خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

إدوارد سعيد وكتابة التاريخ .. بقلم : هيا صالح

إدوارد سعيد وكتابة التاريخ .. بقلم : هيا صالح

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

كان الفلسطيني إدوارد سعيد واحداً من المفكرين الجادّين الذين خاضوا النقاشات المعاصرة حول مفاهيم الاستشراق، وتحليل الخطاب، ودراسات ما بعد الكولونيالية. وقد ساهم كونه منفياً أو مبعَدَاً عن وطنه في امتلاكه وعياً كبيراً بالدور الذي اضطلعت به الأيديولوجيات المهيمنة في دعم الإمبريالية الثقافية. وكان من الطبيعي أن تتعدد الدراسات التي كتبها عرب وغربيون على السواء حول رؤى سعيد وأطروحاته، خصوصاً فيما يتعلق بالاستشراق، إذ يرى أن دراسة الشرق غدت فرعاً معرفياً مقدَّراً، بالتزامن مع بلوغ المد الاستعماري في القرن التاسع عشر أعلى درجاته، وأن المؤسسة الاستشراقية أقامت بناء معرفياً استثمره الإمبريالييون في سعيهم لحيازة السلطة.
في كتابه المعنون إدوارد سعيد وكتابة التاريخ (ترجمة وتقديم أحمد خريس وناصر أبو الهيجاء، دار أزمنة للنشر والتوزيع، 2007) يستعرض شيلي واليا المصادر التي ارتكن إليها سعيد في كتابة التاريخ، وفي إعادة النظر في الكتابات التاريخية التي تناولت المستعمِر والمستعمَر، خارج الأطر التقليدية التي اختبأت الأيديولوجيات والأفكار المقولبة والنوايا السيئة والحسنة وراءها.
ويحاول أستاذ النظرية ما بعد الكولونيانية في جامعة البنجاب، التأصيلَ النظري للكشف عن المرجعيات الفكرية في نقودات سعيد، واتصاله بغير مفكر وغير مدرسة فكرية، مستنطقاً كتابات سعيد ذات الطبيعة الجدلية في سعيها لخلخلة الروايات التاريخة أحادية الاتجاه، مُبْرزاً الكيفية التي قَدمت بها إسهاماتُ المفكر الفلسطيني حول الحاجة الملحّة لكتابة تواريخ التابع (ذي المنزلة الدنيا) وتفحّص التواريخ السائدة المشتملة على تحيز استعماري، دعماً فكرياً لتبيان الصفة الاستعمارية وعلاقاتها بالصراعات الدائرة على الأرض.
وفي سبيل تناول هذا الموضوع من كل جوانبه، يتوقف واليا طويلاً لبحث تأثيرات المنظّرين الذين تناولوا الثقافة بالدرس، على فكر سعيد، خصوصاً أثر فوكا وغرامشي في استخدامات سعيد وتحويراته لمفاهيم السلطة والمعرفة والهيمنة.
يبدأ واليا بالحديث عمّا أسماه حياة المنفى، موضحاً أن قصة حياة سعيد هي في جوهرها، تسجيلٌ لعالم منسيّ أو مفقود، حتى إن ما يمثل إثارة غامرة لسعيد كما يكتب: هي تلك الحالة التي يكون فيها المرء دائماً، خارج المكان، بل إن سعيد يذهب إلى أبعد من ذلك، حين يؤكد أن المثقف، هو، دائماً، منفَى أو هامش.
ويلفت واليا إلى أنه بخلاف الموقف السلبي الذي تقصّد به مفكرون مثل سارتر تحويلَ الواقع المادي إلى تجريد، يتخذ سعيد مواقف سياسية فاعلة في كتاباته النقدية، بما يؤشر على الكيفية التي يرى فيها المفكرُ الفلسطيني أهمية الضمير النقدي في عمل المثقف. ويذهب واليا إلى أن سعيد استثمر موقعه كمنفيّ بامتياز، إذ مكّنه هذا الموقع من تجاوز الرطانة المفرَغة من أي دور، ومن تجاوز استكانة المثقفين الأكاديميين الذين يرفضون مساندة القضايا الأيديولوجية التي تستدعي الالتزام.
وفي إطار مسعى الكتاب إلى اختبار كتابة التاريخ وفقاً لهذه الممارسات الثقافية وعلاقتها بالسلطة، يعمل واليا على موضعة كتابات سعيد في سياق الدراسات الثقافية والتاريخية بهدف تقصّي الترابطات بين مبحث التاريخ واتجاه ما بعد الحداثة. وهو يلفت إلى أن سعيد يشْرع مبحثَ التاريخ نحو دراسات التابع ومداخلاته، حين لم ينظر إلى الحقيقة إلا بوصفها ذات سمة ظرفية وسياسية. وهو لا يرفض كلياً صلاحية الطريقة الإمبريقية، غير أن تأكيده على التمثيل الإيقوني للعلامات والرموز واللغة يزود المؤرخَ الأدبي والاجتماعي برؤية واسعة ورحبة للتاريخ.
ولأن حقلَيّ الكتابة التاريخية والتمثيل يشكلان أهمية جوهرية في كتابات سعيد بما ينطويان عليه من إشكالية في حقل النصّية، يعترف واليا أن فهم الأوروبيين للماضي تعمّق واتسع اتساعاً هائلاً بفضل تحليل سعيد للأدب والثقافة، إذ يلقي هذا التحليلُ الضوءَ على طبقات متباينة من الناس، وطائفة واسعة من التجارب التي غابت عن الإدراك. كما يقدم سعيد أنظمة أبستمولوجية بديلة لطرح المنظور الأوروبي المركزي الذي شكلته الآداب والتواريخ الغربية، إذ تتجسد غايته في تأكيد الصفة السياسية لهذه الممارسات الأدبية مجتمعة.
ويشير الباحث إلى أن كتاب الاستشراق بينما يزود قارئه بأثر نقدي عن العلوم الاستعمارية التي ابتكرت الآخر، فإن كتاب سعيد الثقافة والإمبريالية فعل ذلك أيضاً بتركيزه على قراءة الأشكال الفنية الغربية وتفسيرها من داخل موقعيتها الثقافية.
وفي توقفه عند موضوعة المعرفة والسطة والخطاب لدى فوكو يؤكد واليا أن كتابات سعيد تتحدد بصفتها واحدة من أكثر الأمثلة دقة على تطبيقات النظرية الرفيعة في التاريخ الثقافي، إذ إن منهجية سعيد أكسبته القدرة على دمج التقليد الماركسي القديم والممارسة النقدية المعاصرة معاً في تحليل الخطاب بغيةَ فهم العلاقة بين الإمبريالية والثقافة. وقد قاده هذا إلى الزعم بأن الروايات الحقيقية للتاريخ ما هي إلا نتائج الاستراتيجيات الثقافية التي أُعدّت للاحتفاظ بالسلطة والمكاسب المادية.
ويبين واليا كيف أولى سعيد اهتماماً بالغاً بمفهوم الخطاب لدى فوكو، والذي يمثل الواقع تمثيلاً كاملاً ومقنعاً عبر التأثير في حقول الموضوعات وشعائرية الحقيقة، مضيفاً أن سعيد وإن كان يفيد من كتابَي فوكو تاريخ الجنسانية والمراقبة والمعاقبة كي يؤسس نظرياً لأطروحته، فإنه يرتكن بصورة مكافئة إلى غرامشي الذي استعمل مصطلح الهيمنة على نحو خلاّق، إذ ترتبط كتابات سعيد بالمؤثرات الغرامشية ارتباطاً متصلاً في زمن اشتهر بانسحاب يساريّي ما بعد الحداثة من مواقع الماركسية.
وقد خلّص النقدُ الثقافي كما مارسه سعيد، التفكيرَ الماركسي من أسْر الحتمية والنظرة الاقتصادية الاختزالية، كما يرى واليا الذي يلفت أيضاً إلى أن سعيد حاججَ تعريفات الأدب، والبنية المعرفية الغربية المتصلة أساساً بالمشروع الإنسانوي الليبرالي المسمّى التنوير، بعد أن شدد على إشكاليات تحليل الخطاب، خصوصاً ما يتعلق بحقل تاريخ الكولونيالية.
ويستعرض واليا الإشكاليات المنهجية داخل فرضية سعيد في الاستشراق، كالإحساس بأن دراسة الموقف المنتظم والأحادي باتجاه الشرق تنحرف نحو الكلية وتستبعد عدم التجانس والتنويع الذي يمكن تلمّسه في الاستشراق الغربي لدى الإنجليز والفرنسيين والإسبان والبرتغاليين. كما إن هناك من النقاد من زعموا أن أطروحة الاستشراق التي قدّمها سعيد متناقضة، لا سيما أن القوة التي قام سعيد بانتقادها في كتاباته أيّدها لاحقاً في نقوداته لالتابع.
ويلفت واليا في حديثه عن الناقد الدنيوي إلى أن ما كان يرغب فيه سعيد هو أن يتحول الناقد إلى معارض لكل شكل من أشكال الطغيان والهيمنة والاستغلال، وذلك كي ينتج معرفة غير قسرية لخير الإنسانية ولحس الحرية الأصيل لديها.
* كاتبة أردنية

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF