يعتبر جمال الدين الأفغاني أهم رواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر، ورائد الاتجاه السلفي العربي الحديث، وقد تعددت مواهبه واهتماماته، ولكنها تركزت في النهاية حول رفع شأن المسلمين، وتوحيد كلمتهم للتصدي للاطماع الاستعمارية المحيقة بالدولة العثمانية، التي كانت تعاني من الضعف والانحلال.
طاف الأفغاني البلاد الاسلامية، فزار ايران ومصر وتركيا والهند والأفغان والحجاز، بالاضافة للدول الغربية كبريطانيا وفرنسا وروسيا، فتعرف الى أحوال تلك الدول وأحوال المسلمين فيها، وطبيعة مشاكلهم، واكتسب ثقافة موسوعية بالاضافة إلى ثقافته الدينية ومعرفته بالانجليزية والفارسية والتركية، وكون في مصر حلقة من المريدين والأدباء ورواد النهضة العربية الذين التفوا حوله، وعملوا بآرائه، وطبقوا أفكاره فيما بعد، وأشهرهم محمد عبده، وأديب اسحق، وسعد زغلول، فأصدروا الصحف وشاركوا في الحراك الثقافي والاجتماعي، مما ألب الحساد الرجعيين والمحافظين عليه.
ومع تصاعد المد الوطني في مصر، وتجذر الحركة العرابية التي انتقلت من كونها حركة عسكرية الى حركة وطنية شاملة مثلت مطالب المصريين وتطلعاتهم، مرتبطة بتوجهات الأفغاني، بادر الخديوي توفيق الى طرد الأفغاني من مصر، فسافر الى الهند، وبقي فيها ثلاث سنوات، ثم سافر بعدها الى باريس، والتقى هناك بمحمد عبده، وأنشأ جمعية العروة الوثقى، وصحيفتها الناطقة باسمها (العروة الوثقى)، لتكون منبرا للتحريض ضد الظلم والاستبداد، ودعوة للتحرر والنهوض.
ولم تسنح الفرصة لجمال الدين الأفغاني لإغناء أفكاره وتعميق منهجه الاصلاحي، فكان شديد الانشغال بأفكاره العملية (الجامعة الاسلامية)، وهي الرابطة اللازمة لحشد القوى رسميا وشعبيا للتصدي للأطماع الغربية، فلم ينتج الكثير من الكتابة المنظمة والمعمقة.
كان الأفغاني سلفيا مثاليا، جسد في أفكاره وطرائق تفكيره خصائص المصلح الديني السلفي، فأسباب الفشل وتدهور أحوال المسلمين والعالم الاسلامي تعود برأيه الى ترك ما كان سببا للنهوض؛ أي ترك حكمة الدين القويم، وعدم العمل بها، وترتب على هذا العامل عدة أسباب أخرى منها: انفصال الرتبة العلمية عن الخلافة؛ اي ابتعاد الخلفاء والأمراء المسلمين عن الاجتهاد والتفقه والنظر الديني والعقلي، وترتب على هذا الموقف إغلاق باب الاجتهاد وانحساره من حياة المسلمين، وهيمنة التقليد الأعمى عند العلماء لمن سبقهم، والتقيد بأفكارهم على جميع المستويات، كما تمزقت الخلافة الاسلامية، وظهرت مراكز أخرى منافسة أضعفت الخلافة العباسية في بغداد، كمصر الفاطمية الشيعية، والخلافة الأموية في الأندلس.
كما لاحظ الأفغاني ان الاكتفاء بالايمان القلبي، والقول دون العمل، كان سببا للتفكك، وانقطاع أواصر التواصل بين المسلمين، وفقدانهم الشعور بالعمل الجماعي، مما أفسد الوحدة والتماسك. وتسلل هذا الشعور إلى جمهور العلماء والرؤساء والحكماء، ورافق ذلك انتشار عقيدة الجبر الداعية للتواكل والاستسلام للمصير بدلا من القضاء والقدر، وهي الحقيقة الدينية التي تحض على العمل والنشاط.
