إيمان مرزوق - كثيرا ما نستخدم عبارات تجميلية منمقة، أو يصدر عنا سلوكيات مفتعلة بهدف استرضاء الطرف المقابل، مغفلين في كثير من الأحيان مصداقية ما نقول وموضوعية ما نتصرف، وكل منا يرى المجاملة من منظوره الخاص ويبررها وفقا لما تقتضيه مصلحته بالدرجة الأولى .
وفي حديث للملحق أشارعرفات بركات إلى أن شكل المجاملة يختلف تبعا لشخصية المتلقي فكل إنسان يفرض على الآخرين طريقة معاملة معينة . ويجد أن غالبية هذه المجاملات كاذبة وتستعمل لتحقيق مصلحة ما .
ويضيف : «أنا لا أحب أن يجاملني الناس لأنني لن أتمكن من معرفة وجهة نظرهم الحقيقية بي وبذلك لا يكونوا موضوعيين في رأيهم وبهذه الطريقة أفقد فرصة التعرف على نقاط ضعفي وأخطائي التي أسعى لتجنبها في المستقبل، وعملي في مجال صهر المعادن وتشكيلها لا يحتمل مجاملة تلاميذي من اليافعين فهناك حدود حاسمة بين الخطأ و الصواب وأنا إذا جاملتهم خدعتهم، وقد عانيت من هذه المشكلة عندما كنت أنا تلميذا كان أساتذتي يجاملونني ويخفون بعض المعلومات عني على سبيل (سر المهنة) مما كان يزعجني للغاية، بينما أجد المجاملات أساسية وضرورية في عملي الإضافي كدليل سياحي فالعمل في هذا القطاع يحتاج لقدر كبير من اللباقة واستيعاب السياح بمختلف أطيافهم.
نهى محمد زهير خريجة قسم التسويق تعتقد أن معظم الناس يفضلون المجاملة على المصارحة والنقد المباشر، وتؤكد: «أحب أن يجاملونني كما أجاملهم، وإذا أردت رأيا صريحا فأنا أستشير المقربين ممن أثق بهم من الأهل والأصدقاء» .
كما ترى أن هناك أمورا لا تحتمل المجاملة مثل مبادىء الإنسان الثابتة والدين، وعندما تكون المجاملة مبالغ بها تكون مكشوفة وتجعل الشخص المقابل يشعر بالنفور والإزدراء .
جمال العبد يعتقد أنها سلوك ضروري في تعامل الناس مع بعضهم البعض وقد تكون بهدف المصلحة وخاصة عندما تصدر من الموظفين تجاه رئيسهم في العمل بشكل يومي ومكثف، وتتفاقم المشكلة عندما يجامل المدير من هو أعلى منه سلطة على حساب موظفيه البسطاء فيحرمهم من امتيازات معينة يستحقونها مثل المكافآت ورحلات السفر والدورات والترقيات وهنا يتداخل معنى المجاملة بالواسطة والمحسوبية . بينما تكون إيجابية وذات هدف إنساني كأن نجامل مريضا عند زيارته وإخباره بأنه يتحسن بشكل كبير .
و تكون محدودة في دائرة القربى والأصدقاء بحكم الإحتكاك المباشر، وانعدام المصالح الشخصية . وتتزايد كلما اتسعت الدائرة .
ويبين أن الشباب يجاملون الفتيات بشكل أكبر لأنهن أكثر رقة وحساسية للإنتقاد .
وفاء الشقور تجد أن الرجال يحرصون على مجاملة النساء إلا أن هذه المعادلة لاتشمل الزوجات ! وتضيف : «إذا تعلق الأمر بالعمل والمصلحة العامة فأنا لا أستطيع المجاملة أبدا» .
رمضان سليمان السوطري مشرف مكتبات يرى أنها ضرورية ولكن ضمن حدود حتى لاتتحول إلى نفاق، أما الدافع الكامن وراءها هو إرضاء الشخص المقابل لمحبتنا له أو لتحقيق مصلحة ما.
كما يفرض الموقف طبيعة المجاملة التي قد تكون موجهة للزوجة أو لصديق أو أي إنسان، ويشير : «بحكم عملي أنا مضطر لاستيعاب و مجاملة جميع رواد المكتبة حتى لو لم يكونوا على صواب، ولكن بالتأكيد هناك قضايا هامة ومصيرية لا تحتمل التهاون بها» .
ويرى أن الرجال يجاملون النساء أكثر والعكس صحيح بهدف تحقيق القبول والجاذبية تجاه الطرف الآخر .
رأي ذوي الإختصاص
من جهتها أكدت الدكتورة نجوى عارف الأخصائية في الاستشارات الأسرية بأن المجاملات بشقيها اللفظي والمادي ضرورية لأنها تعمل على التواصل ودعم العلاقات وحتى تكون إيجابية يجب أن تتوافر فيها الشروط التالية :
- أن لا تصل حد المبالغة .
- أن لاتكون مكلفة فتحمل الشخص فوق طاقته كما هو الحال في الهدايا وإقامة الولائم الكبيرة .
- أن تكون في الوقت المناسب حتى يتقبلها الطرف الآخر بصدر رحب .
- أن لاتكون مشروطة بتحقيق غرض ما أو مصلحة شخصية وإلا تحولت إلى تملق ونفاق .
- أن لا تكون بعيدة عن الحقيقة .
وتضيف الدكتورة نجوى أن لدى الكثيرين من الناس اعتقادا خاطئا بأن المرأة أكثر حاجة من الرجل للمجاملة والإطراء، إلا أن هذا الإعتقاد عار من الصحة لأن الإنسان ذكرا كان أو أنثى يحتاج بتركيبه الفطري والطبيعي للإطراء والمجاملة على حد سواء .
وأن المجاملات المبالغ بها سرعان ما تكتشف وتتسبب بالإحراج لقائلها الذي يظهر بثوب الكاذب المتملق .
وفي كثير من الأحيان تعمل المجاملة خاصة المادية منها على إعاقة التواصل بين الأفراد بحيث تصبح عبئا إقتصاديا يكبد الشخص مالا ووقتا إضافيا في مواسم الأفراح وتخريج الجامعات والتوجيهي وغيرها من المناسبات الإجتماعية .
مؤكدة أن أنجحها ما كان بسيطا ونابعا من القلب .
