عمان ـ ناجح حسن - تبدأ اواسط الشهر المقبل عروض الفيلم الاميركي «ميونخ» الذي انجزه مخرجه الذائع الصيت ستيفن سبيلبرغ في سرية تامة، وفيه يحكي عن فصل من فصول الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وهو المخرج والمنتج العالمي الذي لاقت كافة اعماله نجاحا جماهيريا ونقديا لما يحرص على تقديمه من تشويق ودراما مبتكرة على صعيد موضوعاته أو ابهاره الضخم متكئا على قصة بسيطة ثم يرتقي بها في اجواء وعوالم اخرى بفعل توظيفه المتين للمؤثرات والتقنيات التكنولوجية والكمبيوترية بين الحين والآخر.
ينطوي فيلم «ميونخ» آخر نتاج لسبيلبرغ على رغبة ظلت تلازمه منذ سنوات طويلة في محاكاة للصراع العربي ـ الاسرائيلي، وهو الذي سبق له ان قدم فيلما يأخذ طرفا من هذا الصراع عبر تحقيقه لفيلم «قائمة شندلر» الذي يتناول الهولوكوست اليهودي في معتقل اوشفيتز النازي الشهير، لكن ذلك لم يمنع من بقائه بانتظار الفرصة ان يحكي عن المشكلة الفلسطينية لاهتمامه الشخصي، وهو في نفس الوقت كواحد من الذين يقفون مع حقوق الناس وحرية معتقداتهم وحقهم بالعيش الآمن وهو ما اشار اليه في اكثر من مناسبة وحوار صحفي، وقد انطلقت اشاعات عديدة في ابان السنوات القليلة الماضية انه بصدد صنع فيلم يتناول الحق الفلسطيني وينطلق من وجهة النظر العربية تجاه هذا الصراع بعد ان علم باشمئزاز بعضا من اصدقائه العرب تجاه فيلمه «قائمة شندلر» الذي اتهم فيه بأنه اراد بعمله هذا الانتصار لوجهة النظر الاسرائيلية. لكن الواقع يشير ان فيلم «قائمة شندلر» لم يكن عليه اجماع يهودي او اسرائيلي فهناك فئة قليلة ناصبته العداء، نظرا لما احتوى عليه العمل من تفاصيل تعمل الوكالة اليهودية على تجنب تأكيدها من خلال تلك الصفقات التي كانت تنشأ ما بين النازي واقطاب رجال الصناعة والاعمال من اليهود.
قبل ان تنطلق عروض فيلم «ميونخ» بدأت الاراء المتناقضة تعصف بالفيلم، فقد قامت الهيئات والجمعيات اليهودية والاسرائيلية في اكثر من مكان بالعالم بارسال برقيات التنديد والتحذير من مشروع سبيلبرغ نظرا لتأكيده بأن وقائع الفيلم ستكون مستقاة من كتاب توثيقي لحادثة ميونخ الشهيرة العام 1972 يحمل عنوان «الانتقام» وقيام مجموعة من المسلحين الفلسطينيين باحتجاز الفريق الاولمبي الاسرائيلي المشارك بدورة الألعاب الاولمبية آنذاك، وعلى اثرها جرت محاولة انقاذهم، والتي ادت الى مقتل الرهائن ومصرع عدد من الخاطفين واستسلام ما تبقى منهم وكيف بدأت اسرائيل بمحاولات الانتقام من الشخصيات الفلسطينية التي اعتقد انها وقفت وراء الحادثة. ليست هي المرة الاولى التي تقوم فيها السينما العالمية بنقل هذه الحادثة الى الشاشة البيضاء فقد قام المخرج وليام جراهام بعد اعوام قليلة من الحادثة بتجسيدها على الشاشة بنجوم عالميين: وليم هولدن، فرانكو نيرو ووضعها في سياق مغامرات وتشويق نادرين مما جعله على تماس مع وقائع الحادثة ساعة تلو أخرى، وشخص كثير من الشخصيات العالمية التي كانت تجري معها الاتصالات بممثلين حفاظا على تسلسل وقائع الحادثة، لكن الفيلم ظل اسير افلام المغامرات الهوليوودية، دون اي تحليل او عرض لجوانب الصراع مما جعله يلاقي نجاحا على صعيد شباك التذاكر في عواصم عربية واجنبية ومن ضمنها الصالات الاسرائيلية، لكن النقاد لم يستقبلوه كعمل ايجابي.
قبل ان يعيد الكرة سبيلبرغ والذي لم يشأ ان يتتبع الحادثة ووقائعها بقدر ما هو يلامس ما يشهده العالم حاليا من تداعيات لمسألة الصراع العربي ـ الاسرائيلي، ظل سبيلبرغ حريصا على ان لا يكشف عن فحوى عمله الا قبل ان يعرض الفيلم، لكن الاخبار التي تخرج بين حين وآخر من استوديوهات واماكن تصوير الفيلم تشي بأن الفيلم ليس من النوع العادي، وهو عمل نادر ومختلف في قضية الصراع العربي ـ الاسرائيلي وفيه لن يسعى سبيلبرغ ان يقدم وجهة النظرة الاسرائيلية وحدها بل يشير ان عمله قائم على الاتكاء على حادثة ميونخ والذي سيتناولها في المشاهد الاولى من الفيلم ومن ثم ينطلق منها ليناقش قضايا ما هو أبعد منها في مسألة التصدي للارهاب، والقتل المتبادل بين طرفي الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وعينه على ما يحدث على ارض الواقع، فالطرف الاسرائيلي اخد عليه لجوءه الى مصدر ثابت وحيد من كتاب يستعرض الرد الاسرائيلي على حادثة ميونخ وما جلبه من لأناس عاديين في شكل من الانتقام الفردي والجماعي الغير مبرر والذي لا يقود الا لمأساة اخرى.
لا شك ان فيلم «ميونخ» سيثير الكثير من الجدل شأن اغلب افلام سبيلبرغ ولكن هل سيكون حقا منصفا او حياديا تجاه قضية مثل الصراع العربي ـ الاسرائيلي؟.