خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

فلسفة سارتر من منظور كولن ولسون

فلسفة سارتر من منظور كولن ولسون

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ

محمد سلام جميعان - ليس من الإنصاف إنكار الدور المؤثر الذي نهض به كولن ولسون في الحياة الثقافية العالمية، فمنذ ان نشر كتابه الاول «اللامنتمي» أخذ هذا  الكتاب ينافس في سوق النشر والقراءة «الغريب» لالبيركامو و«الكلمات» السارتر، غير أنه ينبغي الاعتراف بالموازاة أن ولسون لم يترك الاثر المباشر الفعال بما يكفي كما الأثر الذي تركه سارتر أو كامو في العالم، ولعل هذا عائد الى أن اعماله جاءت على خلفية البحث في أعمال المفكرين الفلاسفة الاخرين فلم يقيض له أن يشكل تيارا او مدرسة فلسفية على الرغم من اعلانه عن هدفه في كل ما تناوله في كتبه من أنه يسعى الى (وضع أساس للوجودية الجديدة فالوجوديات كلها تبدأ من نقطة واحدة _ السأم واللامعنى اللذان لزما الوضع الانساني كما لزما عجز الانسان عن تمسكه بالحرية وعن لمحاته للمفهوم، لذا من العسير على الفلسفة تقدير قيمته «ومن أجل هذا تتبع ولسون _ عبر مؤلفاته التي تبشر بالوجودية الجديدة_ شخصية اللامنتمي كما تجلت في أثار كبار الكتاب والفنانين، أمثال كافكا و دستويفسكي وهمنغواي وكامو وسارتر ونيتشه، وقد تباينت الاراء في مذهبه وقدرته على تحريك الضوء الساطع لاضائة عتمة الافكار والنظريات الفلسفية السائدة، ففي حين قال احد نقاده (أن اللامنتمي هو أعظم كتاب في التحليل صدر في اوروبا منذ كتاب سقوط الحضارة لشبنجلر» قال ناقد أخر على اثر صدور كتابه «دين وتمرد» (ان لعبة السيد ولسون الادبية قد انتهى أجلها).
لم يسخط ولسون او يثور حين جوبه بنقد لاذع لطريقته ومنهجه ورؤيته، بل مضى يؤكد أن تجربته الخاصة مع العالم لا تتفق مع الموقف الوجودي السائد آنذاك، ويعلن موقفه الشجاع كما يرويه في مذكراته «رحلة نحو البداية» : (لقد كنت دائم الاحتقار للكتاب الذين يسمحون للنقاد أن يؤثروا فيهم الى درجة إثارة سخط الجمهور) ص 369.
إن المعامله السيئه التي لقيها ولسون من النقاد دعته الى ان يتمتع دائما بمزاج متفائل، واستمر لسنوات عديده في العمل الفكري دون كلل مع تجاهل النقد الموجه اليه في موضوع (الوعي والوجود).
لم يكتف ولسون بكتابة النص النقدي والهوامش الفلسفية عليه بل حاور الفلسفة من خلال أعماله الروائية، وهو سبب ينضاف الى أسبابه في التأليف يبدو أكثر أهمية واساسية، وهو في رواياته لا يعنى بالمعنى الواضح المباشر، اي معنى تقديم الافكار في قلب الرواية، فهو من جهة لايقنع بالعقل أداة للوصول الى طبييعة الوجود وعلاقة(غريبة) بها، فالكلمات من وجهة نظره تستحضر التصورات، فالفلسفة لديه ظل من الحقيقة التي يسعى اليها ويحاول الامساك بها (ما من فيلسوف يصبح مهيئا للقيام بوظيفته ما لم يكن روائيا أيضا، ولقد عرف هوايتهد أن على الفلسفة أن تخلع عن نفسها نير التصورات العقلية وطغيانها).
ولهذا وقف ولسون على الافكار الفلسفية في كثير من الروايات والأعمال الشعرية لكبار الفنانين والكتاب ومن ضمن مشروعه هذا شرع في تلخيص فلسفة سارتر، موضحا كيف كانت فلسفته الوجودية في جوهرها فلسفة ستاتيكية ومتشائمة لانه اي سارتر، ألقى بثقل إهتمامه الرئيس وتأكيدها على فكرة (الوجود) على النظر الى العالم القائم من حوله على أنه عالم (كائن) وهذا ما أدى بسارتر بحسب ولسون الى النظر الى الوعي باعتباره عدما وفراغا ومتفرجا سلبيا، من هنا يرى ان سارتر يحمل عقيدة فلسفية سيئة كما انه يحمل موقفا رديئا من الايمان، لعل هذه النظرة التي يراها ولسون هي التي سددت اليه سهام النقد واتهمته بارتباك الموقف الفلسفي تجاه الظاهرة التي يستقرئها، غير أن التأمل العميق في طرح ولسون يقود الى ضرورة الانتباه الى أن مركز فلسفته هو (المعنى) وليس) الوجود) كما هو عند ساتر .
ورغم واقعية مؤلفات سارتر الا ان واقعيتها تعني غرقها في الكآبة لا سيما حين ندرك اهتمامه في تصوير الحياة البشرية ومحيطها من زاوية تحليلية، ما يعني انه - سارتر- ينزع الى أن يصدر حكما على الحياة البشرية، وان كان يعترف انه لا يصدر حكمه مقدما كما فعل في روايته (الغثيان) حيث ساق الفكرة الموضوعية الى تطرف شديد في تسجيله الواقعي لمذكرات رجل جفت مشاعره وترك في مواجهة الاشياء التي كانت تسحقه وتطحنه بشراسة ويقتبس لذلك عبارة سارتر(كيف يكون في وسعنا ان نقرر ما يستحق الاهتمام - نحن أنانيون ذاتيون بالضرورة ونحن نسمح لمشاعرنا ان تقرر حياتنا، ولكن اذا تطرف الانسان الى منتهى التواضع المسيحي مثلا وجلس ينتظر من المعنى أن يبرز من الاشياء التي تحيط به فقد تكون النتيجة إنهيارا مفاجئا للفردية في وجه العالم).
وهنا يرى ولسون ان في هذا شيئا من عدم إحترام القابلية حين تقع ذات الفرد تحت ضغط العالم الخارجي الطبيعي منسحقا به، فهذا ما يجعل العالم يذوب في فقاعات سوداء ففكرة (الغثيان) تتمثل في شعور انطوان روكنتان بين حين وآخر بأنه هو الذي يضفي النظام على تجاربه، ولكنه لا يحترم نفسه، وهو يشعر انه يجهل جهلا تاما هدف حياته بصورة عامة . فالعبء الاكبر الذي يقع على المعنى هنا هو فرض الاحكام على التجربة، لهذا يرى ولسون أن نكف عن إصدار الاحكام (بينما يكتب تاريخ حياة شخصية تاريخية ويدرك أنه انما  يفرض معناه هو وأحكامه على هذه الشخصية، تماما كما كان ذلك الشخص نفسه يفعل ذلك حين كان يعيش حياته ... ويشعر أنه ليس لاحد الحق في أن يبدأ بعيش الحياة حتى يعرف لماذا هو حي) .
التعبير عن المشكلة الفلسفية التي تواجه سارتر بهذه الكيفية كما يرى ولسون لا تقدم جوابا مقنعا إذ (في نهاية الكتاب يقرر روكانتان إن المرء (يجب) ان يختار واننا ما دمنا لا نعرف لماذا نحن أحياء فاننا يجب أن نختار هدفا كيفيا ونلتزم به).
ولا يتورع ولسون عن وصف هذه الفلسفه السارترية بأنها فلسفة نسكية غير مريحة إستمر عليها حتى وطنها في مسرحية (اسرى التونا) التي تتحدث فيها  الشخصية الرئيسية عن رعب الوجود حتى حين يتأثر سارتر بفوكنر فإن رواية الاول لا تقل كآبة وامتلاءً بالاشمئزاز لا سيما في مجموعة من الاقاصيص المسماة (الجدار)، حيث يبذل سارتر جهده ليركز على التفاصيل التي تثير الاشمئزاز عن العلاقة الجنسية ما جردها في النهاية من المعنى ولكنه يعترف بالمقابل أن الدقة الدرامية في المسرحية تعطيها معنى من معاني البطولة (فالشخص الرئيسي يقوم بتعذيب الاسرى الروس أثناء الحرب العالمية الثانيةوبعد الحرب يعذبه ضميره، ولكن تعذيبه للأسرى الروس كان رد فعل ضد رعبه من النظام النازي، في نهاية المسرحية يواجه هو وابوه لا أخلاقيتهما فينتحران معا) فسارتر هنا يرى أن الرعب أساس الوجود، وعلى هذا الاساس كما يرى ولسون يجب أن يقرأ هذا النص المسرحي حتى لاتتحول الاساليب الدرامية الى حيل وأخاديع وحتى لا يبدو الانتحار مفتعلا .
وولسون هنا لا يقدم إعتراضات مجانية على سارتر، وبالضبط يكيف ولسون في تحليله لاعمال سارتر وفق منظوره في التأصيل للوجودية الجديدة لهذا يلجأ الى ربط أفكاره المفاهيمية بالجمع بين سارتر والكتاب الذين أكدوا على فكرة اللامنتمي والذين وقفوا ملياً عند السؤال الجوهري : كيف تعاش الفلسفة؟ ولهذا يقف ولسون بحدة وغلو وتطرف ولا ينفك يلاحظ الاشياء بمنظوره الخاص الذي يأبى له أن يتدخل مع الايقاع الفكري للفلسفة السائدة آنذاك بمعنى أنه يريد للكتاب الذين وقفوا عند قضية (اللامنتمي) أن لا تكون تجربتهم مألوفة ولا يتم هذا ولا يتحقق الا اذا أضحت العاطفة غير مجدية .
ويستمر ولسون في رصد تجربة الاختيار وإدانتها عند سارتر في كافة أقاصيص هذه المجموعة ليفرغ جهده من بعد الى رواية (دروب الحرية) التي ينضاف اليها و الكآبة والضغط المادي الى جانب تجربة الاختيار.
وعجز العقل عن إدراك الحقيقة، والبحث عن حرية لا يمكن تعريفها وهذا عكس ما قرره ساتر في كتاباته بخاصة الغثيان من أن الانسان ليس حراً مطلقا، وأنه من الحمق والسخافة بحيث لا يلاحظ ذلك .
ولأن ولسون يعترف في كتابه سقوط الحضارة بأنه أنفق)معظم صفحات كتاب اللامنتمي محاولا أن أعثر في الاشخاص الاخرين على ما يبرهن على معتقداتي) فقد عدل من نظرته الى سارتر واعترف بجهده في التأصيل لفكرة اللامنتمي)ومع ذلك فإن القارئ في التحليل النهائي لما يقرأ لا يملك الا أن يعجب بسارتر ... في أنه لا يحاول أن يجد لنفسه مخرجا  سهلا) فاختلافه مع سارتر ينصب بالدرجة الاولى على (إنعدام الرؤيا) و (فكرة الرعب من الوجود) و (التحديد السلبي للهوية ومقارنتها بمدارك أخرى) إذ يرى ولسون أن)هناك ملايين الاشياء حولنا في العالم وأن إدراكنا لها إختياري، ولا يدخل الا القليل منها ضمن هوسنا ضمن أي لحظة معينة ضمن ذكرياتنا، ولهذا فأن حالتنا الذهنية وموقفنا من الوجود في لحظة معينة يعتمدان حقائق قليلة جدا ).
وقد قاده البحث في أسس سارتر الفلسفية الى إكتشاف أن جميع مؤلفاته (ماهي الا إحتجاج ضد محدودية الادراك البشري فحين يسأل روكنتال (لماذا أنا هنا ؟) فإنه يسأل أيضا لماذا يكون إدراكه محدودا بحيث أنه لا يستطيع أن يجيب على هذا السؤال)و من هنا يبدو إحتجاج ولسون على المحدودية .
من المهم هنا الانتباه الى شكل النقد الذي يمارسه ولسون فهو يومئ الى التعارض بين النقد الادبي والنقد الوجودي فهو تعارض قائم بين الشكل والمحتوى، وجميع ما يناقشه النقد الوجودي ثلاثة أشياء هي (الحرية، والنشوء، والدين)وبالتالي يعنى هذا اللون من النقد بالعقل الصحيح والكرامة الانسانية في عالم يتحول بسرعة فائقة الى كابوس، إذ ان منظوره سيكون منصبا على مشكلة العذاب البشري وعلاقة الانسان بــــــخالقه (أو بالعدم إذا كان أتباع سارتر على حق).
ولسون الذي فكر في الانتحار وهو إبن السادسة عشرة من عمره وتشرد في أحياء لندن ونام على أرصفتها، وعمل عامل بناء وبائع سجاد وعامل تنظيفات دخل المتحف في لندن ليضع كتابه الاول (اللامنتمي) وبعدها طارت شهرته في الآفاق ورغم النقد الذي وجه اليه ظل مصرا  على فكرة الاستمرار في الكتاية في الدين والفلسفة وأن يوسع مدى إدراكه وهو يدعي بتواضع بأن (قيمة مؤلفاته تعود الى أنه كتب ما أراد أن يكتب دون أن يكون مضطرا  الى إرضاء أحد غير نفسه)
المصادر
* كولن ولسون
* سقوط الحضارة، ترجمة أنيس زكي،دار الآداب .1971    
* رحلة نحو البداية - ترجمة سامي خشبة _دار الآداب .1971
* اللامنتمي: ترجمة أنيس زكي -  دار الآداب1969.
* المعقول واللامعقول في الادب الحديث، ترجمة أنيس زكي، دار الآداب 1978.
* ما بعد اللامنتمي ترجمة يوسف شرورو _ دار الآداب 1978.
[email protected]

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF