خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

عمر الخيام .. شعره العربي ودلالاته .. بقلم : د. يوسف بكار

عمر الخيام .. شعره العربي ودلالاته .. بقلم : د. يوسف بكار

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

عاش الخيام في العصر السلجوقي، وكان من علماء المسلمين البارزين في القرن الخامس الهجري، ومن شعرائه كذلك. وهو واحد ممن يطلق عليهم في الادب الفارسي «اصحاب اللسانين» الذين يتكلمون الفارسية والعربية ويكتبون بهما.
مما لا مرية فيه ان مرد شهرة الخيام، في الاعصر الحديثة تحديدا، هو رباعياته الفارسية التي لم يضمها ديوان او مجموع محدد، ولا يعرف - الى الآن - عددها الحقيقي، والتي ترجمت باعداد متفاوتة الى ثلاثين لغة، ولا شك انها قد طغت على جوانبه العلمية والمعرفية الاخرى، وصرفت الاهتمام عنها الا في المسائل العلمية المحض.
لقد ثقف الحكيم - وهو احد ألقابه الكثيرة - اللغة العربية وتعلم بها وعلم، وحاور بعض علماء عصره وناظرهم وأجاب عن سؤالاتهم، ودون جل مؤلفاته العلمية والفلسفية وترجم منها الى الفارسية، ونظم شعرا عربيا، في حين انه لم يشتهر كثيرا في الاعصر القديمة بانه شاعر لا بما نظم من رباعيات فارسية يكاد يوقن المحققون والباحثون الاثبات من الايرانيين المحدثين انها قليلة، ولا بشعره العربي القليل جدا، بل عرف كثيرا واشتهر بعلوم الحكمة التي كانت تذهب آنذاك، الى الفلك والرياضيات والنجوم والطبيعيات والفلسفة وما يتصل بها جميعا.
وقد نقل عن ظهير الدين البيهقي (499 - 565ه) - في ما نقل - ان الخيام «كان عالما باللغة والفقه والتواريخ».
لربما حمل هذا القول، فضلا عن كتابات الخيام العربية المتقنة كما وصلت الينا، بعض المعاصرين من ايرانيين وعرب، على الاعتقاد بانه كان «يجيد العربية اجادة الفارسية»، وانه كان «متمكنا في اللغة العربية»، ناهيك بان العربية لغة القرآن كانت وقتئذ لغة العصر. واللافت ان الزركلي وصفه بانه «مستعرب».


كان الخيام يستفيد من حكماء عصره وعلمائه، كافادته من الحكيم ابي الحسن الانباري الذي قرر له كتاب «المجسطي» في علم الفلك لبطليموس، وكجلوسه مستفيدا بين يدي الامام جار الله الزمخشري (467 - 538 ه) الذي قال: «وكان يجلس الينا ويتسمع الاوراد التي تدرس بين يدي، وكان يقول لاصحابي: ألا اخبركم عن بصيرة وخبرة، ان مثل هذا الترتيب والتحقيق لا يوجد في جميع المعمورة الا في هذه الرقعة خاصة فاعلموا».
وتتلمذ، كذلك، على مؤلفات الشيخ الرئيس ابن سينا وليس عليه شخصيا كما فهم خطأ من قوله عن «الموجودات» في رسالة «الكون والتكليف»: «... ولعلي ومعلمي افضل المتأخرين الشيخ الرئيس.. قد امعنا النظر فيها وانتهى بنا البحث الى ما قنعت به نفوسنا..».
ولقد كان للخيام، بازاء ذلك، هؤلاء التلاميذ: الامام الفيلسوف مشرف الزمان الايلافي، والحكيم علي بن محمد الحجازي (ت 546 ه)، وابو المعالي عبدالله بن محمد الميانجي.
ان ما ذكره البيهقي من تلامذة الخيام، اذا، يشي بسهمته واثره في التعليم في زمانه، وان فيه بعض المصادرة في هذا الامر على قولته المتداولة كثيرا عن الخيام «وله ضنه بالتصنيف والتعليم».

