بعد انقضاء سنتين على حملة التشهير المستعرة التي نظمها بعض كبار المسؤولين في إدارة الرئيس بوش ضدي وضد زوجتي، أشعر بكثير من الارتياح لما آلت إليه الأمور بعد الاتهام الذي وجه يوم الجمعة الماضي إلى مدير مكتب نائب الرئيس لويس ليبي المعروف، بسكوتر' ويذكر أننا معا، أنا وزوجتي، خدمنا الولايات المتحدة بتفان وإخلاص طيلة 43 سنة تقلدت فيها العديد من المناصب حيث شغلت منصب سفير الرئيس بوش الأب لدى العراق قبيل اندلاع حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت، كما عملت كسفير للولايات المتحدة لدى دولتين إفريقيتين في عهد بوش الأب والرئيس كلينتون أما زوجتي فاليري فقد عملت مع وكالة الاستخبارات المركزية كعميلة سرية كلفت على إثرها بمهام متعددة خارج البلد.
لكن ما أن حل يوم 14 من يونيو 2003 حتى انقلبت حياتنا رأسا على عقب وقد حدث ذلك في اليوم الذي قام فيه الصحفي روبرت نوفاك بالكشف عن هوية فاليري كعميلة أميركية مفشيا بذلك أحد الأسرار التي لم يكن يعرف بها أحد خارج الدائرة العائلية المحدودة التي تتألف مني ومن والديها وأخيها وقد أخبرتني فاليري لاحقا عندما أفشي السر وافتضحت هويتها أنها كمن طعن من الخلف حيث أهدرت عشرون عاما من الجهد المتواصل التي قضتها في إقامة علاقات مفيدة مع جهات وأطراف متعددة لذا سارعت مباشرة بعد ذلك إلى وضع قائمة بالأشياء التي يتعين عليها إنجازها حتى تقلل من الضرر الذي سيلحق بأصدقائها عبر العالم وكثيرا ما كانت تتساءل بقلق كبير عما سيشعر به أصدقاؤها عندما سيدركون أن ما عرفوه عنها طيلة السنوات السابقة كان مجرد كذبة كبرى.
ولقد بات واضحا الآن أن ذلك جاء في إطار تصفية حساب سياسي أقدمت عليه إدارة الرئيس بوش ردا منها على مقال كنت قد نشرته في وقت سابق يدحض ما جاء على لسان بوش في خطابه عن حالة الاتحاد سنة 2003 ولم تكن عملية تصفية الحساب تلك موجهة ضدي فقط، بل كانت تحذيرا واضحا لكل من يخطر على باله انتقاد سياسات بوش ومعارضة الحرب في العراق لكن لماذا كتبت ذلك المقال؟ كتبته لأني أومن إيمانا راسخا بأن المواطنين في أية دولة ديمقراطية في العالم يتحملون مسؤولية ما يصدر عن حكوماتهم وكتبته كذلك لأني كنت متيقنا حينها أن ما ادعاه بوش في خطابه عن سعي العراق إلى شراء كميات كبيرة من اليورانيوم لتطوير أسلحته كان محض افتراء ولم يخبرني بذلك أحد، بل تأكد لي ذلك بما لا يدع مجالا للشك من خلال رحلة قمت بها شخصيا إلى إفريقيا للتحقق من الأمر بطلب من وكالة الاستخبارات المركزية، حيث تبين لي عدم صحة تلك المزاعم لكن الأخطر من ذلك كله أن البيت الأبيض كان على دراية تامة بعدم وجود أي صفقة بين نظام صدام حسين والنيجر لشراء اليورانيوم.
ولأني لم أكن أتوفر على النفوذ الكافي لتغيير مجريات الأمور وثني الصقور في البيت الأبيض عن شن حرب على أساس مبررات واهية، قررت الخروج إلى العلن ومخاطبة الجمهور مباشرة عن طريق المقال الذي نشر في صفحات الرأي بجريدة 'نيويورك تايمز' وبالفعل لم تتأخر كثيرا النتيجة في الظهور حيث اعترف البيت الأبيض في اليوم التالي لنشر المقال بما جاء فيه، خصوصا تلك الجملة الشهيرة التي قلت فيها 'لا ترقى تلك الصفقة المزعومة إلى مستوى إدراجها في خطاب حالة الاتحاد' وكان يفترض بالموضوع أن ينتهي عند ذلك الحد، لكن بدلا من ذلك قام رجال الرئيس بمن فيهم، ليبي' بشن حملة شعواء تستهدف تشويه سمعتي والتشهير بزوجتي فاليري واستندت تلك الحملة إلى حلفاء رجال الرئيس المتحمسين في الكونجرس والصحافة المحافظة بدءا بروبرت نوفاك الذي صال وجال في الصحافة إمعانا في التشهير والإساءة وليس انتهاء بالصحافي بيتر كينج الذي قال عن زوجتي إنها 'نالت ما تستحقه'
وبالطبع كانت فاليري بريئة تماما ولا دخل لها في الموضوع وبالرغم من أن حملة التشهير أشارت إلى أن زوجتي أومأت إلى وكالة الاستخبارات المركزية بإرسالي إلى النيجر للتأكد من وجود صفقة حقيقية، إلا أن الوكالة نفسها كذبت هذه الاتهامات بعد أسبوع واحد عن نشر روبرت نوفاك لمقاله سيئ السمعة، حيث جاء في أحد تقاريرها، لم تقم السيدة فاليري بترشيح زوجها للذهاب إلى النيجر' واليوم بعد مرور سنتين على تلك الحادثة توجه هيئة المحلفين العليا تهما بارتكاب جرائم إلى رجلين على الأقل من رجال الرئيس بوش لذا أشعر بالارتياح لما بذله النظام القضائي الأميركي من جهد معتبر وبمساءلته لأشخاص نافذين في البيت الأبيض لقد كانت تلك الهجمات المستفزة والقاسية مسيئة جدا لزوجتي لما ألحقته من ضرر بالغ بروحنا المعنوية، لا سيما بعدما أشرف عليها رجال استغلوا سلطة البيت الأبيض ليحولوا حياتنا إلى معاناة حقيقية لكن الجريمة الأكبر بنظري هي توظيفهم لحملة التشهير كمناورة لتمرير الأكاذيب وإقناع الأميركيين بجدوى احتلال العراق وهو الاحتلال الذي تسبب في مقتل وجرح أكثر من 17 ألف جندي أميركي ومئات الآلاف من العراقيين كما أدى إلى تلطيخ صورة الولايات المتحدة في العالم وإلهاب حماس الإرهابيين ودفعهم لاستهداف مصالحنا وكما عبر عن ذلك الجنرال ويليام أود كانت تلك الحرب أكبر خطأ استراتيجي في تاريخ الولايات المتحدة ومع ذلك فإنني لا أنتظر من بوش أن يعترف بذنبه بقدر ما أريده أن يقدم توضيحا للأمة ويعتذر عما جرى.