غالبا ما نقرأ تصريحات لكتاب رواية عرب جرى تحويل رواياتهم إلى أفلام سينمائية، يحتجون فيها على أن رواياتهم قد شوهت، وان المخرج أساء إلى الرواية وصنع فيلما دون مستواها بكثير.
العلاقة بين السينما والأدب موضوع قديم درس وأشبع بحثا في العديد من الأدبيات السينمائية العالمية، ولكن دون الوصول إلى قناعات راسخة لا يختلف عليها الباحثون. وينطبق الوضع نفسه على الأدبيات العربية التي لم تتخلف عن متابعة هذا الموضوع سواء عبر مقالات أو دراسات متخصصة منفصلة أو حتى عبر كتب مؤلفة أو مجمعة من مقالات ودراسات خاضت في ثنايا هذه الموضوع. ولم يخل الأمر من مؤتمرات متخصصة حول العلاقة بين السينما والأدب، ومنها المؤتمر الذي نظمته جامعة الدار البيضاء العام 1992 والذي شارك فيه نقاد وباحثون من مختلف أرجاء العالم العربي.
تتمحور الإشكالية الأساسية المرتبطة بعلاقة السينما بالأدب حول مدى أمانة الفيلم السينمائي للأصل الأدبي، وهي إشكالية ذات طبيعة أخلاقية بالدرجة الأولى، حيث إن نقاط الاتفاق حول المسائل الأخرى الفنية ودرامية الطابع المرتبطة بعملية تحويل النص الأدبي إلى فيلم سينمائي أكثر بكثير من نقاط الاختلاف.
عرفت السينما العربية عامة أفلاما متعددة جرى اقتباس حكاياتها من الأدب العربي، ناهيك طبعا، عن عشرات الأفلام المقتبسة من الأدب العالمي. وفي هذا المجال تبدو تجربة السينما المصرية في مجال اقتباس وأفلمة الأعمال الأدبية، بوصفها السينما العربية الأقوى والأغزر والأقدم تاريخيا، التجربة الأشد غنى وتنوعا وتراوحا بين النجاح والإخفاق، بين الأمانة والخيانة للنص الأدبي.ولهذا من المفيد بداية إلقاء نظرة سريعة وعامة على تجربة السينما المصرية مع الأدب، خصوصا الأدب المصري.
بدأت علاقة السينما المصرية بالأدب في وقت مبكر من عمرها، وبالذات مع إنتاج فيلم «زينب» أحد أوائل الأفلام المصرية الروائية، الذي أخرجه المخرج محمد كريم في العام 1930 والفيلم مقتبس عن رواية بالعنوان نفسه للكاتب الدكتور محمد حسين هيكل. فمنذ ذلك الفيلم وجدت السينما المصرية في الأدب مادة خصبة تساعدها على سرد الحكايات المشوقة وتقديم الشخصيات المؤثرة. وفي البداية كان تركيز السينما المصرية على اقتباس الروايات الأجنبية، خاصة منها ذات الشهرة العالمية أو التي قدمتها السينما العالمية في أفلام نجحت جماهيريا. وفي مرحلة لاحقة تشجع منتجو الأفلام في مصر على التعامل مع الأعمال الأدبية المحلية خاصة من خلال بعض الروايات التي حملت توقيع الكاتب الكبير نجيب محفوظ. وهذا ما ساهم في تكريس مبدأ اللجوء إلى الأدب المحلي لتزويد الأفلام بالحكايات والمواضيع، بحيث صارت هذه الممارسة تقليدا متبعا في صناعة السينما المصرية، وفي النتيجة بات يمكن القول إن السينما المصرية اقتبست عددا كبيرا من ما كتب من أعمال روائية وقصصية قابلة للتحويل إلى أفلام.
ساهم في عمليات الاقتباس في بعض الحالات روائيون اشتغلوا على اقتباس روايات لزملائهم وكذلك كتاب سيناريو محترفون، وفي حالات أخرى تولى المهمة مؤلفو الروايات الذين عملوا على اقتباس أعمالهم الخاصة للسينما بأنفسهم. وفي النتيجة بات يمكن القول إن هذه الممارسة أدت إلى نوع من الالتحام بين السينما والأدب في مصر، بصرف النظر عن مدى متانته أو هشاشته. غير أنه على الرغم من هذا الالتحام، فإن العلاقة بين السينما والأدب المصريين لم تؤد إلى استفادة السينما من الأدب على المستوى الإبداعي، ولم يؤثر الأدب إيجابا على مستوى الأفلام المصرية ونوعيتها إلا في حالات قليلة جدا ومن خلال جهود مخرجين كانت تحدوهم الرغبة في صنع أفلام ذات مستوى فني جيد ومضمون واقعي بخاصة. ذلك إن الغالبية العظمى من الأفلام المصرية المقتبسة عن نصوص أدبية محلية كانت متخلفة عن مستوى الأصل الأدبي فنيا وفكريا، وذلك بصرف النظر عن قيمة الأصل الأدبي بذاته، بل يمكن القول إن غالبية الأفلام شوهت أصولها الأدبية ومسختها أو أفرغتها من مضمونها ومن جمالياتها، لأن هذه الأفلام كانت تصنع لأغراض تجارية بحتة ولم تهتم أصلا بالمحافظة على القيم والجماليات التي تتوفر في الأصل الأدبي، وكانت تكتفي باقتباس مكونات السرد القصصي. وفي حين أن بعض هذه الأفلام كانت تمتاز بتقنيات سينمائية جيدة ومستوى نوعي من الإخراج السينمائي، فإنها بالمقابل، كانت تفتقد، إلا في بعض اللحظات، الحساسية والروح الشعرية الأدبية.
هذا على الرغم من أن استمرارية ممارسة اقتباس الأعمال الأدبية تسببت في اكتساب المزيد من الخبرات، سواء عند كتاب السيناريو أو المخرجين، خصوصا مع جهود مخرجين ينظرون للسينما نظرة جدية أكثر احتراما، من أمثال صلاح أبو سيف وتوفيق صالح وهنري بركات وكمال الشيخ، إضافة إلى الجيل التالي الذي بدأ يظهر في ساحة السينما المصرية نتيجة تأسيس المعهد العالي للسينما والذي بدأ يخرج سينمائيين دارسين لمختلف فروع السينما، ومن بينها السيناريو، ويتمتعون بمستوى ثقافي فكري وبمهارة حرفية وبموهبة فنية، بما يؤهلهم لصنع أفلام جيدة، ذلك أن هذا التطور في الخبرات التي تراكمت على مدى عدة عقود من الزمن وهذه الظروف الجديدة، والتي نتج عنها إنتاج مجموعة من الأفلام جيدة المستوى شكلا ومضمونا والمعتمدة على سيناريوهات أصلية وليست مقتبسة عن أعمال أدبية، لم تعكس نفسها، كما هو مأمول وكما يجب، على مستوى ونوعية العلاقة بين السينما والأدب، خاصة من زاوية المحافظة على جماليات النص الأدبي الأصل، وتطوير هذه الجماليات من خلال الفيلم، رغم الاستمرار في اقتباس الأعمال الأدبية بعد أن أثبت هذا الأمر جدواه من حيث الجذب الجماهيري، ورغم أن بعض المخرجين الذين اخرجوا أفلاما مقتبسة عن روايات انطلقوا في إخراجهم لهذه الروايات من إعجابهم وتأثرهم بها، فتعاملوا معها أثناء تحويلها إلى أفلام باحترام خاص.
ذلك أن المنطلق الذي ينطلق منه السينمائيون الجادون القائم على وعي جديد بأهمية السينما وبوظيفتها والمستند إلى رغبتهم في صنع سينما جديدة متطورة عن السينما التجارية الترفيهية، يهدف، من ناحية، إلى تقديم مواضيع ومعالجات فيلمية تعكس الواقع بصدق وتعبر عن المشاكل والهموم الحقيقية للمجتمع، ومن ناحية ثانية، إلى إنجاز شكل سينمائي يعكس الموهبة الفنية الخاصة بكل سينمائي على حدة وتطويع التقنيات السينمائية لهذا الغرض وصولا إلى تحقيق أسلوب متميز يعبر عن الرؤية الذاتية للمخرج. وهذا يعني أن أولئك السينمائيين لم يكونوا معنيين بالجانب الأدبي من هذه العلاقة بقدر ما كانوا معنيين بالجانب السينمائي، وبالتالي لم يسعوا لتطوير مفاهيم محددة وواضحة حول علاقة السينما بالأدب، ولم تعط لهذه المسالة أية عناية ولم يجر التعامل معها بوصفها قضية ذات أهمية خاصة.
وفي الواقع، فإنه لولا اهتمام النقاد والباحثين بإشكالية العلاقة ما بين السينما والأدب، لتجاهل السينمائيون صانعو الأفلام هذا الأمر كليا ونأوا بأنفسهم عن التورط في خوض نقاشات تربك ممارستهم لعملهم. ذلك انه بالنسبة للنقاد، خصوصا منهم المنشغلين بالهم النظري، فإنه لا يجوز تجاهل إشكالية العلاقة بين السينما والأدب، ولهذا بادر النقاد إلى طرح تساؤلاتهم بهذا الصدد، الأمر الذي جعل السينمائيين بدورهم يقفون أمام ضرورة تقديم الإجابات عن الأسئلة المطروحة عليهم من قبل النقاد. وهكذا اندغم السينمائيون، المضطرون بطبيعة الحال لتبرير ما يتهمون به من سلبيات في التعامل مع الأصل الروائي، في دوامة النقاش جامعين في سلة واحدة الجوانب النظرية والعملية التطبيقية المتعلقة بهذه الإشكالية. وفي المحصلة صار الجدل يتمحور حول الطبيعة المختلفة الخاصة بكل من وسيلتي التعبير، أي الأدب المكتوب والسينما المرئية المسموعة، حيث إن هذا الاختلاف بين الوسيلتين هو ما يسمح للسينمائيين باقتباس الأعمال الأدبية بطريقة تتجاهل خصائص وسيلة التعبير الأدبية وتتجاوب في الوقت نفسه مع خصائص وسيلة التعبير السينمائية. وبالنسبة للسينمائيين فإن الاستنتاج العملي يقود إلى قناعة فحواها إن الالتزام بالنص الأدبي سيؤدي إلى خيانة جوهر وسيلة التعبير السينمائية، أو إضعافها في أحسن الأحوال.
هذا في حين أن كل هذا الجدال المستعر لم يؤد إلى صياغة مواقف أو مفاهيم نظرية دقيقة وواضحة تماما ومتفق عليها تحدد بالضبط ما هو الأدبي وما هو السينمائي، وما هي الخصائص الأدبية التي يجب الالتزام بها والتي يمكن الاستفادة منها في السينما وتبقى في الوقت نفسه أدبا، ولكن دون أن تضعف السينما، وأخيرا، ما هي تحديدا أوجه الاقتراب والتباعد بين هاتين الوسيلتين من زاوية البنى الدرامية والاستخدامات الدلالية.
تكتمل هذه الصورة الإجمالية لعلاقة السينما العربية بالأدب من خلال الإشارة إلى ثلاثة مستويات لها، الأول هو المستوى التجاري البحت والذي يتم فيه تشويه الأدب، والثاني هو الأفلام التي تقف في المرحلة المتوسطة ما بين التجارة والفكر والفن فتحاول قدر الإمكان عدم الإساءة للنص الأدبي، أما المستوى الثالث فهو الأفلام التي تستند إلى أعمال أدبية ذات قصة متميزة أو ذات مضمون مهم، فتحترم روع العمل الأدبي ولكن دون الالتزام بتفاصيله، وتعوض عن ذلك عن طريق التركيز على الجودة الفنية للفيلم السينمائي وتميز رؤية المخرج.
وإذا اعتبرنا أن ما يهمنا هنا هو هذا المستوى الثالث بالذات، فإننا سنلاحظ أن القاسم المشترك في الموقف من العلاقة بين السينما والأدب أو بين الفيلم والأصل الأدبي، يتلخص أولا في انه ليس على السينما أن تلتزم بالعمل، بل إن المهم هو عدم الإساءة إلى جوهر العمل الأدبي الأصل أو روحه، وثانيا، إن الفيلم السينمائي ليس مجرد قراءة ثانية للعمل الأدبي بوسيلة تعبير مختلفة، بل هو نص آخر كليا يتكئ على الأصل الأدبي في بعض النواحي، ولكنه لا يشترط به في المحصلة النهائية، خصوصا مع وجود فروقات كبيرة بين الوسيلتين ليس فقط على مستوى التعبير، بل أيضا على مستوى الاستقبال.
يقودنا هذا التوضيح إلى الاستنتاج الأولي الذي يشير إلى أن علاقة السينما العربية بالأدب العربي هي علاقة من طرف واحد تستغل عبرها السينما الأدب، تستفيد منه ولا تفيده. ويبدو أن هذا النوع من العلاقة بات أمرا متعارفا عليه ومقبولا حتى من قبل مؤلفي الأعمال الأدبية الذين استسلموا للوضع وباتوا يتقبلون الطريقة التي تتعامل بها السينما مع أعمالهم الأدبية، إما لقناعة بوجود فروقات بين وسيلتي التعبير لا يمكن تجاوزها، أو يأسا من إمكانية تطوير هذه العلاقة لصالح الالتزام بالنص الأدبي الأصل قدر الإمكان، وهو التزام يعتبره السينمائيون العرب مستحيلا.
ونجد من المناسب هنا أن نورد بعض الآراء والاجتهادات التي جاءت على لسان نقاد وسينمائيين عرب في المؤتمر الذي جمعهم في الدار البيضاء الذي انعقد لبحث موضوع العلاقة بين السينما والأدب العربيين:
نبدأ من المخرج صلاح أبو سيف الذي يرى أن مصطلح «الاقتباس» قد لا يكون المصطلح الملائم، إذ إن كلمة «الاقتباس» لا تعطي المعنى المطلوب. ويشير أبو سيف إلى واقع أن ثمة مصادر متعددة لبناء الفيلم السينمائي على أساسها تخدم بالكفاءة نفسها، وهي تشمل الرواية والقصة القصيرة والمسرحية وأي خبر في جريدة عن حدث أو شخصية مميزة. على أن الأمر الأصعب هو تحويل رواية طويلة إلى فيلم سينمائي، خصوصا مع الأخذ بعين الاعتبار وجود إمكانية للمقارنة بين الرواية والفيلم من قبل المتفرج الذي قرأ الرواية، وهي مقارنة قد لا تكون بالضرورة لصالح الفيلم. ويرى أبو سيف أن الأساس في الاقتباس عن العمل الأدبي يجب أن يرتكز على ما يريده الكاتب من روايته، وأن على كاتب السيناريو والمخرج أن يكتشفا فكرة الكاتب المتضمنة ما بين السطور كي يصلا إلى فهم أفكاره واستيعاب أهدافه فيتمكنا من التعبير عنها. ومن هذا المنطلق يرى أبو سيف أن لكاتب السيناريو الحق في إجراء تغيير في الأحداث وعلى الشخصيات، لكنه لا يملك الحق في تغيير هدف العمل الأدبي الأصل وفكرته وروحه.
أما المخرج علي بدرخان، فيرى أن المهم بالنسبة للمخرج هو الوصول إلى اختزال فكرة عمل روائي طويل خلال ساعة ونصف الساعة من الزمن، مستفيدا من إمكانية اختصار المقاطع الوصفية للجو والمكان ومشاعر الشخصيات )وهي جميعا تشكل جزءا من أسلوب أي كاتب)، والتعبير عن ذلك كله بوسائل بصرية سمعية مونتاجية مختصرة. فهناك في السينما إمكانية لتعديل الزمن بالاختصار أو بالإطالة، ولتعديل المكان لأنه يمكن رؤية المكان بصريا واكتشاف عناصر جمالية أو تعبيرية فيه دون الحاجة إلى الكلمات، كما توجد إمكانية لتعديل الشخصيات سواء بالحذف أو بالإضافة. كما إن التعديل يمكن أن يشمل النهاية، فالمخرج قد يختار نهاية خاصة به يعكس من خلالها رأيه وليس رأي الكاتب. ويشير علي بدرخان إلى أن الفرق الأساسي بين الرواية والفيلم يكمن في أن الرواية تتمتع بحرية أكبر، وأنه في النهاية هناك أسلوبان وهناك خصائص ذاتية وأخرى نوعية، ولهذا لا يمكن البحث عن أوجه التشابه بين الأصل الروائي والفيلم المقتبس عنه لأن المجالين مختلفان تماما.
أما الكاتب الروائي وكاتب السيناريو السينمائي صبري موسى فينطلق من تجربته الخاصة الجامعة، سواء ككاتب للرواية أو ككاتب سيناريو لإحدى رواياته أو لروايات غيره من الأدباء المصريين. وقبل أن نتطرق إلى ملاحظات صبري، لا بد من الإشارة إلى أن دراسة تجربته في هذا المجال تكشف عن عدد من الملابسات والمفارقات التي تصاحب عملية تحويل الأدب إلى سينما. وابرز ما في هذه التجربة أن القصة الطويلة التي كتبها صبري موسي وسماها «حادثة النصف متر» قد تحولت مرتين إلى فيلم سينمائي. مرة في فيلم مصري بالعنوان نفسه كتب له السيناريو صبري موسى نفسه، ومرة ثانية في فيلم سوري، أيضا بالعنوان نفسه، أخرجه وكتب له السيناريو سمير ذكرى. والمفارق في الأمر هنا أن الفيلم المصري حسب بعض النقاد، ابتعد كليا عن روح القصة الأصل وأسلوبيتها، ورهن نفسه لتقاليد السينما التجارية الميلودرامية، في حين أن الفيلم السوري بدا أقرب إلى روح الأصل وأسلوبه، وأكثر التزاما بهما. أما صبري موسى نفسه فيحلل تجربته هذه من وجهة نظر مغايرة ، فهو يشير إلى أن تجربة إخراج فيلمين مختلفين مقتبسين عن قصته تدل على مدى حرية كاتب السيناريو في التعامل مع الأصل الأدبي، ويقول في هذا الصدد: « كتبت (حادثة النصف متر) في العام 1962 عن موقفنا كشرقيين من الحب والشرف، والقصة تركز على الجانب الاجتماعي مع بعض الإسقاطات الرمزية وبشكل غير مباشر على الواقع السياسي. أنا كتبت السيناريو للفيلم المصري. وكانت تجربة صعبة ركزت من خلالها على الجانب الاجتماعي كما فعلت في الرواية. أما الفيلم السوري فقد انتزع من بين سطور القصة كل عناصر الدراما السياسية وأعطاها توجها جديدا. فماذا أسمي هذا؟ اقتباسا؟ ترجمة؟ أنا أسمي هذا إعادة خلق».
ويؤكد صبري فكرته حول حرية كاتب السيناريو في التعامل مع الأصل الأدبي عبر مثال السيناريو الذي كتبه لواحد من الأفلام عد من أفضل كلاسيكيات السينما المصرية وهو فيلم «البوسطجي» المقتبس عن قصة ليحيى حقي. ويوضح صبري تجربته على النحو التالي: «شاع أن يحيى حقي كتب قصة سينمائية، وانه جسد في روايته العديد من الوسائل السينمائية والأساليب الحديثة مثل الفلاش باك والتداعي. غير أنني وجدت أنه من الأفضل أن أعيد صوغ هذا العمل الأدبي وبنيت السيناريو بطريقة تقليدية، أي بداية ووسط ونهاية».
على كل حال، يؤكد صبري موسى أن الموضوع شائك ومتعدد الأوجه، ويحتاج الخوض فيه إلى معرفة ماهية الأدب وماهية السينما. ويكرر المقولة التي تشير إلى أن الأدب يعتمد على خيال القارىء الذي يشارك في خلق العمل الأدبي، أما متفرج السينما فلا يشارك في عملية الخلق، بل يتلقاها وهو يجلس في ظلمة الصالة ويراقب الصور تتتالى أمامه. وهو في النهاية يكون رأيا في الفيلم لكنه لا يشارك في عملية إبداعه. ويلاحظ صبري موسى أن الاقتباس يمكن أن يقوم على الاستفادة من جزء من الرواية وتجاهل بقية أجزائه مثلما حصل مع تجربة المخرج داوود عبد السيد، عندما اخرج فيلمه الشهير «الكت كات» الذي كتب له السيناريو بنفسه والذي هو اقتبس عن رواية «مالك الحزين»، لكنه لا يستند إلى الرواية بكاملها بقدر ما يستند إلى شخصية، ثانوية حتى، من شخصيات الرواية، جعل منها المخرج أساس الفيلم ومحوره وشخصيته الرئيسية. واقترح صبري موسى بالمقابل استخدام مصطلح جديد بدلا من مصطلح الاقتباس هو «ترجمة الأدب إلى سينما»، وذلك في الحالة التي يحاول فيها المخرج أن ينقل الرواية كاملة، مثلما فعل المخرج الروسي سيرغي باندرتشوك عندما اقتبس رواية «الحرب والسلم» محاولا قدر الإمكان أن ينقلها صفحة فصفحة فتوصل إلى فيلم ملحمي من أربعة أجزاء بطول إجمالي يقارب الثماني ساعات.
أما الناقد المغربي مصطفى مسناوي فيرى أن الرواية تعطي إمكانية تأويلات عديدة، لكن السينما لها تأويل واحد، ويضيف أن التحويل من الأدب إلى السينما يشكل نوعا من القطيعة.
من جانبه استغرب المخرج السوري نبيل المالح فكرة عقد ندوة حول السينما والرواية وليس عن السينما والطبيعة، مؤكدا أن محاولة ربط السينما بالرواية لا تختلف عن محاولة ربطها بأي مصدر إلهام آخر.
وقارن الكاتب نصري حجيج بين رأيين يصبان في اتجاه واحد، أحدهما لروائي والثاني لسينمائي، فهو يقتبس عن الروائي جوزيف كونراد قوله «مهمتي أن أجعل القارىء يسمع ويحس ويرى»، بالمقابل يقتبس عن المخرج دافيد وورك غريفث قوله: «مهمتي أن أجعل المشاهد يرى».
وفي الختام لا بد من الإشارة إلى وصف مميز لعملية الاقتباس ورد على لسان المخرج المصري خيري بشارة في مقابلة أجراها معه كاتب هذه السطور تتعلق بتجربته في إخراج فيلم «الطوق والأسورة» الذي كتب له السيناريو يحيى عزمي واقتبسه بنجاح وبأمانه عن رواية بالعنوان نفسه للكاتب يحيى الطاهر عبد الله. يقول بشارة معبرا عن علاقته الخاصة كمخرج سينمائي بالنص الأدبي: «العلاقة بين الواقع والأدب والسيناريو والصورة النهائية للفيلم هي سلسلة متواصلة من العشق والتمرد».
* ناقد سينمائي أردني