتجدده؟
- العنف في جامعاتنا قائم، لكنه لا يشكل ظاهرة متجذرة، بل هو دخيل على جامعاتنا ويتناقض مع القيم والعادات والتقاليد التي يعتز بها مجتمعنا الأردني. كما يتناقض مع أهداف جامعاتنا الوطنية وفلسفاتها الحضارية والإنسانية، ولكن العنف موجود بين طلبتنا لأسباب كثيرة، منها التحولات الاجتماعية والاقتصادية السريعة في المجتمع، التي خلقت فئات وطبقات اجتماعية معينة، وضحالة الثقافة مع عدم شيوع مكونات الثقافة التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة ومنظومة القيم لدى الشباب، إذ إن هنالك علاقة برأيي بين الشاب المثقف وغير المثقف من جهة ومنظومة القيم من جهة أخرى، ودليل ذلك أن الطلبة الذين يقومون بعمليات الشغب والمشاجرات هم من فئات الطلبة المهمشة، وهم يشكلون قلة بين الطلبة، وهناك أيضاً تبعية قبلية وجهوية وعصبية داخل الجامعة، وخاصة في جامعات الأقاليم البعيدة تلجأ إليها هذه الفئات لكسب التأييد أو التعاطف.
هناك منظومة من العادات والتقاليد التي تسيطر عليها القبيلة، والشباب ليس لديهم نموذج ولا قدوة في حل المشكلات في غياب دور الجامعة، إلا مجتمعاتهم، فهي كانت انحيازات نتيجة انحياز الأيديولوجيا السياسية أو الفكرية أو الثقافة العميقة وضعف الشعور بأولوية الانتماء الوطني، لذلك فهم يحلون مشكلاتهم على الطريقة التي يتم بها حل المشكلات في المجتمعات التقليدية، مما يسهم في ظهور العنف في الجامعات.
* صحفي أردني