في الخامس والعشرين من أيار، لا نُحيي ذكرى عابرة، بل نستحضر وجدان أمة نفضت عنها غبار التبعية، ووقفت شامخة تحت شمس الحرية. هو يوم لا يُقاس بالساعات، بل بالكرامة، بالإرادة، وبالتضحيات التي سطّرها الأردنيون على مدى سنوات طويلة من الكفاح، والصبر، والإيمان بمستقبلٍ أفضل.
استقلال الأردن لم يكن منحة، بل كان ثمرة نضالٍ عنيد قاده أحرار الوطن بقيادة الهاشميين، وعلى رأسهم الملك المؤسس عبد الله الأول بن الحسين، الذي حمل على كتفيه حلم العرب، وأقام من رُكام الانتداب دولةً عصيةً على الانكسار، دولةً أسست لنفسها مكانة رغم شح الموارد وقساوة الظروف. ففي عالمٍ كانت فيه القوى تُقاس بالعدة والعتاد، اختار الأردن أن يقاتل بأغلى ما يملك الكرامة، والهوية، والإيمان.
وفي لحظة إعلان الاستقلال عام 1946، لم يكن ما تحقق مجرد إعلان سياسي، بل كان ولادةً جديدة لشعبٍ قرر أن يصنع مصيره بيديه. من رحم المعاناة، خرجت المملكة الأردنية الهاشمية تحمل مشاعل النور لدولة قانون ومؤسسات، دولة احتضنت أبناءها من كل المنابت والأصول، وجعلت من وحدتها الوطنية سورًا منيعًا في وجه كل التحديات، و برغم عبث الايادي الخائنة و لكنه يبقى منيعا بجهود قيادته و أبنائه.
وفي صفحات المجد التي كُتبت قبل الاستقلال وبعده، كان هناك رجال العزم في ساعة الشدة، رجال الحويطات الذين سطروا دورهم البطولي، هؤلاء الرجال الذين كانوا و ما زالوا حماة الأمان في جنوب الوطن وعمق النخوة الأردنية. وقفوا إلى جانب الشريف الحسين بن علي، وحملوا السلاح من أجل الكرامة العربية، ولم يتأخروا لحظة عن نصرة الحق ومساندة قيام الدولة الأردنية. كانوا أول من بايع الحكم الهاشمي في الأردن، إيمانًا منهم بالرؤية القومية والوطنية التي حملها الهاشميون. وقدّموا قوافل من الشهداء والرجال الذين آمنوا أن الأردن يستحق أن يُبنى بالعرق والدم والولاء. وليس غريبًا أن تظل هذه القبيلة، كباقي القبائل الأردنية، على العهد وفية للتراب، مخلصة للقيادة، ومصمّمة على أن يبقى الأردن حرًا، أبيًا، وسيدًا على قراره.
هذا الوطن الذي نحمله في قلوبنا ليس مجرد حدود على خريطة، بل هو نبضٌ في القلب، وهويةٌ في الروح، وأمانٌ في زمنٍ مضطرب. هو ذاك الدفء في برد القهر، وهو العزيمة في زمن الوهن.
من جبال عجلون، إلى سهول الكرك، ومن سهوب البادية إلى ضفاف النهر، كتب الأردنيون حكايتهم بالحبر والعرق والدم. استقلالنا لم يُنهِ رحلة الكفاح، بل كان بدايتها. فمنذ ذاك اليوم، حمل الأردنيون راية البناء، وراحوا يشيدون مدرسة، ويفتحون عيادة، ويزرعون شجرة، ويحرسون حدودهم بحبٍّ لا يُقاس. ولأننا اخترنا أن نكون أبناء الاستقلال، فقد حملنا على عاتقنا مسؤولية أن نحافظ على هذا الوطن كما نحافظ على أرواحنا. و لم يكن لأحد علينا فضل سوى رب حمى هذا الوطن و شعبه من ايادي العابثين و قيادة سارت بكل عزم لتحقيق الامن و الامان.
إن الاستقلال بداية عهد جديد لكل جيل يحمل الحلم ويواصل المسيرة. وإن كنا نفتخر بأمجاد الماضي، فعلينا أن نؤمن أكثر بأن المستقبل يصنعه الإيمان والعمل والنية الصافية.
في عيون شبابنا تتوقد شرارة الوطن، وفي عقولهم تُرسم ملامح الغد، فلنمنحهم الأمل، ولنكن السند، فالأردن باقٍ ما بقي فيه من يؤمن به، ويذود عنه، ويُحبّه بإخلاص.
كل عام ونحن الأكثر وفاءً، والأشد عزمًا، والأقرب إلى وطنٍ نُحبه كما نحُب أرواحنا.
عاش ملكنا درعا وجبلا نحتمي به ومعه، وعاش الأردن، حرًّا، شامخًا، أبيًّا، وعاش الأردنيون الاحرار الذين سطروا تاريخًا من الوفاء.
