منال القبلاوي - بعد ولادة أربع بنات، لم تعد أم علياء تدري ما الوسيلة المضمونة لإنجاب مولود ذكر. فمنذ حملها الثاني وهي تلجأ لأطباء الاختصاص لإنجاب الولد إلا أن الولادات السابقة جميعها كانت إناثا. ورغم إصابتها بسكر الحمل وفقر الدم ، إلا أن أم علياء لا تعتقد أنها ستتوقف عن محاولات إنجاب جديدة بانتظار المولود الذكر.
وحال أم علياء ليس أفضل حالا من أم هبة التي لجأت للبرنامج الصيني، ولإحدى العرافات وأخيرا للطب من أجل إنجاب أخ لبناتها الخمس دون طائل.
وتدعو أم هبة ربها ليل نهار أن يرزقها الولد، خاصة أنها ما عادت تحتمل نظرات وهمسات الناس المحيطة بها ممن يحملونها بطريقة غير مباشرة مسؤولية إنجاب الإناث.
وتنعكس مشكلة الإنجاب المتكرر، بانتظار المولود الذكر بعواقب سلبية عديدة على صحة الأم والجنين، وعلى الواقع الاجتماعي للأسرة في إطار المعتقدات الخاطئة لدى العديد من فئات مجتمعنا العربي الذكوري.
اختصاصي علم الاجتماع في الجامعة الأردنية د. حلمي ساري، يرجع وجود هاجس الرغبة بإنجاب المولود الذكر لدى الأسر العربية إلى أن الثقافة العربية ثقافة ذكورية. مؤكدا أن الأب أو ألام لا يعتبران في نظر المجتمع منجبين ماداما لم ينجبا الولد ومهما كان عدد أفراد الأسرة من الإناث. باعتبار أن الولد رأسمال الأم وهو الداعم لها عند كبرها في المستقبل.
وبحسب ساري فإن مرد هذا الهاجس أن الابن الولد كان قديما يعول والديه عند الكبر، مما كان يبرر هذا الاعتقاد إلا أن وجود مؤسسات الضمان الاجتماعي ومؤسسات الدولة بشكل عام حل في رعاية الأسرة مكان الأبناء حاليا. إضافة إلى أن العديد من الفتيات حاليا يساعدن أسرهن ماديا أكثر من الأبناء الذكور.
إلا أن الثقافات - بحسب ساري - تحتاج لعشرات السنوات من أجل التغيير إلى جانب أنها تتطلب من الفتاة نفسها أن تثبت كفاءتها وتصديها لهذه الثقافة. مؤكدا وجود ميل وخرق ملموس نحو التغيير بات يظهر مؤخرا.
ووفقا لأخصائية النسائية والتوليد الدكتورة سحر الخليلي يوجد ثلاث طرق علمية للعمل على تحديد جنس المولود الذكر قبل الحمل أو أثناءه هي الغذاء ورصد البويضة، الغسيل المهبلي بالكربونات لإنجاب الذكر وفصل الحيوانات الذكرية عن الأنثوية بالمختبر إضافة إلى تحديد الجنس في حالات أطفال الأنابيب والتي فيها يتم إرجاع الأجنة الذكور للرحم بعد استقصاء الأنثوية منها.
وأكدت الخليلي من خلال متابعتها للحالات المرضية لديها، أن الأم هي الأكثر اهتماما بإنجاب الولد من الأب بسبب الضغوطات الاجتماعية المحيطة بها والتي تشعر أم البنات دائما بالنقص وعقدة الذنب وتشعرها بأنها لم تنجب أصلا. وبحسب الخليلي فإنه يمكن معرفة جنس المولود بعد 16 أسبوعا بالالتراساوند وخلال (12 -14) أسبوعا بطريقة الخزعة في حالة أطفال الأنابيب. ورغم أن الطب الحديث أكد مسؤولية كلا الوالدين عن تحديد جنس المولود إلا أن المسؤولية في الإطار الاجتماعي تقع على عاتق الأم فقط دون الأب.
وعن رأي الدين الإسلامي في الأخذ بالأساليب العلمية الطبية الحديثة لاختيار جنس المولود قال أستاذ الفقه وأصوله في الجامعة الاردنية الدكتور محمود السرطاوي، ''إن الشريعة الإسلامية جعلت البنين من أكبر النعم على الإنسان، ولذلك فإن سعى الإنسان ليكون له ذرية وخلف يحمل اسمه وذكره وميراثه من بعده، أمر فطري ينسجم مع الفطرة الإنسانية التي خلقه الله عليها''.
ووفقا للسرطاوي فإن ''المعالجة للحصول على جنين ذكر أو أنثى أمر مشروع دينيا ويحقق أكبر النعم التي أنعمها الله علينا أي ان اتخاذ الوسائل العلمية كالتغذية لا شيء فيها في حال ارادت أسرة ما الحصول على جنس مولود غير موجود بالأسرة''.
مؤكدا أن ''إجازة انتقاء جنس الجنين بشكل مطلق تؤدي الى خلل في التناسق الكوني خاصة ان رغبة العديد من الاسر تندرج تحت إنجاب الذكور دون الإناث إلى جانب أن هذا الاطلاق يتنافى مع مبادئ الاسلام ويعيد مفاهيم جاهلية جاء الاسلام لالغائها ومحاربتها والتي كانت ترى ان انجاب البنت انجاب دوني دون انجاب الولد. فالذكر والأنثى عباد الله جعلهما مكرمين ولكل منهما وظيفته في تعمير الكون. ولذلك فإن الاستعانة بالاساليب العلمية لاختيار جنس المولود في الحالات الفردية يفتى بها بفتاوى خاصة وليست فتاوى عامة لخطورة التعميم على التناسق الكوني، فالكون لا يمكن ان يستمر بتغليب جنس على آخر. وهنا يصبح استخدام العلم في غير ما شرع الله به.
وفي السياق نفسه توصل مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الاسلامي إلى حكم شرعي يقول: ''إذا كان الغرض الحصول على مولود ذكر كراهية في الأنثى أو لمعرفة جنس اللقيحة ثم إجهاضها فهذا غير مسموح به، أما إذا كان الغرض تحديد جنس اللقيحة مبكرا للحصول على جنس معين في حالة وجود مرض وراثي في العائلة خاصة تلك التي تنتقل عبر الكروموسومات الجنسية فهذا يمكن، ويستحسن عدم اللجوء إلى هذه الطرق إلا على نطاق ضيق جدا''.
فيما أفتى الدكتور محمد رأفت عثمان مقرر لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بجواز استخدام تقنيات الهندسة الوراثية لاختيار نوع الجنين ذكرا كان أم أنثى، وأكد أن اختيار نوع الجنين جائز شرعا لأن هذا العمل يدخل في باب المباحات، ولا يوجد دليل في القرآن أو السنة يحرمه.
وقال: إن الإجماع قام على جواز الدعاء بالطلب من الله -عز وجل- أن يرزق الإنسان ذكرا أو أنثى، وكل ما جاز الدعاء به جاز للإنسان أن يفعله، وكل ما لا يجوز فعله لا يجوز الدعاء به.
يذكر ان المنظمات العالمية في الدول التي تجرى بها عمليات اختيار جنس المولود على نطاق واسع تقيدها بشروط عدة أهمها ارتباط جنس المولود بمرض وراثي أو تشوه خلقي يتناقل مع الأجيال .
أما اذا تركت هذه العملية دون قيود فان ذلك سيؤثر على التوازن البشري وخصوصا في الدول التي للجنس الذكري بها قدسية عالية.
يشار الى أن أمر جنس المولود المنتظر بقي شغل الوالدين الشاغل عبر العصور لاعتبارات عديدة.
فكثيرة هي المحاولات التي سعى لها العرق البشري من أجل تحديد جنس المولود اعتمدت كلها على افتراضات النجاح أو الفشل، حتى تدخل العلم وأصبح لاختيار جنس المولود وسائل مختلفة تتفاوت في درجات تعقيدها وفرص نجاحها بدأت بفرضيات تناقلت مع الأجيال ووجدت لها مدخلا علميا لتنتهي بوسائل معقدة يديرها علماء الأجنة في مختبرات معقدة التجهيز
ويعد البرنامج الصيني من أولى المحاولات الساعية للتدخل في جنس المولود، حيث قدمه الصينيون قبل ما يتجاوز 700 عام. عكف خلالها علماء الفلك القدامى لايجاد علاقات فلكية بين عمر الجنين وعمر الأم وربطها بعوامل خمس هي الماء، الأرض، الخشب، النار والمعدن. الى ان اثبتت الأبحاث (Rajan S. Joshi) مؤخرا بأن تغذية المرأة كان لها تأثير في عملية اختيار جنس المولود. وذلك بتأثيره على المستقبلات التي ترتبط بها الحيوانات المنوية في جدار البويضة، والتي عن طريقها تخترق الجدار ويحدث التلقيح.
ولاتباع هذه الطريقة فعلى السيدة اتباع حمية غذائية لمدة زمنية لا تقل عن الشهرين تدعم بها المخزون الغذائي الذي يشجع الجنس المرغوب به.
فمثلا لانجاب المولود الذكر ينصح بالاكثار من ملح الطعام لاحتوائه على الصوديوم والاكثار من الاغذية الموجود فيها البوتاسيوم كالفواكه الطازجة كالموز والمشمش والبطيخ وعصير البرتقال والكرز اضافة الى الفواكه المجففة، والخضارغير الورقية، الدجاج بدون جلد والديك الرومي، الحبوب المجففة، السكر والجلي والبشار والزبدة النباتية والمربى والارز والقهوة والخبز الابيض واللحوم والاسماك.
ولانجاب انثى ينصح بالاكثار من تناول الاغذية الغنية بالكالسيوم ومنها الحليب ومشتقاته، خبز القمح،السمسم واللوز والبندق وعباد الشمس، سمك السلمون، السردين والمحار اضافة للخضار الورقية، الفواكهه عدا الموز والبرتقال والمشمش والكرز، الامتناع عن الحلويات والمقالي والشوكولاته.
وهنالك طرق اخرى لاختيار جنس المولود منها طريقة توقيت الجماع وطريقة الوسط الحامضي والقاعدي. اضافة الى طريقة فصل الحيوانات المنوية بالطريقة العادية والحقن الاصطناعي او بالاعتماد على محتويات المادة الوراثية ،(NA) إلا أن نسبة النجاح تبقى محدودة في هذه الطرق مجتمعة. أما الطريقة الأكثر انتشارا والأكثر ضمانا حيث تصل نسب نجاحها إلى 99% فهي طريقة أطفال الأنابيب وفيها تتم دراسة نوع الأجنة بعد تشكلها وانقسامها قبل إرجاعها إلى رحم الام. فيما تبلغ النسبة الطبيعية دون اتباع أي طريقة لاختيار جنس المولود 51% بحسب موقع العنقود على شبكة الانترنت.
ورغم كل هذه الطرق العلمية والفلكية لاختيار جنس المولود ما زالت أم علياء وأم هبة تنتظران المولود الذكر للتخلص من لقب ام البنات ولاشباع رغباتهما الفطرية بالحصول على الولد.