وأفرد الأفغاني مساحة لا بأس بها للعوامل المادية الأخرى، ومنها طبائع المجتمعات الانسانية وتعرضها للضعف والانحلال بعد التقدم والقوة، او العكس، متأثرا بابن خلدون بعد نشر الشيخ رفاعة الطهطاوي مقدمته الشهيرة قبل الأفغاني بقليل.
وأما النهضة والتقدم، فلم يقتنع الأفغاني بمظاهر التقدم الخارجي الذي يتم بإيحاء من الانجليز للخديوي عباس ومن بعده اسماعيل وتوفيق، بل شكك في جدواها على المسلمين، واعتبر المدارس والصحف المتحررة مدخلا للتغريب والتفرنج، ولهذا فلا بد من احياء مبدأ المبادىء لتحقيق النهضة والتقدم؛ اي الاسلام الذي رفع مكانة العرب، وجعلهم في مصافي الأمم، وبنوا بفضله حضارة عالمية زاهرة، وعليه فلا بد من إعادة المسلمين إلى جادة الصواب بالاسلام كضرورة موضوعية لاسترجاع أصالة الأمة واستنهاض عزيمتها، واعادة تكوينها من جديد بالاسلام النقي الخالي من الخرافات والبدع والضلالات التي رافقت ظهور الفرق والخلاف والاختلاف في حياة المسلمين، والتخلص من المحاكاة والتقليد والمعايير الغربية، وتحقيق ما نسميه بلغتنا المعاصرة الاستقلال الذاتي للشخصية العربية .
وهيمنت على عقلية الأفغاني آلية القياس في موازنة الأمور بين الماضي والحاضر، وبين العرب والغرب، ومقارنة أحوالهم قبل الاسلام في العصر الجاهلي بما بعده، واعتقد الأفغاني جازما بقدرتهم على تخطي أحوالهم، والنهوض من جديد بفضل الدين، الذي انقذهم سابقا، وسينقذهم لاحقا. الا انه تجاهل او أغفل الفروق التاريخية والحضارية بين عرب القرن التاسع عشر وعرب الجاهلية قبل ألف عام الذين ارتفعوا واعتزوا بالاسلام. وبالتالي فقد دفعه شعوره بنقص أدواته المنهجية والخطابية، ومثالية الحلول المتاحة، الى اعتماد خطاطة مبسطة لتحقيق أمر جلل ومعقد الى أبعد حد؛ النهضة والتقدم. فدعا الأفغاني إلى فتح باب الاجتهاد واستئناف النظر العقلي في القرآن. وفي هذا السياق تطلع للنهضة العلمية والمدنية الأوروبية التي تردد صداها في المشرق العربي، وخصوصا الاكتشافات الفلكية؛ كدوران الأرض وكرويتها، والاكتشافات البيولوجية؛ كالخلية والتطور في الكائنات العضوية، وغيرها في حقول الفيزياء والكيمياء، داعيا إلى تأويل الآيات القرآنية التي تبدو ظاهريا مناقضة للعلم، لتطابق في حقيقتها الحقائق العلمية الجديدة، وانطلق كغيره من علماء السلفية من مقولتهم الأثيرة لا تناقض بين العلم والايمان .
وحتى تستقيم دعوته الدينية والاصلاحية، دعا الأفغاني الى اعتماد المصادر الأساسية للتشريع، خصوصا القرآن الكريم والسنة النبوية المثبتة، وتجاهل ما جاء به المفسرون والفقهاء في عصور الظلام، وعدم الأخذ بها الا على سبيل الاستئناس والمقارنة مع الجديد، فلا هي قاعدة نصية ولا مرجعية مقدسة توقفنا عن العمل والنظر، وبالتالي الوقوع بالتقليد والجمود.
وفي سياق رده على الأطماع الاستعمارية بالدولة العثمانية، دعا الأفغاني إلى وحدة العالم الاسلامي، وتجسير الهوة القائمة بين السنة والشيعة، واعتبر ان استمرار الخلاف _وقد عفا عليه الزمن- لا يعود إلى أسباب عقائدية وفكرية؛ بل إلى أسباب سياسية أهمها الأطماع والتنافس بين حكام الطرفين، فعمل جاهدا لتحقيق التعاون والتقارب بين الأفغان السنة، وجيرانهم ايران الشيعة.
