يرفع بعض الناس شعار (لا تنتقد لكي لا تنتقد!) ولكن هذا شعار خاطىء لأن هناك امورا لا بد من تصويبها: ويلجأ البعض الآخر الى النقد الهدام الذي يمارس بطريقة سيئة حيث يقوم على تصيد اخطاء الآخرين وفضحهم، وذلك ايضا لأن النقد يجب ان يكون موجها للفعل وليس للفاعل.
اما المقصود بالنقد الذي لا بد من ممارسته .. ذلك النقد الذي يسعى للصعود بالنفس البشرية والارتقاء بها الى اعلى .. النقد الذي لا يتم فيه ايذاء مشاعر الآخرين، بل القيام بمساعدتهم على الأداء الافضل والارقى .. واذا اردت يا عزيزي القارىء ان تمارس النقد البناء الناجح فعليك ان تتذكر دائما ما يدور بين الطيار وبرج المراقبة، هدف النقد هو تصحيح المسار والوصول بالطائرة وركابها الى ارض المطار بسلام وأمان .. فاذا ابتعد الطيار عن المسار الصحيح والموضوع فان برج المراقبة يبادر على الفور باحاطته علما بذلك، واذا هبط بانخفاض شديد .. فان البرج يبادر باعلامه فورا، ومع ذلك لم نستمع يوما لشكوى من طيار بالحرج من تعليمات البرج، ويتساوى في ذلك الطيار المستجد وكبير الطيارين على حد سواء، واذا اردت ان تكون مثل برج المراقبة، فاعلم اولا وقبل كل شيء ان برج المراقبة في توجيهاته للطيارين يعتمد على الحقائق المجردة وليس على الآراء الشخصية على الاطلاق .. وانت لا بد ان تكون كذلك وانت تمارس نقدك البناء للآخرين، لا بد ان تعتمد على الحقائق المجردة لا على ارائك او احساساتك المجردة، كما ان اسلوب التقويم الذي يحدث بين برج المراقبة والطيارين يعتمد على اسلوب علمي متعارف عليه عالميا يخلو من لغة الزجر او الاتهام، كما ان النقد وتصحيح المسار لا يتم بصورة صاخبة او عبر ميكروفونات يسمعها طاقم الطائرة او طاقم الضيافة او الركاب، ولكن يتم في صورة تتمتع بالخصوصية الشديدة جدا بين الطيار نفسه فقط وبرج المراقبة من خلال السماعة الشخصية التي يضعها الطيار في اذنه ولا يسمعها اي شخص آخر غيره .. والاهم من ذلك كله، ان برج المراقبة ينتقد ويصحح مسار الطائرة ولا ينتقد الطيار كشخص .. انه ينتقد التصرف دون الشخص .. وهكذا يجب ان يكون كل نقد بناء، والسبب الرئيس في ضرورة سرية النقد انه الوسيلة الوحيدة التي يمكن بها ان يترك نقدك البناء اثرا طيبا في نفوس الآخرين، كما ان السرية تضمن تجنيب ذات الآخر الذي تنتقده من الاشتباك مع ذاتك او الوقوف ضدها وعليك دائما ان تتذكر كيفية احساس وشعور الانسان الذي تقوم بانتقاده، والطريقة المثلى للنقد البناء ان تقدم له بكلمة رقيقة او ثناء لطيف، حتى تخلق جوا من المحبة والالفة والود ويمحو فكرة الهجوم على الطرف الآخر وانك بذلك تقوم باخراج افضل ما فيه من مشاعر نحوك وان اقدمت على نقده، بعد ذلك فانه سيكون متفهما لأسباب انتقادك الشخصي له والنابع من حرصك عليه وحبك له. ولا بد لك عندما تقوم بانتقاد احد على خطأ ارتكبه، عليك ان تخبره بالكيفية التي يمكن بها تصحيح ذلك الخطأ .. ولا ينبغي على الاطلاق التركيز على الخطأ نفسه بل يكون التركيز على طرق ووسائل اصلاح ذلك الخطأ وتجنب تكرار حدوثه ..
وعليك ان تراعي دائما وانت تنتقد الآخرين قصة الطيار وبرج المراقبة، وان يكون انتقادك للتصرف او السلوك وليس للشخص ذاته على الاطلاق لأنك عن طريق ذلك تتجنب تصادمه النفسي معك وترفع من ذاته في نفس الوقت، ولا سيما لو قلت ان هذا الخطأ لا يمكن ان يقع منك في المعتاد، ولا بد من وجود اسباب دفعتك لهذا التصرف الذي يتناقض مع شخصيتك .. انك لو فعلت ذلك فانك تكون قد انتقدت ذلك الشخص دون احراجه على الاطلاق سيبحث عندها عن مبرر لذلك التصرف.
واياك ان تنتقد الخطأ الواحد اكثر من مرة، لأنك ستدخل في دائرة اصطياد الاخطاء وليس النقد البناء على الاطلاق .. واهم شيء يلزمك وانت تنتقد الآخرين نقدا بناء ان تختتم نقدك بطريقة ودية بعد ان تكون قد وضعت النقاط على الحروف، وان تحسم المسألة وان تنهي اللقاء بحرارة الحب والود التي لا تنسى حتى اللقاء الذي يليه .. انها القواعد الذهبية للنقد البناء الذي يجعلك تشارك الآخرين مشاركة ايجابية في كل المواقف.