الخيام والتراث العربي
ان في اخبار الخيام في كتب التراث العربي القليلة التي عرضت له ما يؤكد مشاركته ومساهمته في معارف عصره وعلومه المختلفة سواء تلك التي خلف فيها اثارا مدونة ام التي لم يترك فيها الا اثارا شفوية تناقلتها الاخبار والمرويات.
لقد انصفه - الى حد كبير - مؤلفو هاتيك المصادر، واشادوا بذكائه وفطنته وجهوده وفضله ومكانته العلمية في العربية وعلومها كما يتجلى في النقول الآتية:
- كان تلو ابي علي (ابن سينا) في اجزاء علوم الحكمة (تاريخ حكماء الاسلام للبيهقي ص119، دمشق 1998).
- «وأما أجزاء الحكمة من الرياضيات والمعقولات فكان ابن بجدتها». (المصدر نفسه ص 120).
- «وكان عديم القرين في زمانه في علوم النجوم والحكمة، وبه يضرب المثل» (العماد الاصفهاني. الحزيدة قسم العجم 2:85. طهران 1999).
- امام خراسان وعلامة الزمان، يعلم علم يونان.. (القفطي: اخبار العلماء باخبار الحكماء، ص 162، بيروت).
- «كان حكيما عارفا بجميع انواع الحكمة سيما نوع الرياضيات» (القزويني: آثار البلاد 474. بيروت).
- «اذا عد حكماء خراسان فهو ازخرهم بحرا، وارفعهم قدرا، واطولهم في الرياضيات باعا، واقدرهم في القياسات الخطابية انفاسا» (تتمة تتمة صوان الحكمة عن احمد الصراف: عمر الخيام 266. ط3: بغداد 1961).

آثاره الشفهية
كان حجة الحق - وذا لقب آخر مما لقب به قديما - موسوعيا، اذا، ككثيرين من علماء المسلمين القدامى. وقد انجبت موسوعيته ومعرفته وتبصره بعلوم العربية ضربين من آثاره باللغة العربية: شفوي لم يدون، بل دونت اخباره او اخبار اكثره، وتواليف مدونة.
فأما آثاره واسهاماته الشفهية فتتمثل في:
اولا: يروى انه دخل يوما على شهاب الاسلام الوزير عبدالرزاق بن ابي القاسم عبدالله بن علي بن أخي نظام الملك ترب الخيام وصديقه، وكان عنده الفراء ابو الحسن ابن الغزال وهما يتكلمان في اختلاف القراء في آية، فقال الوزير: على الخبير سقطنا، فسئل الامام عمر عن ذلك، فذكر وجوه اختلاف القراء، وعلل كل واحد، وذكر الشواذ وعللها، وفضل وجها واحدا على سائر الوجوه، فقال ابن الغزال: كثر الله في العلماء مثلك. اجعلني من اذمة اهلك، وارض عني، فاني ما ظننت واحدا من القراء في الدنيا يحفظ ذلك ويعرفه فضلا عن واحد من الحكماء.
ثانيا: يروي البيهقي انه هو نفسه دخل مع والده على الخيام فسأله عن بيت الحماسة:
ولا يرعون اكناف الهوينا
اذا حلوا ولا أرض الهدون (1)
وهو البيت السابع والأخير من حماسية لأبي الغول الطهوي من شعراء الدولة المروانية (2)، فأجابه البيهقي: «الهويننا: تصغير لا تكبير له، كالثريا والحميا، والشاعر يشير الى عز هؤلاء ومنعتهم، يعني لا يسفون اذا حلو مكانا، الى التقصير ولا الى الأمر الحقير، بل يقصدون الأسد فالأسد من معالي الأمور».
ثالثا: يذكر صاحب «تتمة تتمة صوان الحكمة» عن القاضي الامام عبدالرشيد بن نصر بن الحسن انه اجتمع بالخيام مرة في مدينة «مرو»، فسئل عن معنى «المعوذتين» وسبب تكرار الفاظهما، فاندفع يسرد كل قول نادر ويورد كل شاهد شارد حتى اتى بما لو جمع لبلغ حمل مجلد. ويعلق: «هذا مقامه المحمود في التفسير مع انه لم يمتط غاربه».
رابعا: تنبىء الاخبار من مناظرات علمية له مع معاصريه ممن كانوا يتعاطون العلوم، كمناظراته مع «أبي حاتم المظفر الاسفزاري» وان كان يغلب عليه «علوم الهيئة وعلم الاثقاف والحيل» (تاريخ حكماء الاسلام، ص 125).
اخيرا: يندرج في هذا ما كان يوجه اليه من اسئلة علمية في مناسبات عرضية واجاباته عنها، كالذي يقال ان حجة الاسلام الغزالي سأله عن «تعيين جزء من اجزاء الفلك القطبية دون غيرها». والذي يقال ان الملك العادل علاء الدولة (فرامرز بن علي بن فرامرز) ملك الري الذي كان ينافح عن رأي الحكيم ابي البركات بن ملكا هبة الله بن علي (480 - 560 ه) الطبيب البغدادي صاحب كتاب «المعتبر»، سأل الخيام رأيه عن اعتراضات الحكيم على كلام ابن سينا، فأجاب: «ابو بركات لا يفهم كلام ابي علي، وليست له رتبة الادراك لكلامه، فكيف يكون له رتبة الاعتراض عليه وايراد الشكوك على كلامه؟». بيد ان الملك لم يعجبه الجواب، فجعل يجادل الخيام معترضا عليه بكلام غلامه (الدواتي) الذي كان يذهب الى ان لابن ملكا رتبة الاعتراض والادراك والزيادة، وقال حنقا: «تتكلم بما لا يزيد به كلامك على كلام مملوك، ولا تميل الى سفاهة غلامي اقدر عليها منك». فسكت الخيام! (تاريخ حكماء الاسلام، ص 117 - 118).

التأليف بالعربية
اما في التأليف، فقد خلف الخيام عددا من التواليف بالعربية في علوم الحكمة بالمعنى المصطلحي القديم كان لها، وما يزال اهميتها التي جعلت من صاحبها عالما ذا جهود جلية في علوم عصره في النظرية والتطبيق:
ففي العلوم الطبيعية ترك كتابا في صنعة «ميزان الحكمة» ادرجه عبدالرحمن الخازني (من القرن السادس الهجري) في «كتاب ميزان الحكمة» لمجموعة من الحكماء.
ويذكر البيهقي له «مختصرا في الطبيعيات»، فضلا عن «رسالة في الوجود» و«رسالة في الكون والتكليف» فقط. ويبدو ان هذه الاثار الثلاثة هي التي دعته الى قولته «وله ضنة بالتصنيف والتعليم».
وله في الرياضيات:
(1) رسائل الخيام الجبرية (مطبوع - حلب، 1981).
(2) رسالة في شرح ما اشكل من مصادرات كتاب اقليدس (مطبوع - الاسكندرية، 1961).
(3) في مقالة «الجبر والمقابلة» ما يشي بكتاب مفقود خصصه، كما يفهم من كلامه، لاستخراج الجذر النوني والبرهان عليه.
حسب الخيام، فضلا عن شهادات القدماء السالفة، شهادة عالم رياضيات حديث في مؤلفاته في الرياضيات، فهي «من أهم آثار ما كتب بالعربية من رياضيات، ومن ابعدها صوتا في تاريخ الفكر الانساني، ومن ثم فهي من اجد ما تحتويه كنوز السلف بالعناية والاهتمام». وحسبه، كذلك، ما ألف في جبره من كتب حديثة، من مثل: «جبر عمر الخيام» لداوود. س. قصير (نيويورك 1931)، و«جبر عمر الخيام» لونتر وعرفات (1950).
وكان مجليا في الفلك والنجوم، لكن آثاره المدونة فيهما قليلة، فثمة خبر عن زيج ملكشاهي، وهو كتاب يحسب منه سير الكواكب، ويستخرج التقويم اي حساب الكواكب لسنة سنة». وتتناقل بعض المصادر العربية اخبارا تنم على جهود عملية له في علم النجوم. ففي عام 467 ه كان احد اعيان المنجمين الذين عملوا الرصد للسلطان ملكشاه السلجوقي، الذي اعطاه مالا كثيرا ليشتري به آلات الرصد؛ وظل الرصد دائرا الى ان مات السلطان عام 485ه. وكان ملكشاه ينزله منزلة الندماء ويجله، وكذلك كان الخاقان شمس الملوك ببخارى يعظمه غاية التعظيم ويجلسه معه على سريره (تاريخ حكماء الاسلام، ص 121).
ونسب اليه صاحب «تاريخ الألفي» كتاب «لوازم الامكنة»، وهو في فصول السنة وعلة اختلاف الجو في البلاد والاقاليم.
وكان يتعاطى الطب، وربما كان يحتذي فيه آراء الرازي وابن سينا، وان لم يصل الينا اي مؤلف طبي له؛ لكن يروى انه دخل يوما على السلطان «سنجر»، وهو صبي قد اصابه الجدري، فلما خرج من عنده قال له الوزير مجير الدولة: كيف رأيته، وبأي شيء عالجته؟ قال عمر: الصبي مخوف. ففهم ذلك خادم حبشي ورفعه الى السلطان، فلما برىء السلطان اضمر، بسبب ذلك، بغض الخيام، وكان لا يحبه. (تاريخ حكماء الاسلام، ص 121).

جهوده الفلسفية
للخيام بالعربية جهود فلسفية اكثر مما له بالفارسية، علما انه هو نفسه ينفي ان يكون فيلسوفا في رباعية فارسية ان صحت نسبتها اليه. ترجمتها:
غلط العدو اذ زعم انني فيلسوف
فالله وحده يعلم انني لست كما قال
بعد ان وجدتني في دنيا غم وهم؟!
غير ان بعض الباحثين(3)، وعددا من مترجمي الرباعيات والدارسين العرب(4) عدوه فيلسوفا، واستشفوا مناحي فلسفته من خلال العدد الكبير من الرباعيات المرفوعة اليه، وفي هذا ما فيه!! لان الرباعيات الخيامية الاصلية لما تعرف!
مهما يكن الامر، فقد ترك في الفلسفة خمس رسائل: واحدة بالفارسية عنوانها «كليات وجود»، «كليات الوجود»، والاربع الاخرى بالعربية، وهي:
1- رسالة الكون والتكليف.
2- الجواب عن ثلاث مسائل: ضرورة التضاد في العالم والجبر والبقاء.
3- الضياء العقلي في موضوع العلم الكلي.
4- رسالة الوجود.
ويسلك في الجهود الفلسفية ترجمة الخيام العربية «خطبة» لابن سينا وسمت بهذه العنوانات: «خطبة التوحيد»، و«الخطبة الغراء»، و«الخطبة التمجيدية»، و«خطبة تفسير سبحان الملك القهار». وهي تدور على «التوحيد» وتنزيه الخالق سبحانه عن ان «يوصف بكيف فيشابه ويضاهى، ولا بكم فيقدر ويجرى»، وعلى خلق الله عز وجل، الكون وما فيه.
يقال ان الخيام ترجمها عام 472ه تلبية لاستدعاء «جماعة من الاخوان باصفهان» كما يقول. ويقال انه لم يكتف بترجمة الاصل، انما كان يضيف بعض الشروح الى كل بند من بنودها!

رسالة الموسيقى
ذكر جلال الدين همائي ان للخيام كتابا خطيا بعنوان «شرح المشكل من كتاب الموسيقى» قد يكون هو مخطوط «رسالة في الموسيقى» التي ذكرها الزركلي، وقال «انها ثلاث ورقات» في معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، بيد ان عبدالمنعم الحفني يذكر انه لم يعثر عليها فيه «عمر الخيام والرباعيات، ص 27، دار الرشاد- القاهرة 1992».
ويقود الكلام في الموسيقى الى الخيام الشاعر وشعره، فللافت انه لم يذكر شاعرا في المصادر القديمة جدا، ربما لان معاصريه عدوا شعره لا شيء بازاء فضائله الاخرى، وانه هو نفسه لم يشر في اي من آثاره الى انه شاعر او يورد شيئا لا من رباعياته الفارسية ولا من شعره العربي، حتى تلميذه ومعاصره نظامي عروضي سمرقندي صاحب «جهار مقاله» «المقالات الاربع»، وهو اقدم مصدر ذكر الخيام، لم يتحدث عنه شاعرا في المقالة الثانية «ماهية الشعر وصلاحية الشاعر»، بل تكلم عليه منجما في المقالة الثالثة «في علم النجوم وغزارة المنجم فيه»، ولربما التفت العماد الاصفهاني الى هذا حين قال عن الخيام «كان عديم القرين في زمانه في علم النجوم والحكمة».
كان العماد الاصفهاني (519-597ه) في «الخريدة» (قسم شعراء العجم) الذي الفه في حدود عام 570ه اي بعد ما يزيد بنحو خمس سنوات على نصف قرن من وفاة الخيام، كان اول من لفت الانتباه الى الخيام الشاعر، اذ اورد له مقطوعة عربية من اربعة ابيات انشدها بأصفهان، مطلعها (2:85):
اذا رضيت نفسي بميسور بلغة
تحصلها بالكد كفي وساعدي
وكان الامام فخر الدين الرازي (ت 606 ه) اول من اورد له رباعية فارسية في رسالة «التنبيه على بعض الاسرار المودعة في بعض سور القرآن العظيم».
وجاء شمس الدين الشهرزوري (ت بعد عام 687ه) لتشير الى اشعار للخيام بالفارسية والعربية بقوله «له اشعار حسنة بالفارسية والعربية»، وذكر بعض الابيات العربية، لكنه لم يذكر شيئا من الاشعار الفارسية.
ان كل هذا وشعر الخيام العربي يفند ظن بعض الخياميين العرب خطأ «ان كل اشعار الخيام مكتوبة باللغة الفارسية على بحر دوبيت» (حافظ عوض: شعراء الفرس: الخيام، المجلة المصرية - السنة (2) - العدد (7) اول ايلول 1901).
المهم ان للخيام شعرا بالعربية قد لا يعلم عنه كثيرون، هو الذي لاحقته في مصادر ترجمته القديمة والكتابات الحديثة عنه، وجمعت منه ما لم يتسن لأحد قبلي من الباحثين في الخيام ودارسيه ايرانيين وعربا واجانب وهم كثر، فتيسر لي منه واحد وثلاثون بيتا، ناهيك بما ابتلي به من تصحيف وتحريف عند عدد منهم.

المضمون والدلالة
يتوزع شعره العربي على قصيدة دالية في سبعة ابيات، وخمس مقطوعات: واحدة في خمسة ابيات، واخرى في اربعة، وكل من الثلاث الباقية في ثلاثة؛ وعلى ثلاث «نتف» مجموعها ستة ابيات.
من ينعم النظر في هذه الاشعار لا يعدم ان يتبين انها مضمونية دلالية لما في بعضها من رموز واشارات تاريخية تنم على سوءات عصر الشاعر وعلى موقفه من الدولة الحاكمة آنذاك، ومن شكوى من الزمان وناسه من حيث الكيد والغدر والتربص وقلة الوفاء، وان لا يخلو بعضها من جماليات الصور البيانية التشبيهية البسيطة كما هو شأن اشعار العلماء عادة، ومن التأثير القرآني لفظا ومعنى.
فالنص الاول (اظلت رياح الطارقات ...) ترمز مصطلحاته الفلكية التي كان الخيام ابن بجدتها، الى ظلم الدولة واستبدادها، وهو ما يتجلى في البيت الاخير تحديدا:
لذاك تمادت دولة اللؤم وانبرت
بنو الترك يبغون السماء مصاعدا

ولعل البيتين الرابع والخامس من النص الثاني (اذا رضيت نفسي ..) يعززان هذا الموقف الذي حمل الشاعر على التغني بالقناعة والرضى بالكفاف وترك الدنيا الزائلة ومباهجها، وهو ما يتردد صداه في النص الخامس (العقل يعجب ..).
فأما النص الرابع (تدير لي الدنيا .. ) فهو واضح الدلالة على طهر الخيام وعفافه وايمانه بالله، عزوجل، وتقواه وسلوكه القويم، وكلها سمات ومحامد تتعضد بالبيت الاخير من النص السابع.
وقد علم الله اعتقادي وانني
اعوذ به من شر ما أنا فيه!
فهذا جأر صراح من مكائد الناس ودسائسهم وحسدهم، لأنه كان سباقا بفكره وتفوقه في العلوم الحكمية المختلفة وبعلو همته، وهي جميعا كانت منارات للهدى في ليالي الآخرين المدلهمة، الذين كانوا يدأبون على اطفائها والتصدي له والوقوف في وجه نجاحاته كما يتجلى في النص الثامن (سبقت العالمين..).
ان شعر الخيام العربي هذا - على قلته - مهم ولافت، وحافز لمزيد من البحث عن حقيقة الخيام بالفارسية والعربية معا من حيث «عدد» الاشعار» ومضامينها، فقضية الرباعيات الحقيقية الاصلية ما زالت هاجس الخياميين الايرانيين وغير الايرانيين، ولقد اجتهد كثيرون للوصول النسبي اليها اعتمادا على مصادر واصول اوثق واقرب الى عصر الشاعر، وعلى اخبار ادق واثار اخرى له آكد. من هؤلاء: المستشرق الدانماركي آرثر كريستنسن، والخياميون الايرانيون: محمد علي فروغي والدكتور قاسم غني، وصادق هدايت، وعلي دشتي، فاذا ما راعينا ما توصلوا اليه او بعضه عن اعداد الرباعيات التي تقل عن المائتين عددا عند اكثرهم دون ان تسلم من مظنة الشك، ووضعنا في الاعتبار الرباعيات الست والستين التي جعلها فروغي معيارا لعدد رباعياته ال (178) التي اصطفاها لمجموعته، اذا ما راعيناه نجد حدا اكثر من التناسب بين شعر الخيام العربي وبعض شعره الفارسي، حينئذ يغدو رأي علي دشتي في شعره الفارسي قابلا للتطبيق على شعره العربي القليل، يقول «كان الخيام يجود، على اشتغاله بالفلسفة والرياضيات، بتأملاته الروحية وانفعالات خاطره الفلسفية في قالب رباعيات بين الحين والحين، وانه كان يصوغ هذه الرباعيات المعدودة، وهي مرآة نفس قلقلة متفكرة، مثلما يصوغ الشعراء اشعارهم ويدونها باسمه «رحى با خيام - وقفة مع الخيام ص 25-26، امير كبير - طهران 1978».
يتجلى من اثار الخيام جميعا بضربها الشفهي والمدون ما كان له من سهمة كبيرة وخدمات جليلة في اكثر علوم العربية بالعربية نفسها لا سيما العلوم الحكمية التي كان يراها ضرورية جدا من حيث الحاجة اليها في نفسها ومن حيث التوصل ببعضها الى التثبت من مسائل كثيرة في الكون والانسان، ولولا عوائق منيعة المع اليها الحكيم نفسه في شعره العربي وفي مقدمات آثاره العلمية لكانت جهوده اكبر واوسع واشمل، يقول في مقدمة «مقالة في الجبر والمقابلة: «واني، ولم ازل، كنت شديد الحرص على تحقيق جميع اصنافها (المجهولات العددية والمساحية) وتمييز الممكن من الممتنع في انواع كل صنف ببراهين لمعرفتي بأن الحاجة اليها في مشكلات المسائل ماسة جدا.
ولم اتمكن من التجرد لتحصيل هذا الخير والمواظبة على الفكر فيه لاعتراض ما يكون يعوقني عنه من صروف الزمان، فانا منينا بانقراض اهل العلم الا عصابة قليلي العدد كثيري المحن، همهم افتراض غفلات الزمان ليتفرغوا في اثنائها، الى تحقيق، واتقان علم.
واكثر المتشبهين بالحكماء في زماننا هذا يلبسون الحق بالباطل فلا يجاوزون حد التدليس والترائي بالمعرفة، ولا ينفقون القذر الذي يعرفونه من العلوم، الا في اغراض بدنية خسيسة، وان شاهدوا انسانا معنيا بطلب الحق وايثار الصدق، مجتهدا في رفض الباطل والزور وترك المراءاة والخداع، استحمقوه وسخروا منه، والله المستعان على كل حال واليه المفزع».

شرح اقليدس
ويقول في مقدمة «رسالة في شرح ما اشكل من مصادرات اقليدس: «ان تحقيق العلوم وتحصيلها بالبراهين الحقيقية مما يفترض على طالب النجاة والسعادة الابدية، وخصوصا الكليات والقوانين التي يتوصل بها الى تحقيق المعاد واثبات النفس وبقاياها، وتحصيل اوصاف واجب الوجود، تعالى جده، والملائكة وترتيب الحق، واثبات النبوة والسيد المطاع بين الخلق الآمر الناهي واياهم باذن الله تعالى بحسب طاقة الانسان .. ».
ويتبدى منها ومن الاخبار التي واكبتها ان الخيام، بعكس ما هو شائع، افاد من نفر من خيرة علما زمانه وحكمائه وتلمذ لبعضهم مباشرة او بقراءة اعمالهم، وانه كان له هو عدد من التلاميذ والمريدين.
اذا ما تأملنا آثاره العربية جميعا تأملا مليا مشفوعا بجل ما تناقلته مصادر التراث العربي عنه من اخبار وروايات نجد انها - لا سيما الرسائل الفلسفية ومقدمات الرسائل العلمية وشعره العربي - هي التي قد تمثل عمر الخيام الاقرب الى الحقيقة والواقع مما تصوره الاعداد الكثيرة من الرباعيات التي لا يعرف - حتى الآن - عددها الصحيح ولا الثابت النسبة منها اليه، وهي التي اعتمدها كثيرون بقضها وقضيضها في الحكم على الرجل عقيدة وسلوكا وفكرا، وجاسوا خلالها لينسبوه الى الكفر والالحاد، والباطنية، ومذهب اللذة، والابيقورية، واللاادرية، والتناسخ، والتصوف، وما الى ذلك.
يضاف الى هذا ما أسبغ على الرجل من القاب تشي كلها بالصلاح والحكمة والسداد، هي: الامام والدستور وحجة الحق وفيلسوف العالم وسيد حكماء المشرق والمغرب، وما في بعض اثاره الفارسية، من بسملة وحمد الله وشكره، والاستعانة به، يقول في «الجبر والمقابلة» - وهو مؤلف علمي - مثلا: «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين، والصلاة على الانبياء وخصوصا على محمد وآله الطاهرين اجمعين». يعزز هذا ما رواه البيهقي: «وحكى لي ختنه الامام محمد البغدادي انه كان يتخلل بخلال من ذهب، وكان يتأمل الالهيات من الشفاء، فلما وصل الى فصل الواحد والكثير وضع الخلال بين الورقتين، وقال: ادع الاذكياء حتى اوصي، فوصى، فقام وصلى، ولم يأكل ولم يشرب، فلما صلى العشاء الاخيرة سجد، وكان يقول في سجوده: اللهم انك تعلم اني عرفتك على مبلغ امكاني، فاغفر لي، فان معرفتي اياك وسيلتي اليك، ومات».

* اكاديمي وناقد اردني

مختارات من شعر الخيام بالعربية


اظلت رياح الطارقات رواكدا
ام انطبقت منها الجفون رواقدا
تحللت الافلاك ام راث دورها
فصرن حيارى قد ضللن المراشدا
كأن النجوم السائرات توقفت
عن السير حتى ما بلغن المقاصدا
ففي قلب بهرام وجيب وروعة
و«كيوان» اعشى ليس يرعى المراصدا
لذاك تمادت دولة اللؤم وانبرت
بنو الترك يبغون السماء مصاعدا

اذا رضيت نفسي بميسور بلغة
تحصلها بالكد كفي وساعدي
امنت تصاريف الحوادث كلها
فكن يا زماني موعدي او مواعدي
وهبني اتخذت الشعريين منازلي
وفوق مناط الفرقدين مصاعدي
اليس قضى الافلاك في دورهها بأن
تعيد الى نحس جميع المساعد؟
متى ما دنت دنياك كانت قصية
فواعجبا من ذا القريب المباعد!
اذا كان محصول الحياة منية
فسيان حالا كل ساع وقاعد

وما ساقني فقر اليك وانما
ابى لي عزوف النفس ان اعرف الفقرا
ولكنني ابغي التشرف انه
سجية نفس حرة ملئت كبرا

تدين لي الدنيا، بل السبعة العلى
بل الأفق الاعلى اذا جاش خاطري
اصوم عن الفحشاء جهرا وخفية
عفافا، وافطاري بتقديس فاطري
وكم عصبة ضلت عن الحق فاهتدزت
لطرق الهدى من فيضي المتقاطر
فان صراطي المستقيم بصائر
نصبن على وادي العمى كالقناطر

العقل يعجب في تصرفه
ممن على الايام يتكل
فنوالها كالريح منقلب
ونعيمها كالظل منتقل

زجيت دهرا طويلا في التماس اخ
يرعى ودادي اذا ذو خلة خانا
فكم الفت، وكم آخيت غير اخ
وكم تبدلت بالاخوان اخوانا
وقلت للنفس لما عز مطلبها:
بالله لا تألفي، ما عشت، انسانا

متى ما تخالط عالم الانس لم يزل
بسمعك وقر من مقال سفيه
اذا ما الفتى لم يرم شخصك عامدا
بكفيه عن ضغن رماك بفيه
وقد علم الله اعتقادي وانني
اعوذ به من شر ما انا فيه!

سبقت العالمين الى المعالي
بصائب فكرة وعلو همة
فلاح بحكمتي نور الهدى في
ليال للضلالة مدلهمة
يريد الجاحدون ليطفئوها
ويأبى الله الا ان يتمه


ولو اعطاني الدهر اختياري
بحسب السرمني والطوية
لسرت على جفوني كي ارجي
لدى مغناك من عمري البقية

 

هوامش


(1) الأكناف: النواحي. الهويني: الدعة والخفة. الهدون: الصلح والسكون.
(2) المرزوقي: شرح ديوان الحماسة 1: 38 - 44. نشرة احمد امين وعبدالسلام هارون. لجنة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة. ط2: 1967.
(3) الدكتور علي اصغر حلبي مثلا في كتابه «تاريخ فلاسفة ايراني».
(4) من هؤلاء مثلا: عبدالحق فاضل، ومحمد موسى هنداوي.

 

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF