خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

بين الإيقاع والمعنى .. بقلم : سلطان الزغول

بين الإيقاع والمعنى .. بقلم : سلطان الزغول

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

تساؤلات
هل يمكن أن نمسك بعناصر الإيقاع في الشعر ونحددها؟ هل هو في أوزان الشعر بتفعيلاتها الأصيلة، أو تنوعاتها المحدودة عبر الزحاف والعلل، أم هو في خصائص كلمات اللغة من قوة ولين، أو طول وقصر، أو همس وجهر، أم أنه في نظام النبر بشدته وعلوه؟ أم هو في ذلك كله؟
هل يساهم الإيقاع في إيصال المعنى؟ هل يؤثر المعنى في الإيقاع من حيث رتابته أو اضطرابه أو تسارعه أو هدوئه أو شدته؟
لعل هذه الأسئلة تقودنا إذ نبحر في خضم الإيقاع نحاول تلمسه، والاقتراب من حضرته العصية على الكشف. إننا أمام عالم ظاهر باطن يتعذر وصفه، يتكشف ويتخفى.. يومىء ولا يتوضح. إننا أمام سر حياة الشعر.. وهو بعض الروح التي تتوارى وتتجلى.

بين شعرية الفطرة والنظام
يعد بعض الباحثين ومن أبرزهم كمال أبو ديب- أن الفاعلية الشعرية عند العرب قد عبرت عن نفسها بغنى إيقاعي مدهش، كان نقيضا لرتابة الصحراء والسياق المادي للحياة فيها. واستمرت هذه الفاعلية تعبر عن ذاتها وتطور الأشكال التي تتخذها لزمن يتجاوز ثلاثمئة سنة، قبل أن يتاح للعقل العربي أن يتصور نظاما كليا لوصف الإيقاع الشعري وتحليل مكوناته.
ويتابع أبو ديب: إن العروضيين في عصور التحجر الفكري قد جمدوا علم الخليل في قوالب عقيمة، معقدة، تحولت عن غرضها الأساسي وصف الإيقاع الشعري- إلى التقنين لما يسمح به وما لا يسمح به من تشكلات إيقاعية. فانقلب فن وصف الإيقاع الشعري إلى علم (يميز به صحيح الشعر من فاسده)، كما حدد العروضيون مجال نشاطهم.
ثم يقول: إن تحجر معالم الوحدات الإيقاعية التي ابتدعها الخليل في أطر شكلية جاهزة قد أدى إلى وضع مزر فقد فيه العقل العربي الاهتمام بتحليل الإيقاع الشعري نفسه، والقدرة على مثل هذا التحليل باعتباره فاعلا حيويا في كل عمل فني يتلقى. وهكذا عجز الدارسون عن تحسس الدور الحيوي للإيقاع في الشعر، كما عجزوا عن التفريق بين إيقاع قصيدة رائعة وأخرى سيئة، مكتفين بالقول إن كلا منهما جاءت على وزن كذا..

نظرة إلى الدراسات الحديثة
شغلت محاولة فهم الإيقاع عقول النقاد والدارسين المحدثين، وفي حين انصب بعضها على فهم قواعد الخليل للعروض، وعدها الأساس في دراسة الإيقاع، حاول بعضها الآخر وصف إيقاع الشعر العربي واستنباط قوانينه، مع التركيز على الشعر القديم بشكل أساسي، أما بعض ثالث فسخر هذه الدراسات الوصفية في قراءة جديدة للشعر القديم على هدي الإيقاع. كما التفتت دراسات أخرى إلى الموسيقى والإيقاع في الشعر الحديث من بين قضايا عديدة أخرى.
ولا أعتقد أن الباحث المستعرض لكل هذه الدراسات يمكنه أن يقبض على الإيقاع، ويصفه وصفا دقيقا واضحا، بحيث يقول بكل اطمئنان مع أحد الدارسين (علي يونس): إن الإيقاع هو تتابع منتظم لمجموعة من العناصر. وهذه العناصر قد تكون أصواتا، مثل دقات الساعة، وقد تكون حركات مثل نبضات القلب. وفي الفنون يتكون الإيقاع من حركات (الرقص)، أو أصوات (الموسيقى)، أو ألفاظ (الشعر).
هل يتكون الإيقاع في الشعر من ألفاظ حقا؟.. أم إن الإيقاع روح هذه الألفاظ، نحاول أن نتلمسها لكننا لا نعرف كنهها حقيقة، نحس بوجودها ولا نراها.
يمكننا أن نقول مع تامر سلوم: إن الأجزاء التي ردت إليها التفاعيل تشكل خطرا على فهم الإيقاع الشعري، وتغفل إمكانات كثيرة لفهم أسراره... إذا أردنا أن نضع نظرية جديدة في موسيقى الشعر فينبغي أن ينمحي الأساس اللغوي القريب التقسيم إلى أسباب وأوتاد أو إلى متحركات وسواكن- أمام التفسير الاستطيقي، ويجب أن نلجأ دائما إلى مفاهيم جديدة كامنة تحت العمل الشعري تضفي عليه معناه وتعطيه قيمته، والعمل الشعري لا يكون أصيلا إلا بهذه المفاهيم التي يخلقها والتي يرغمنا بطريقة تشكله على أن نلتفت إليها. كما يمكننا أن نردد مع شكري عياد قوله إن البحث في الإيقاع من شأنه أن يبين ما يتألف منه الإيقاع، وليس من شأنه أن يفسره.

نظرة إلى الشاعر الحديث
بقي نظام البيت الشعري فعل تقييد لحركية الشاعر الموسيقية وانطلاقه، عبر رتابته التي لم يسمح الزحاف إلا بقليل من الحد منها، حتى استطاع هذا الشاعر نهاية النصف الأول من القرن العشرين أن يأتي بقصيدة جديدة ذات خاصية جوهرية هي ذلك الإيقاع الناشىء عن تساوق الحركات والسكنات مع الحالة الشعورية لدى الشاعر كما يقول عز الدين إسماعيل، فحطم بذلك الوحدة الموسيقية للبيت، تلك الوحدة التي كانت تفرض على النفس حركة معينة لم تكن في أغلب الأحيان هي الحركة الأصلية التي تموج بها النفس. وقد نتج عن ذلك أن الشاعر (أصبح) يتحرك نفسيا وموسيقيا وفق مدى الحركة التي تموج بها نفسه. قد تكون حركة سريعة ما تلبث أن تنتهي، وعندئذ ينتهي الكلام أو ينتهي السطر، وقد تكون ذبذبة بطيئة هينة متماوجة وممتدة، وعندئذ يمتد الكلام أ يمتد السطر بها إلى غايتها.
وفي الوقت الذي استبدل فيه الشاعر الجديد البيت الشعري بالسطر الذي يطول أو يقصر، فقد حافظ على أساس البيت التقليدي، وهو التفعيلة التي تعد أساس النظام الصوتي في الشعر العربي، لأنها بنية موسيقية منظمة.
على أن هذه الثورة المحدودة لم تشف غليل الشاعر الجديد، فانطلق ينوع في التفعيلات في القصيدة نفسها بعد أن كانت قصيدته تقوم على تفعيلة واحدة يظل يكررها- محاولا خلق حركة موسيقية مغايرة. ثم ظهرت قصيدة جديدة بدأت تنمو وتأخذ مكانا متقدما في الفاعلية الشعرية، وتقوم على الموسيقى الداخلية التي يغلب أن تتسم بالهدوء الشفيف، متخلية عن التفعيلة الخليلية، مقتربة من النثر، لكنه نثر محمل بالصور والدلالات والإيقاعات السحرية.
ويعد الشاعر والناقد الإنجليزي (ت.س. اليوت) مرجعا أوليا للقصيدة العربية الحديثة، سواء في مذهبه الشعري، أم في آرائه النقدية. والحق أن آراءه وعمله الفعال في موسيقى القصيدة قد ساهما في شدها من أبراج الرومانسية إلى الحياة الحقيقية، سواء في الشعر الإنجليزي أم في الشعر الحديث على نطاق العالم الأوسع. ولعل ربطه الموسيقى بالمعنى يتضح في قوله في محاضرة ألقاها في العام 1942: موسيقى الشعر ليست شيئا يوجد منفصلا عن المعنى، وإلا وجدنا شعرا له جمال موسيقي كبير دون أن يكون يعني شيئا... ذلك أن بين معنى الشعر وموسيقاه ارتباطا حيويا، وكلنا يعرف أن معنى القصيدة قد يضيع تماما إذا ترجمت إلى كلمات منثورة. فالمعنى في الشعر يتطلب موسيقى الشعر حتى نفهمه الفهم الكامل، وحتى نتأثر به التأثر الواجب له.

دور النبر في الإيقاع
ويرى شكري عياد أن الشعر العربي شعر كمي -والشعر الكمي هو الشعر الذي يؤسس على الكم في المقاطع، وما يتطلبه المقطع من زمن النطق به، وتوصف تفاعيله بأنها تكون من كذا من المقاطع القصيرة وكذا من الطويلة-، كما يرى أن النبر في اللغة العربية ليس صفة جوهرية في بنية الكلمة. بينما يرى النويهي أن النبر يلون الإيقاع ويخرجه من أسر النظام الكمي الدقيق، وأنه أمل الشعر العربي الحديث، حيث يمكن أن يخرجه من الرتابة باعتماده على الإيقاع الداخلي للكلمات، وتنوعها النغمي باختلاف مخارج حروفها وأنواع حركاتها.
والنبر فاعلية فيزيولوجية تتخذ شكل ضغط أو إثقال يوضع على عنصر صوتي معين في كلمات اللغة. وهذه الفاعلية برأي كمال أبو ديب كانت أساسا في تقسيم الكتل المقطعية التي تنقسم إليها موسيقى الشعر العربي منذ نشأته. ولعل الدراسة التحليلية التي تحاول جلاء علاقة النبر والارتكاز كجزئية إيقاعية بالمعنى تظهر مدى تأثير النبر في الشعر العربي. وهي محاولة قام بها أكثر من باحث على نماذج شعرية قديمة.

الدراسة الإيقاعية للشعر
إن دراسة الإيقاع في أية قصيدة تحاول تقصي نموها ككائن حي؛ فتتلمس عناصرها الوزنية ومدى اتساقها أو اضطرابها، وعلاقة هذا الاتساق أو الاضطراب بالألفاظ والمعاني. كما أنها تحاول استرجاع النبر في ألفاظها؛ نبر العلو ونبر الشدة، وعلاقته بالحالة الشعورية أو النفسية التي دفعت القصيدة إلى الوجود. ولا بد من قراءة عناصر تشكيلها التركيبي والصوتي، ومدى ارتباط كل بالمعاني.
ويبقى التأكيد على أن الإيقاع لا تضبطه قوانين محددة، وهو متصل بالمعنى بحيث لا يدرك المعنى بمعزل عن الإيقاع، ولا تدرك جماليات الصياغة والتشكيل بمعزل عنه أيضا، كما أن العلاقة بين تشكلاته وتشكلات الشعر الأخرى تثير التأمل والتساؤل.
 * شاعر أردني

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF