في الثاني والعشرين من مايو من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للتنوع البيولوجي، وهي مناسبة مميزة تهدف إلى التوعية بأهمية التنوع البيولوجي بوصفه حجر الزاوية في استدامة الحياة على كوكب الأرض، وخاصة نحن «الجنس البشري».
التنوع البيولوجي هو ثروة الطبيعة وركيزة استدامة الحياة وهو تنوع الكائنات الحية على كوكب الأرض، والانسان منها، ويشمل تنوع الأنواع النباتية والحيوانية والكائنات الدقيقة، وتنوع الأنظمة البيئية التي تعيش فيها، وكذلك تنوع الجينات داخل كل نوع.
ويشكل هذا التنوع أساس التوازن البيئي واستمرار الحياة.
يحمل هذا اليوم في كل عام شعارًا مختلفًا يسلط الضوء على جانب معين من جوانب هذه الثروة الحيوية، التي تشمل جميع الكائنات الحية من نباتات وحيوانات وكائنات دقيقة، والنظم البيئية التي تحتضنها.
إليك بعض الأمثلة من السنوات الأخيرة، 2020-2024:
شعار 2024 – «كن جزءًا من الخطة"
شعار يدعو الجميع للمشاركة في تنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي والإسهام في حماية النظم البيئية بمجملها.
شعار 2023 – «من الاتفاق إلى العمل: إعادة بناء التنوع البيولوجي»
وقد ركز على تنفيذ اتفاقية كندا لحماية الطبيعة (اتفاقية كونمينغ-مونتريال) التي تم توقيعها في COP15.
شعار 2022 – «بناء مستقبل مشترك لجميع أشكال الحياة"
وقد سلط الضوء على أهمية العيش بانسجام مع الطبيعة في ظل التحديات البيئية والمناخية التي نعيشها.
شعار 2021 – «نحن جزء من الحل»
شعار جاء استكمالًا لشعار 2020، ليؤكد دور البشر في حماية التنوع البيولوجي وليس فقط التسبب في تهديده.
شعار 2020 – «حلولنا في الطبيعة»
ركّز هذا الشعار على الطبيعة كمصدر للحلول في مواجهة الأزمات العالمية مثل تغيّر المناخ والاحتباس الحراري وانقراض بعض الفصائل الحية.
ولكن، لماذا يعد التنوع البيولوجي مهمًا؟
التنوع البيولوجي ليس مجرد «تنوع في الكائنات»، بل هو شبكة مترابطة من الحياة تسهم في توازن النظم البيئية. فمن دون هذا التنوع، لن يكون هناك هواء نقي، ولا تربة خصبة، ولا دورة مياه متجددة، ولا نباتات. كما يوفّر لنا التنوع الحيوي الغذاء والدواء والملابس (دودة القز والصوف والقطن) والمواد الخام، ويعزز قدرة النظم البيئية على التكيّف مع التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية.
رغم هذه الأهمية، يواجه التنوع البيولوجي تهديدات متزايدة نتيجة الأنشطة البشرية، مثل إزالة الغابات، والتلوث، وتغير المناخ، والصيد الجائر، وادخال الأنواع الغازية Invasive species. من الأمثلة الشهيرة على الأنواع الغازية نبات العاقول الأمريكي (Prosopis juliflora)، الذي أُدخل إلى مناطق في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية لمكافحة التصحر، لكنه انتشر بشكل مفرط وبدأ يطغى على الأنواع المحلية، مسببًا خللًا في التوازن البيئي.
وفي بحيرة فيكتوريا في شرق أفريقيا، أدت نبتة ورد النيل (Water Hyacinth) إلى اختناق المياه وتدمير مصائد الأسماك بسبب انتشارها السريع وتغطيتها لسطح البحيرة، مما منع وصول الضوء والأوكسجين إلى الأعماق. هذا التدهور البيئي كانت له عواقب اقتصادية وخيمة، إذ تراجعت كميات الأسماك التي تُعد مصدر رزق رئيسي لآلاف الصيادين المحليين، وارتفعت كلفة الصيد بسبب تعطل مراكب الصيادين وصعوبة الوصول إلى مواقع الصيد. كما تأثرت حركة النقل النهري والتجارة الداخلية في البلدان المحيطة بالبحيرة، مما زاد من نسب البطالة والفقر في المجتمعا? الساحلية التي تعتمد على البحيرة كمورد اقتصادي أساسي.
وفي أستراليا، تسبب ضفدع القصب (Cane Toad) الذي أُدخل لمكافحة آفات قصب السكر في تهديد العديد من الحيوانات الأصلية بسبب سميّته وتكاثره السريع. هذه الأنواع الغازية تهدد التنوع البيولوجي لأنها تنافس الأنواع الأصلية على الغذاء والمكان، ولا تجد مفترسات طبيعية تحدّ من نموها.
وقد حذرت تقارير دولية من فقدان نحو مليون نوع من الكائنات الحية خلال العقود القادمة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لحماية البيئة، لذلك يحمل هذا اليوم في الثاني والعشرين من مايو من كل عام رسالة أمل، لكنه يتطلب التزامًا جماعيًا وفرديًا.
فمن خلال دعم الممارسات الزراعية المستدامة، وتقليل استهلاك البلاستيك، والحفاظ على المواطن الطبيعية للتنوع الحيوي، يمكن لكل فرد أن يكون جزءًا من الحل. كما أن دعم السياسات الوطنية والدولية التي تحمي التنوع البيولوجي أمر أساسي لتمويل النشاطات المرتبطة بذلك، خاصة في الدول النامية.
ختامًا، نقول إن يوم التنوع البيولوجي ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل هو وقفة تأمل في قيمة كل شكل من أشكال الحياة، ودعوة ملحّة للعمل الجماعي والفردي لحماية هذا الإرث الطبيعي المشترك. فالتنوع الحيوي ليس ترفًا بيئيًا، بل هو شريان الحياة الذي يمدنا بالهواء النقي، والماء العذب، والغذاء، والدواء، وحتى الاستقرار المناخي ورفع مؤشر الصحة والسعادة. وكل خسارة لنوع من الأنواع تعني إضعافًا للسلسلة البيئية التي نُعدّ جزءًا لا يتجزأ منها.
لذا، فإن التزامنا بالحفاظ على التنوع البيولوجي يجب أن يتجلى في سياساتنا، ومناهج تعليمنا، وسلوكنا اليومي، وممارساتنا الاقتصادية والبيئية والأخلاقية. نحن بحاجة إلى رؤية جديدة للتنمية، ترى في الطبيعة حليفًا وشريكًا لا موردًا للاستهلاك فقط. وعلى الأجيال الصاعدة أن تدرك أن حماية التنوع البيولوجي ليست مسؤولية العلماء والمنظمات وحدهم، بل مسؤولية إنسانية شاملة تتطلب تضامن الشعوب، سواء كانت تعيش في دول متقدمة أم في دول نامية.
إن احترام التنوع الثقافي والطبيعي، والاعتراف بأن مستقبل الأرض مرهون بقدرتنا على التعايش مع كائناتها جميعًا من اكبرها حجما كالحوت الأزرق حتى أدقها؛ أي التعايش مع كائناتها جميعًا، من أكبرها حجمًا كالحوت الأزرق الذي يزن أكثر من 150 طنًا، حتى أدقّها حجمًا كالبكتيريا النافعة التي تعيش في التربة أو في أمعائنا وتسهم في الهضم والتوازن الصحي. فكل كائن، مهما بدا بسيطًا أو صغيرًا، يؤدي دورًا لا غنى عنه في النسيج البيئي المتكامل.
لهذا، فإن الحفاظ على التنوع البيولوجي هو احترام للحياة بكل أشكالها ومستوياتها، من العملاق المهيب في أعماق المحيط إلى الكائنات المجهرية التي لا تُرى بالعين المجردة ولكنها تحفظ لنا خصوبة الأرض وصحة الإنسان.