كما دعا الأفغاني للتعاون بين الايرانيين والعثمانيين الاتراك السنة، ويقال انه توسط بين الشاه ناصر الدين، والسلطان العثماني لتسوية خلافاتهما لمصلحة المسلمين جميعا، بحيث يستعيد الايرانيون ما سلبه منهم الأتراك في نزاعاتهم المتكررة مقابل اعترافهم بسلطة الخليفة العثماني على المسلمين جميعا.
وقد سهلت معرفته العميقة بالفارسية والمذهب الشيعي والسياسة الايرانية، وقربه من السلطان العثماني، والفلسفة الاسلامية الحية في المراكز الشيعية في العراق وايران، القدرة على التوسط والتفهم أكثر من غيره. ولهذا فقد اتهم فيما بعد بأنه فارسي شيعي، وماسوني كبير، وليس له علاقة بالأفغان ولا بالسنة، وأنه آثر إخفاء هويته الحقيقية لتفعيل دوره وتقبله في محيط سني يمتد من تركيا الى مصر.
وقياسا على حركة الاصلاح الديني الاوروبية، تطلع الأفغاني لقيام حركة اصلاح ديني اسلامي لتحقق النهضة، وربما وجد في نفسه (لوثر) المنتظر لإصلاح أحوال المسلمين ومحاربة البدع والخرافات. ولكنه تناسى ان حركة التقدم الأوروبي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تجاوزت سقف الاصلاح الديني، والبروتستانتية والمسيحية ككل؛ بل انها لم تحقق ما حققته من انجازات وفتوحات علمية ومادية الا بالنضال ضد المسيحية، التي وقفت ضد التطور والتنوير. ولكنه عاد بذكائه، فجادل وأثار إشكالية التأخر والتقدم بطريقة أخرى، فطرح السؤال المعهود؛ لماذا تقدمت الأمم الغربية المسيحية، وازدادت قوة رغم ان المسيحية دين المسالمة والوداعة والتطلع لمملكة السماء؟! ولماذا في المقابل تأخر العرب المسلمون ودينهم يأمرهم بالأخذ بأسباب القوة والسلطان؟
فأوضح ان المسيحية انتشرت في البلاد التي سيطر عليها الرومان، ودمغوها بطباعهم وعاداتهم، وهم الذين مجدوا القوة والحرب، وجروا وراء الحياة الدنيا وأمجادها، وبالتالي فلم تستطع المسيحية سلبهم هذه السمات والخصائص، فتغلب الطبع على التطبع، وعادت الشعوب الأوروبية الى سابق عهدها الروماني، تتنافس بالقوة والمجد والتفوق المادي والعسكري.
اما العالم الاسلامي، فقد ابتلي بأهل البدع، والباطنية، والزنادقة، وعقيدة الجبر التي افسدت هممهم، واسلمتهم للخضوع والاستسلام، وهو بهذا لم يدع لإعادة النظر بأي من الأسس والمرجعيات، او التقدم بنقد جذري للذات العربية الاسلامية، وعلق كل المصائب على الآخر: الزنادقة، والتتار، والصليبيين، ولكنه في المقابل لم يسقط بالتشاؤم الذي عبر عنه ابن خلدون عندما اعتقد ان خراب العمران إذا وقع فلا راد له.
فقد تصور كغيره من رواد النهضة ان الخطاب الخلدوني خطاب في تفسير خراب العمران، وليس مشروعا لقراءة النهضة وتحقيقها، وبالتالي تجاوزوا هذا التشاؤم الى الأمل، والثقة بقدرة العرب والمسلمين على تحقيق التقدم وتجاوز الضعف والهوان، وهي حالة كانت بنظرهم ونظر الأفغاني حالة مؤقتة وطارئة يمكن تجاوزها مهما استشرت.
وفي سياق مساجلاته الفكرية، كتب الأفغاني نصا فكريا بالفارسية، نقله محمد عبده الى العربية للرد على الفلاسفة الماديين، والتطوريين، او الدهريين، كما أطلق عليهم، وربط في هذه الرسالة ما بين الايمان والتقدم، وما بين الإلحاد وخراب العمران والتأخر، وكان المحرك الأساسي لكتابه هو الرد على الداعية الهندي أحمد خان الذي دعا إلى تفسير القرآن تفسيرا ماديا، مما أدى الى انتشار تلك الفلسفات والتصورات المنحرفة بين مسلمي الهند. وتصور الأفغاني كغيره من السلفيين، ان هناك مؤامرة استعمارية انجليزية لتخريب الاسلام، وافساد عقول المسلمين، بعد ان تبين للمستعمرين فشل عمليات التبشير والتنصير بينهم.
وعكست ردود الأفغاني ومطارحاته ضد الدهريين معرفة واسعة بالفلسفة والديانات الشرقية، والاتجاهات الفكرية الحديثة والقديمة في الشرق والغرب، فهاجمها جميعا لانحرافها عن الاسلام، من ديمقريطس الى ابيقور في اليونان، الى المزدكية وفلاسفة التنوير وداروين، لأنهم لا يشكلون خطرا على الحقائق الدينية الاسلامية حسب، بل على سلامة المجتمعات أيضا، انطلاقا من ان الانسان أرسل الى هذه الدنيا لتحقيق كماله استعدادا للحياة الأخرى. وتنبثق من هذه الحقائق أسس المجتمع السليم، كالحياء، والأمانة، والصدق. واما الدهريون الذين ينكرون تلك الحقائق، فإنهم يهدمون أسس المجتمع الانساني، وينزلون الناس من على عرش المدنية والتطور الى حضيض الحيوانية والتأخر.
وأما المساجلة الثانية، فكانت رد الأفغاني على الفيلسوف الفرنسي آرنست رينان، الذي أعلن في احدى محاضراته في السوربون العام 1883، ان سبب جمود الاسلام وتخلف أحوال المسلمين، يعود بالدرجة الأولى إلى طبيعة دينهم الاسلامي المعادي من حيث المبدأ للعلم والتفكير العقلي والفلسفة، وان ما يدعى بالعلم العربي والفلسفة العربية ليس سوى علم وفلسفة يونانية وفارسية بألفاظ عربية، وان رواد العلم والفلسفة واجهوا في عصرهم مقاومة المتعصبين من رجال الدين والحكام العرب والفرس، وتم القضاء نهائيا على العلم والفلسفة في عصور تالية عندما تسلم الأتراك البدو السلطة في الشرق، والبربر في الغرب. وتوقع رينان زوال الاسلام بسبب انتشار العلم والمدنية الأوروبيين. ولم يكن موقف رينان إلا إسقاط لموقفه من الكاثوليكية على الاسلام والمسلمين، وتعميم خاطىء من أحوال المسلمين الاستثنائية في القرن التاسع عشر على جميع عصورهم السابقة واللاحقة. فحشد جمال الدين الأفغاني كل قدراته وقواه العقلية والمعرفية لتفنيد هذه الآراء، فبين ان العرب لم يخرجوا من الهمجية بالعصر الجاهلي الا بالاسلام، واستطاعوا تطويع وتمثل الانجازات الحضارية عند الشعوب الأخرى الذين احتكوا بهم، فزادوا عليها مما عندهم بالطب والفلسفة والعلم، وبلغوا بها مرتبة الكمال، وحملوا تلك الانجازات الى اوروبا.
وأشار الأفغاني إلى أهمية اللغة في تكوين الأمم لتمييزها عن بعضها بعضا، ولذلك فاللغة العربية التي دونت بها الفلسفة والعلوم أعطتها هويتها، وأصبحت فلسفة وعلوما عربية، وعلى هذا فابن سينا والخوارزمي هم من العرب، مثلما يدعي الفرنسيون ان نابليون (ابن جزيرة كورسيكا) فرنسي الأصل.
وبغض النظر عن الردود الفرعية والتفاصيل، فقد تعامل الأفغاني تعاملا انتقائيا مع رأي رينان الفلسفي، خصوصا نقده للأديان، فقد وافقه على رأيه من الأديان بما ينطبق على المسيحية، واعترض عليه بموقفه من الاسلام الذي اعتبره دين العقل الباحث عن حقائق الوجود بالعلم والعقلانية لثقته بأن ما سيكشفه العقل العلمي لن يتعارض والحقائق المنزلة، فالإسلام دين التوحيد الذي حرر العقل البشري من الأوهام والخرافات، بعكس الديانات والمعتقدات الأخرى.
ولكن اذا كان الاسلام يتفق مع حقائق العلم والعقل ولا يناقضهما، ويوصل الانسان لما يوصله الدين، فلماذا كانت الرسالة والنبوة؟ ولكن الأفغاني يقطع الطريق على هذا الجدل، ولا يتركه يقوده الى نهايته المنطقية غير المحمودة، فيجيب -بما يذكرنا بعلم الكلام وجهود المعتزلة في الرد على خصومهم- قائلا: ان العقل قادر على بلوغ الحقيقة، ولكن الطبيعة البشرية لا يمكنها اتباع القواعد العقلية الصارمة من تلقاء نفسها، فالنفس البشرية أمارة بالسوء، وتنقاد للشهوات والرغبات، وتحتاج إلى مبدأ علوي إلهي لضبطها ووضعها في سياق العدل الإلهي، ولا يتم ذلك الا بالايمان بحقائق الاسلام والتسليم بحق النبوة وضرورتها العملية للانسان.
ولم يكن مزاج الأفغاني المتقلب، ونفاد صبره السريع، مساعدا له في تحقيق أهدافه، وعقد صداقات دائمة مع الحكام والنافذين الذين اتصل بهم في طوافه وتجواله في بلاد المسلمين لحشد الطاقات ضد الأطماع الغربية، ولم يكن هؤلاء الحكام مستعدين للدفاع عن مشروعه الاصلاحي والاسلامي بقدر استعدادهم للدفاع عن مصالحهم الذاتية، ولم يكونوا مستعدين للتضحية بعروشهم في سبيل أفكار بدت مثالية ومحفوفة بالمخاطر، فكان ينقلب سريعا على الأصدقاء القدامى، الذين خذلوه، او استشعر منهم الخذلان، فانقلب على الخديوي في مصر، وعلى الشاه ناصر الدين في ايران، رغم تسلمه مراكز حساسة عنده، فغادر فارس، وتم اغتيال الشاه فيما بعد، ودارت الشبهات حوله لمسؤوليته عن الاغتيال بالايحاء او التخطيط.
وفي تركيا، لم يكن الأفغاني طليق اليد، فبدا مقيدا مراقبا وتحت سيطرة السلطان عبد الحميد، الذي دعاه إلى اسطنبول للتشاور في أمر الجامعة الاسلامية، لحشد التأييد من رعايا الدولة العلية لحمايتها من الأطماع الغربية، خصوصا وان السلطان كان بأمس الحاجة إلى تأييد جهوده بعد تعليق الدستور، ومواجهة مطـــــــــــــــــالب الاصلاح الغربية والتركية بقبضة من حديد.
وكان إيمان الأفغاني الشديد بالثورة على الظلم والطغيان سببا آخر في ابتعاد رفيقه الشيخ محمد عبده، الذي لم يستطع مجاراته في ثوريته، فتخلى عنه وعن سياسته، خصوصا بعد فشل الثورة العرابية، واحتلال الانجليز لمصر العام 1882، ونفي الشيخ محمد عبده، ولكن مقولاته وأفكاره بالاصلاح والنهضة ومقارعة المستبدين بقيت تلهب خيال مريديه، والأجيال التالية من المثقفين والمصلحين المسلمين والعرب، إلا ان مشروعه في حشد القوى، ومواجهة الأطماع الامبريالية والاستعمارية ذهبت أدراج الرياح بانهيار الدولة العثمانية، واحتلال البلاد العربية، وتقاسمها بين المستعمرين، وانكسار المشروع النهضوي على صخرة التقليد والتأخر من الداخل، والتدخل الأجنبي والاستعمار والصهيونية من الخارج.
وتطلب الأمر -وما يزال- سنوات طويلة من المراجعة والتجارب النهضوية لإعادة بناء مشروع جديد للنهضة العربية يتجاوز معوقاته السابقة، ويحقق ذاته في عالم يموج بالتقدم والعقلانية في عصر لا مجال فيه للضعفاء والمتخلفين.
* باحث أردني