خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

مهدي عامل ونقد الفكر اليومي - بقلم سعود قبيلات

مهدي عامل ونقد الفكر اليومي - بقلم سعود قبيلات

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

مهدي عامل مفكر عربي لبناني معروف، ولكن، لمن لا يعرفه، نقدم الملخص التالي: هو الدكتور حسن حمدان. ولد في بيروت عام 1936، ونال شهادتي الليسانس والدكتوراه في الفلسفة من جامعة ليون في فرنسا. وقد درس مادة الفلسفة في دار المعلمين بقسنطينة ـ الجزائر،  ثم في ثانوية صيدا للبنات في لبنان، ثم انتقل للتدريس في الجامعة اللبنانية ـ معهد العلوم الاجتماعية، كأستاذ متفرغ لمواد الفلسفة والسياسة والمنهجيات. وهو صاحب مشروع فكري سياسي كبير، سعى من خلاله لإعادة صياغة النظرية والممارسة السياسية الثورية على نحو يأخذ بعين الاعتبار طبيعة ظروف وواقع المجتمعات العربية ومجتمعات العالم الثالث بشكل عام. وفي سياق مشروعه هذا أعاد بناء اللغة فنبش عن مفرداتها، وحدثها، واشتق (ونحت) العديد من المفاهيم والمصطلحات الجديدة لينقل بواسطتها، ويوضح، أفكاره الجديدة المختلفة عما هو سائد. وقد تميز بدقة لغته وعمق أفكاره. الأمر الذي أنتج هوية فكرية ولغوية خاصة؛ يمكن الاستدلال عليها بكل سهوله عند قراءة أي نص له. وهو إلى ذلك، معروف بأطروحاته المهمة حول الدولة الكولونيالية، والدولة الطائفية، والممارسة السياسية. وتنم أبحاثه ودراساته على جهد كبير ومثابر، واجتهاد حقيقي وجريء. كما أنها تتسم بعدم الركون للبديهيات المتداولة، وبالاستقصاء عما وراء الظواهر، واستجلاء حقيقة المفاهيم والمصطلحات الشائعة. وقد تميز بكثرة نشاطه في المجالين العملي والفكري؛ إلى حد أن بعض رفاقه وصفه بأنه «ورشة عمل هائلة».
ومن مؤلفاته:
1. «مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني: القسم الأول: في التناقض». صدر عام 1972.
2. ديوان شعر بعنوان «تقاسيم على الزمان»، وقد صدر باسم مستعار هو «هلال بن زيتون». عام 1973.
3. «أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية». صدر عام 1974.
4. «مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني: القسم الثاني: في نمط الإنتاج الكولونيالي». صدر عام 1976.
5. «النظرية في الممارسة السياسية. بحث في أسباب الحرب الأهلية في لبنان». صدر عام 1979.
6. «مدخل إلى نقض الفكر الطائفي ـ القضية الفلسطينية في أيديولوجية البرجوازية اللبنانية». صدر عام 1980.
7. ديوان شعر بعنوان «فضاء النون». صدر عام 1984.
8. «في علمية الفكر الخلدوني». صدر عام 1985.
9. «في الدولة الطائفية» صدر عام 1986.
10. «ماركس في استراق إدوارد سعيد». صدر عام 1986.
11. «نقد الفكر اليومي». صدر عام 1988.
12. وهذا بالإضافة إلى أطروحته للدكتوراة، وهي بعنوان «محاولة في تكون التاريخ». وقد عاد فيما بعد للبحث في هذا الموضوع نفسه، تحت عنوان «التاريخ في تكونه وتمرحله».
كما أن له العديد من المقالات والدراسات المنشورة باللغة العربية وباللغة الفرنسية.

