خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

تحقيق النصوص ونشرها.. حمد الجاسر أنموذجاً بقلم : يوسف سليمان

تحقيق النصوص ونشرها.. حمد الجاسر أنموذجاً بقلم : يوسف سليمان

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

يوسف سليمان - هذه كلمات لا بد منها لمن رام أن يعرف امر الجاسر من قريب, وانا ابتغي من هذا التاريخ القاء الضوء على الرجل ـ بما هو سيرة عقل, ومن حيث هو حياة صخابة موارة شديدة الحركة ـ وتسليطه عليه, وانشاءه خلقا جديدا: حديثا يؤثر, وخبرا يروى, وطريقة تتبع, لئلا تضل العربية, مجد علمائها وادبائها, واولي الصدارة فيها وكي لا يكون التاريخ اكفانا تطوى على الرمم.
نشأ الجاسر في اوليته ادبيا يريد ان يشعر, ويكتب ويتأدب, وسلخ شبابه يعمل حتى امكنته اللغة من ناصيتها, وهدته الى هذه الانغام العلوية الجليلة الفخيمة المترقرقة من مختار الكلام, شعراً موزوناً معقودا بقواف محكمة وللشعر بهاء, وللنفس اليه نزوع, وللقلب به علقة ونثرا مصقولا  مسنونا يتهادى بالحرف العربي مشرقا وضيئا ملففا بالجلالة محفوفا بالمهابة مصوتا في تلافيف القلوب, يهز السامعيه ويرجهم رجا.
وآية ذلك انه اكب على المكتبة العربية ـ والمكتبة العربية, عند هذه الطبقة, كتاب واحد, فهم يقرأون الاغاني كما يقرأون الجامع الصحيح, ويقرأون, كتاب سيبويه كما يقرأون مواقف العضد ـ اكب على المكتبة العربية يعب منها عللاً بعد نهل, واحب الكتاب العربي حباً ملك عليه حسه, ولم يصرف عنه بشيء من مطالب الصبا ونوازع الشباب, فاذا فرغ من هذه اخذ في هذه ومن لم ينتفع بأذنيه.
احب الكتاب العربي وحرص عليه كأنه ولده رآه على يأس, وعرفه كما يعرف الناس آباءهم, وقد اجاءه هذا الحب وذلك الحرص الى تطلبه في مطبعة درست وذهب رسمها, او منشوراً في مجلة خفي على الناس اسمها او مخطوطاً في خزانة عامة او خاصة خفي على الدارسين مكانها, فحصل له من الأنس بالمكتبة العربية في فنونهاجميعها قدر عظيم, ولذا لم يكن بدعا ولا غريبا دوران هذه الفنون في فكره وقلبه دوران الدم في العروق ولم يكن بدعاً ولا غريباً كون كلامه موصولاً بكلام الاوائل, ومنتزعاً منه, ودالاً عليه, ومكملاً له بحيث لا تخرم مشيته مشية واحد من علماء الصدر الاول.
وتسألني: ثم ماذا?
ثم نظر..
ثم فكر وقدر..
فعلم ان الطريق ليس هناك.
فلو وقف الجاسر عند ذلك لدرج فيمن درج من الادباء والكتاب الذين عاصروه, ولو انه استنام الى بعض الصيت الذي ادركه وحازه, واحتمله في امره الغرور لخف ـ بعد ـ في ميزان الادب حتى يرجح من عسى ان يكون اخف منه, لكنه خرج من هذه الفتن التي لفت كثرة الشعراء والادباء, والتقمتهم, فمضغتهم, فطحنتهم, ثم لفظتهم, فما تحس منهم من احد, ولا تسمع لهم ركزا.
ثم كان ماذا?
ثم صار الى التراث هذا الذي تنقل في اصلاب كريمة, ووعته صدور حافظة, وحملته ايد بارة, وادته ألسن ذكية, صار الى التراث الذي هو تجارب امم, وثمرات قرائح ونتاج اقلام وذوب قلوب وخلاصة عقول, عقول اقوام استودعوها بطون الكتب, وادتها الينا اجيال وفية من الرواة والحفظة والنساخ والمحققين, فحفظوها وصانوها كما يصون كرام الابناء ودائع الاباء.
ثم طويت ايام ونشرت ايام, والقضية ـ قضية التراث ـ في بال الرجل كأنها هم الليل والنهار, حية في عقله, جارية في دمه, لم تسقط بالتقادم, ولم تنسحب عليها ذيول النسيان, وهذا التراث الذي ضني به الاوائل في خلال اربعةعشر قرنا من الزمان, وكاد يؤول الغازاً وطلسمات, كالذي تراه على جدر المقابر والمعابد ولفائف البردي, رموزاً قديمة تخفى على عظم الناس وجمهرتهم, ولا يعقلها الا العالمون.
فدخل الجاسر رحمه الله ـ ميدان التحقيق والنشر, مزودا بزاد قوي من علم الاوائل وتجاربهم, مدفوعاً بروح اسلامية عارمة, ترمي الى اذاعة النصوص الدالة على عظمة التراث الكاشفة عن نواحي الجلال والكمال فيه.
وتحقيق النصوص علم له قوانينه واعرافه, واصطلاحاته..
وله جانبان:
جانب الصنعة وجانب العلم.
اما جانب الصنعة فهو ما يتصل بجمع النسخ الخطية والموازنة بينها, واختيار النسخة الام (الاصل) فالفرع ففرع الفرع.. ثم ما  يكون ـ بعد ذلك ـ من توثيق عنوان المخطوط, واسم مؤلفه,ونسبه المخطوط اليه ونسخه, والتعليق عليه وتخريج شواهده, وعزو نقوله, وصنع الفهارس الفنية اللازمة.
وهذا جانب الصنعة الذي يستوي فيه الاخصائيون جميعاً, ولا يكاد يفضل احد احدا فيه, الا بما يكون من الوفاء بهذه النقاط او التقصير فيها.
اما جانب العلم في تحقيق النصوص = فهو الغية التي ليس وراءها غاية, وهو المطلب الكبير الذي ينبغي ان تصرف اليه الهمم, ولاء لهذه التراث, العريق وكشفا لمسيرتنا الفكرية عبر هذه الازمان المتطاولة.
وعدة المحقق في ذلك هي معرفة الكتب العربية في كل فن وطرق الافادة منها جميعا, لانه في كل خطوة يخطوها مطالب بتوثيق كل نقل, وتحرير كل قضية بل ان المحقق الجاد قد يبذل جهدا مضنيا مستكنا ولا يظهر في حاشية او تعليق, وذلك حين يريد الاطمئنان الى سلامة النص واتساقه, وانه خرج على وفق مراد واضعه وراصفه, يمضي في جادة مستقيمة ونهج لاحب ولا عوج فيه ولا امت ومعرفة مظنة العلم, نصف العلم.
والبرهنة على ذلك تكون بالنظر في اعمال المحققين الاثبات وقراءة حواشيهم والتدسس في خلالها.
والعلامة المعلمي العتمي اليماني محقق الاكمال للامير ابن ماكولاو والانساب لابي سعد السمعاني وشيخ العربية وحامل لوائها ابو فهر, محمود محمد شاكر ـ رحمهما الله ـ مثالان صالحان شارحان في امثلة كثيرة لا يأتي عليها احصاء.
وهذا كله ـ اعني اخراج النص على مراد ناسقه ـ لا يتهيأ الا لمن خالطت بشاشة العلم قلبه, وخبر سواده وبياضه, اسهر فيه ليله وادأب, له نهاره حتى ملك منه ناصيته.
ولا يتهيأ الا لمن القى الدنيا ـ اذا اخذت زخرفها وازينت ـ خلف ظهره ودبر اذنيه, فلم يعبأ بإقبالها وادبارها واستوى عنده سوادها وبياضها.
والشيخ حمد ـ رحمه الله ـ قد استولى من ذلك كله على الامد واتاه الله من كل شيء سبباً.
فاتبع سببا, فطاب مسلكا ومشربا, وجرى في طريق الانصاف وهضم النفس, وورد الماء قبل ان تكدره الدلاء.
ثم اتبع سببا فبرىء ان يكون كبعض من يطيح بالقول من اعلى رأسه متحدرا الى اسفل القرطاس وللقارىء من قنابله ـ بعد ذلك ـ ما يشظى في وجهه وما يطاير.
وكان الاستاذ الجاسر ذا قوة على تمييز الخطوط ـ وردها الى العصر الذي كتبت فيه, استنادا الى نوع الحبر وكثافة الورق وطريقة الكتابة من اهمال او اعجام. اضف الى هذا ان خطوط العلماء كانت في عينة متميزة.
وكان من الضرب الذي يشغل بغيره عن نفسه وتستعلن آثاره او تتوارى في جهد سواه, وهو في كل ذلك سعيد جذلان بمايبذل من وقته وفكره, وسواء اذاع الناس من فضله ام جحدوا فهو حيث هو, لا يتحول ولا يريم, لانه يرضي سخاء نفسه النزاعة الى العطاء.
لاجل ذلك كان الاتصال بالشيخ حمد مطمح انفس وكانت افئدة من الناس تهوي اليه, وكانت الرسائل تأتيه من كل صقع تصل اليه الكلمة العربية واضحى مكتبه وبيته مثابة لطلاب العلوم والمعارف وكذا من عنى نفسه بتحقيق النصوص وخشي ان يضرب في بحر لجي غير آمن من زيغ البصر وضللا التأويل, لتمام ثقته بتمكن الجاسر من المادة التي يبحث عنها, ويفحص عن صحتها, ولا سيما البلدانيات (الجغرافيا) والنسب, وهو علم جليل له قدره وخطره والعلم به ينفع, والجهل به يضر على ما بينه حافظ المغرب, ابو عمر, يوسف بن عبدالبر النمري في كتابيه القصد والامم والانباه وكذا رصيفه الحافظ المتقن المفتن, نادرة الفلك, ابو محمد ابن حزم ـ رحمهما الله تعالى ـ في اول الجمهرة له.
وكان الشيخ فرغ نفسه لذينك العلمين, وصرف اليهما جهده, حتى ملك القول فيهما غير مزاحم ولا مدافع.
ومن نظر في لحق ديوان الحادرة والمقالات الموسومة بـالدكاترة والعبث بالتراث المنشورة في العرب والاستدراكات على جمهرة ابن حزم المنشورة في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق وكذا استدراكاته على العجالة للحازمي التي حققها ونشرها عن مجمع دمشق العلامة البارع والاديب المحقق, الاستاذ عبدالله كنون ـ رحمه الله تعالى ـ اقول: من نظر في هاته العنوانات التي ذكرنا على سبيل الوجازة والاختصار علم صدق مقالتنا, وبين الصبح لذي عينين.
وكان الاستاذ يكثر ينظر في الكلام الواقع اليه يقايس ويوازن ويطيل النظر, كما جرت بذلك عادة الاثبات المحققين (او المحقين ـ على تعبير الجاحـظ ـ او المحقيين ـ على تعبير الشريف الرضي), فيأخذ ما صفى, ويدع ما كدر غير مستوحش بتفرد, ولا متكثر بموافقة, وكان مجلى ذلك كتابه الماتع المستطاب الذي وسمه بـباهله القبيلة المفترى عليها فان النسبة الى باهله كانت نسبة حطة, فيها من التنقص والمعابة ما فيها وكان ذا مركوزا في العقول ثابتا على الزمان مدونا في الكتب (كتب التاريخ, والطبقات والفقه, والنسب, والمجاميع والمحاضرات..) وردوا ذلك الى بواعث وعلل لا تثبت على النظر.. وفي الكتاب من سلطان الذكاء وقوة العارضة ما لا يجحد هذا وقد ارخيت للقول حتى بلغ وكنت حقيقا ان اعوج الى الحديث عن العرب تلكم المجلة التي كسر عليها الجاسر حياته ونفخ فيها من روحه وقرح من اجلها جفونه فاذا هي ظرف ملىء عالما, ودنيا حافلة بالنغم الحلو واللفظ المعجب والمعنى الشريف.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF