عندما اشتدت الحرب على أهل غزة وما صاحبها من إبادة ودمار وتجويع وسعي للتهجير, أدركت السيـــــــاسة الأردنية أن التحالف الوثيق والقوي بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة صعب زعزعته رغم الأهوال والدمار والقتل الممنهج, وأدرك العالم بأكمله أن أميركا لن تقف موقف الحق أو المحايد، بل بالعكس سخرت كل قواها السياسية والعسكرية والإعلامية لتكون الى جانب هذا الكيان المنبوذ من الرأي العام العالمي بعدما شاهد ما شاهد من تعنت وتصلب في مواجهة المبادرات والحلول السياسية لوقف قتل النساء والأطفال والشيوخ.
التعنت الأميركي والصد عن كل المساعي العالمية لوضع حد لهذه الحرب وضع السياسة الأردنية أمام خيارات لنقل التركيز إلى أوروبا ووضعها في محك إنساني لابد من أن تقول كلمتها، هذه القارة ذات الثقل السياسي والاقتصادي، لهذا لاحظنا ان جلالة الملك زاد من مساعيه وزياراته لأوروبا والالتقاء مع قادتها والنخب السياسية الداعمة للحق الفلسطيني والحق الإنساني في العـيش بسلام، كانت أوروبا هدف جلالة الملك والدبلوماسية الأردنية من أجل وضع الحرب على قطاع غزة على طاولات العـــالم بأكمله وعدم اقتصارها على الولايات المتحدة الداعمة لهذا الكيان منذ قيامه، وما زاد قوة التوجه الأردني نحو أوروبا هو إدراك المملكة الأردنية لقدرة أوروبا على مساند الحق الفلسطيني، من هنا كان أيضا لحنكة جلالة الملكة رانيا العبدالله وبراعتها في نقل معاناة ما يحدث في قـطاع غزة لمراكز التأثير في أوروبا دور في زيادة الضغط العالمي على هذا الكيان الصهيوني وما يقوم به من حرب إبادة.
ذهبت أميركا بعيدا في انقيادها ورضوخها لهذا الجنون الصهيوني، كأن السياسة الأميركية أصبحت بيد أعــضاء الكنيست الصهيوني وتدار من هذا المكان، دولة عملاقة مثل أميركا يصفعها كل يوم 'سموتريتش' وزير المالية الصهيوني و'بن غفير' وزير الأمن القومي الصهيوني إذا هذه دولة لم تعد محل ثقة شعوب العالم وانحيازها للكيان الصهيوني صنفها في مراتب متدنية في قوة التأثير العالمي وقدرتها في تصويب السياسات العالمية.
الدخول القوي بهذا التأثير الفعال في تحريك ملف غزة من قبل أوروبا، يعطي انطباعاً للغالبية انه لم يعد مقبولاً أن تترك الساحة العالمية بيد مجانين وكيان خارج عن الطبيعة البشرية، لم يشــــــاهد العالم منذ مئات السنين مثل هذه الإبادة، أوروبا تتحرك ومنابرها السياسية والشعبية تنادي بقوة أن يكفي ولا بد أن تتوقف هذه الحرب، أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، تأخرت أوروبا كثيرا لكن نتمى أن يكون لعودتها أثر في خلق فرص السلام.
موقف أوروبا عندما يقارن بمواقف كثير من الدول العربية يشعرنا بأننا بحاجة مأسة لإيجاد إطار جديد قادر على الاستفادة من قدرة الرأي العام في تبديل المواقف السياسية لدولها، وجدنا رأياً أوروبياً مغايراً عن السابق واستطاع أن يقود الواجهة السياسية لدولها، لهذا عادت أوروبا لدورها وتاريخها الداعم لحقوق الإنسان وقيم العدالة والإنصياع لإرث عظيم نادى به قادة الفكر والفلاسفة في أوروبا.