ولقد شكل مهدي عامل بجهده الفكري الأصيل، واجتهاده النظري العميق، علامة فكرية وسياسية لافتة ومهمة، خصوصا خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. لذلك فليس من الغريب أن ينشغل هذا المفكر الحقيقي المجتهد برصد أنماط الفكر اليومي الزائف، فيسلط الضوء عليها، وينقدها، ثم زيادة في التأكد من إنه قام بدوره، في مواجهتها، كما يجب، يخصص لهذا الغرض أحد مؤلفاته. بل يمكن القول أنه إذا كان هناك من مفكر ارتبط اسمه بالتصدي لهذا النمط من «الفكر»، فهو حتما مهدي عامل، أكثر من أي مفكر آخر. فقد كرس حياته الفكرية والسياسية بمجملها، لنقض الأفكار والمفاهيم والمصطلحات السطحية والمبتذلة التي تستمد «قوتها» من شيوعها في التداول اليومي. ولقد خاض مهدي عامل في سياق هذا الموقف الثابت الكثير من السجالات الفكرية العميقة بالمواجهة مع رموز هذا «الفكر» من مختلف ألوان الطيف السياسي والفكري العربي، بوجه عام، واللبناني، بوجه خاص. وفي أثناء ذلك، وبالاستناد إليه، صاغ مشروعه الفكري الخاص والمهم في مجالي النظرية والممارسة السياسية في العالم العربي، محاولا تخليص هذين الحقلين المهمين مما علق بهما من ميراث الأوهام وقصر النظر والأمية الفكرية والجبن والرعونة ودناءة المصالح الخاصة. وإلى ذلك كله كان مهدي عامل يحتفظ بدوره النشط في مجال الممارسة السياسية النضالية اليومية. وهو ما جعله يمثل نموذجا مختلفا بين المفكرين والسياسيين العرب، وقاد في النهاية بعض القوى المعادية لكل ما كان يمثله مهدي عامل من مثل وقيم وممارسة سياسية شجاعة ونظيفة، لأن تتربص به وتودي بحياته غدرا في 18 أيار 1987 في شارع الجزائر في بيروت.
وكتابه «نقد الفكر اليومي» الذي نحن بصدده اليوم، هو كتابه الأخير، وهو كتاب سجالي كان قد باشر كتابته عام 1980، وعند استشهاده لم يكن قد انتهى منه بعد. إذ أنه في الفترة نفسها التي استغرقتها كتابته لهذا الكتاب كان قد تفرغ لإنجاز العديد من كتبه الأخرى المهمة، هذا بالإضافة إلى انغماسه في النشاطات النضالية اليومية، كما أشرنا.
وقد قامت «لجنة نشر تراث مهدي عامل» التي تأسست عقب استشهاده، بالجهد الفني الضروري لتحويل مخطوطة «نقد الفكر اليومي» إلى كتاب، وفق ملاحظات وتخطيط مهدي نفسه، ومن ثم قامت بنشره بالعنوان نفسه الذي وضعه صاحبه. ولكن لفت نظري، بوجه خاص، فيما يتعلق بعمل هذه اللجنة، فهمها الغريب لما قصده مهدي عامل بمصطلح الفكر اليومي؛ إذ بدا لي هذا الفهم يمثل مفارقة حقيقية من حيث كونه هو أيضا يندرج في سياق الفكر اليومي. فاللجنة تلاحظ، في المقدمة التي وضعتها في أول الكتاب لتوضح من خلالها الأسلوب الذي اتبعته في إعداده، أن مهدي اقتصر في القسم الأول من كتابه على مناقشة بعض الآراء المنشورة في الصحافة اليومية وفي المجلات، ولكنه في القسم الثاني من الكتاب خرج عن هذا المنحى وراح يناقش الأفكار والمفاهيم الواردة في بعض الكتب. وحسب مفهوم اللجنة فإن هذا يعد خروجا على السياق الذي حدده العنوان «نقد الفكر اليومي». ويفهم من هذا أنها تقتصر مفهوم الفكر اليومي على ما ينشر يوميا فقط! ولذلك فهي تتوقع أن مهدي كان سيغير هذا العنوان حتما لو طالت به الحياة وأصدر الكتاب بنفسه. وما التزامها بالعنوان إلا من باب الوفاء لذكرى المفكر الشهيد والالتزام بعدم التدخل في ما خطته يداه. وهو برأيي فهم غريب، ويندرج في سياق «الفكر اليومي» الذي نقده مهدي عامل، ولذلك فإن في الأمر مفارقة لافتة فعلا، كما سبق وأشرت. فالفكر اليومي ليس مقصورا على ما تتضمنه المقالات المنشورة في الصحافة اليومية والمجلات، بل إنه يمكن أن يكون بين هذه المقالات ما لا ينتمي في مفاهيمه وموضوعاته وأفكاره ومعالجاته إلى هذا «الفكر» ولا يمت إليه بأية صلة. وبالمقابل، فقد تكون الكتب، مهما كبر حجمها، ولمعت أسماء أصحابها، رهينة لنطاق دائرته. ولا أظن أن هذا كان غائبا عن تفكير مهدي عامل، وهو الذي لا يتعامل مع أي مفهوم جزافا أو بصورة سطحية، ولا يركن على الإطلاق للفهم الشائع والمتداول والبديهي، بل إن كثرة التداول والشيوع هي بالنسبة إليه مما يدعو إلى الشك، وبالتالي، إلى التحري والاستقصاء، أكثر مما يدعو إلى الركون والقبول والاتباع.
والحقيقة، برأيي، هي أن مهدي عامل وجد نفسه مضطرا للانتقال لنقد «الفكر اليومي»، كما هو موجود في الكتب أيضا، لكي يكون بحثه شاملا ومستوفيا للجوانب المختلفة لموضوعه. إذ اكتشف في سياق جهده البحثي، أن دائرة «الفكر اليومي» أوسع بكثير من النطاق الذي حدده لبحثه في البداية، فما كان منه إلا أن قام بما يقوم به في العادة أي باحث مخلص لبحثه عندما يكتشف أن للبحث مسارات أخرى ضرورية لم تخطر في باله في البداية، فيبادر عندئذ إلى السير في هذه المسارات إلى نهاياتها المنطقية. ونجد مهدي وقد بلغ الثلث الأخير من بحثه يقول: «ولإثبات ما نقول، نرانا مرغمين على أن نستعين بنص، ربما كانت الاستعانة به ـ من الناحية الشكلية البحت ـ خروجا على قاعدة المنهج الذي ارتسمنا في نقد الفكر اليومي، وحاولنا ـ غالبا، لا دائما ـ أن نتقيد به، فلا نستند، في هذا النقد، إلا إلى كتابات في الصحافة اليومية أو الشهرية. نستبق، إذا، نقد القارئ ونعترف بأننا خرجنا على قاعدة وضعناها، في بداية البحث، للبحث، فلم نحترمها في سياقه».
وقد استندت «لجنة نشر تراث مهدي عامل»، إلى الفقرة السابقة، لتدعيم وجهة نظرها الغريبة تلك؛ وهذا مع أن مهدي يتحدث فيها فقط عن قاعدة وضعها هو لنفسه، وليس عن القاعدة الوحيدة السليمة؛ بدليل أنه سمح لنفسه بتجاوز تلك القاعدة والتخلي عن قيودها ومحدداتها، ما أن اكتشف أن لذلك ضرورة.
على أية حال، الآن وقد مر حوالي ثمانية عشر عاما على الاغتيال الغادر لمهدي عامل، وحوالي سبعة عشر عاما على صدور الطبعة الأولى من كتابه «نقد الفكر اليومي»، فإن هذا «الفكر»، مع الأسف، قد استشرى وشاع، وفي المقابل فقد تراجع الفكر الحقيقي وانحسرت مساحته.
وليس معنى هذا أن مساهمة مهدي عامل الفكرية، وكفاحه الشجاع والمبدئي، ضد الفكر اليومي ورموزه وإعلامه، كانا بلا معنى ولا طائل؛ بل لأن العالم وقع، في غفلة منه، ولو بصورة مؤقتة بالتأكيد، في قبضة القوة الدولية العظمى التي تملك أكبر ماكينة لنشر وإشاعة الفكر اليومي في أبشع صوره وأكثرها ابتذالا؛ فهي تملك مصلحة حقيقية في رواج وهيمنة مثل هذا «الفكر»، مثلما أن لها مصلحة ثابتة في محاربة وإحباط أي فكر أصيل وعميق. إذ أن أطماعها وأهدافها ومصالحها غير المشروعة لا يمكن تبريرها بصورة عقلانية سليمة. ولذلك فما من بديل أمامها إلا أن تعلي من شأن «الفكر» المزيف الذي تستطيع أن تستخدمه بسهوله لتبرير ممارساتها البشعة، وتصوير أطماعها الجشعة على أنها حقوق ومصالح مشروعة وطبيعية وعادلة، وليس أمامها في الوقت نفسه إلا أن تبذل كل ما تملك من جهد ومال وأجهزة لتغييب الفكر السليم، الذي يقف عائقا أمامها، ويهددها بأكبر المخاطر. غير أن هذا كله مؤقت، برأيي، قصر الزمن أم طال؛ إذ في النهاية ستدرك الشعوب مصالحها وحقوقها وما هي فيه من ظلم وقهر واستلاب، وتتعلم كيف تدافع عن نفسها وتصد مستغليها وتحصل حقوقها. وفي سياق هذه العملية التحررية نفسها تتعلم كيف تميز بين الفكر الأصيل وبين «الفكر» الزائف، وتعرف أيهما هو الذي يعبر عنها ويخدمها ويضمن مصالحها، وأيهما هو الذي يستخدمه أعداؤها ضدها. وعند ذاك فإن الجهود الفكرية التي بذلها مهدي عامل، وبذلها مفكرون أصلاء آخرون من مختلف أنحاء العالم، ستتبوأ من جديد مكانتها التي تستحق في عقول واهتمامات الناس في كل مكان.
والآن سنحاول أن نستعرض، تاليا، بعض ملامح الفكر اليومي، كما كشفها مهدي عامل:
1. هذا الفكر، كما رآه أحد ممثليه، «يبدأ من اللغة وينتهي فيها»؛ ويقول مهدي عامل: «لا حياة لفاقد الحياة، فإن ألح، استحالت عنده الحياة توقا إلى ما مات، أو ما يشبه الذات في لغة تؤسطر الماضي وترفعه إلى المطلق، وتطمح، في شهوتها الفارغة كتجويف صدى، إلى أن يقتصر عليها الوجود في خريطة العدم، فلا يبقى في التاريخ من التاريخ المتوقف عند الآن الذاهب في الموت سوى لغة منها تبدأ كل الأشياء، وفيها تسقط كل الأشياء، فتنتهي إلى تمارين في الإنشاء يمارسها، في أصفى حالات استمنائه، فكر عاجز عن إدراك العقل التاريخي، يستبدل ديالكتيكية عصر الثورات بصفر كلي يغمر سطح الأشياء، فتحتجب الأعماق، وتحتجب الحركة».
ويقول أيضا: «في الصفر الكلي يتوقف الزمن عن دورانه: لا الماضي يمضي، ولا الآتي يأتي. والزمن لا يراوح مكانه. يتصدع وينهار، ولا يتضح غير المستحيل، من جهتين معا: ما كان يتكرر لم يعد يتكرر، والأفق بلون غامض، إنه زمن مكسور من جهة الماضي، مبتور من جهة المستقبل، والحاضر فيه يتفتت».
«هو فكر ظلامي يلبس وجه الفكر العدمي».
2. هو فكر يتسلح بالوهم ويلجأ إليه، وبالوهم يصطنع التنابذ بين السياسة وبين الثقافة، أو الأدب، أو الإبداع، أو الحرية الفردية (للفرد المطلق)، أو الفن، أو الحياة، أو اللذة.. الخ. وهو لا يدرك أنه يلغي بجرة قلم صراع الطبقات الذي هو السياسة، ويغرق في الإنشاء ويعلن أنها هي الحل الأفضل. وعندئذ تصبح السياسة كلمة جوفاء بعدما أسقط منها أطراف التناقض والصراع، فيدخلها في مواجهة كلمة جوفاء أخرى هي «الحياة».
3. وهو فكر لا يحب التعقيد. يعشق البساطة، فهي تريح. ولذلك فإنه يميل إلى الاختزال والتبسيط والبداهة، ويتجنب الاقتراب من المفاهيم في حال تعبيرها عن الحركة والتناقضات.
4. هو فكر لابس وعدمي؛ لأن لا مصلحة له في الوضوح، كما أنه يدرك في قرارة نفسه أنه إلى زوال، مهما امتد الزمن وطال.
5. هو فكر يتسم بهجومه المركز على العقل العلمي في التاريخ والاقتصاد والسياسة، وفي الفكر أيضا والكتابة، باسم الخصوصية أو تفاصيل الحياة، أو المعاش، أو الجزئي، أو المصادفة والاحتمال.. الخ.
6. ومع ذلك فهو، في بعض نماذجه، «يتقن استخدام سلاح المنطق، ويجتهد في أن يكون مقنعا. يؤيد القول بالبرهان حتى يكتسب القول حجة يقوى بها على واقع يرفضه. يأخذ شكل الفكر الاستخلاصي ليوهم بأن لأحكامه سطوة البداهة».
7. ويتجاهل هذا الفكر علاقات التناقض بين المصالح المختلفة، أو المواقع المختلفة؛ فيتعامل معها كما لو كانت علاقات تماثل، مع أنه يعترف بالتناقض بين الأفكار، ولكن «حتى التناقض هذا ليس فعليا، لأنه تناقض مجرد، يقوم بالفكر وحده، ويزول بالفكر وفي الفكر أيضا، في تصالح النقيضين في الفكرة المطلقة». ويصطنع بدلا من ذلك نقائض زائفة بين مصالح ومواقع لا أساس حقيقا لها. إنه فكر تنقصه الشجاعة والمصلحة لمواجهة الواقع كما هو؛ من دون تزييف أو تزوير.
8. الخطابة تقوم في هذا الفكر مقام البحث والتحليل، باعتبارها وجها آخر للإنشاء.
9. وعندما يحاول أن يحلل الأفكار والظواهر يرتبك؛ من حيث هو ينطلق، في تحليله ذاك، من جهله لمعاني المصطلحات والمفاهيم؛ فيستعملها بغير دقة ووضوح، أو بصورة مغايرة لمضامينها الحقيقية.
10. وهو يكره التحليل والفهم والوعي، ويحقد على العقل وكل معرفة وفكر. إنه فكر تجريبي يقول «بضرورة ترك الكلام للوقائع، أو الأحداث، نفسها، حتى تنطق بلغتها التي هي لغة تراكمها اليومي، دون توسط من الفكر أو من أدواته. فالوقائع ليست بحاجة إلى أي فكر يستنطقها، ما دام معناها ظاهرا فيها بشكل مباشر للعين المجردة، والعين هذه ليست بحاجة إلى أي مفهوم نظري تستعين به على معرفة الوقائع، ما دامت المعرفة، بحسب ذلك المبدأ التجريبي، تتم بالرصد وحده».
11. وهو يتسم بالخفة والارتباك وعدم الاتساق والتناقض ويفتقر إلى الدقة والصرامة والوضوح.
12. وهو ينبهر بالأحداث الكبيرة انبهارا يشل قدرته على التحليل؛ فيميل مع الحدث كيفما يميل، ولا يحلل، بل يؤكد، لأنه في عجلة من أمره.
13. وهو يشخصن ما لا يشخصن ويجوهر ما لا يجوهر.
14. وهو فكر غيبي يغيب التاريخ ويقيم الصراع بين ثنائية الخير والشر.
وبعد، فلو حاولنا أن نستقصي كل أبعاد رؤية مهدي عامل للفكر اليومي، فسنحتاج بالتأكيد إلى مقام أكبر بكثير من هذا المقام؛ خصوصا وأن معالجته لهذا الموضوع لم تكن مقصورة على مؤلفه الموسوم ب«نقد الفكر اليومي»، بل تجاوزته إلى جميع مؤلفاته وأبحاثه ودراساته.
وفي النهاية نختتم بقول شهير لمهدي عامل: «لست مهزوما ما دمت تقاوم». وهو ما انطبق بالفعل على شخصه وعلى فكره وعلى حياته.
[email protected]

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF