الجمع ما بين العلم والأدب معروف منذ أزمان بعيدة، والنماذج على ذلك كثيرة؛ وجولتنا العلميّة الأدبيّة ستكون اليوم مع الطبيب الأديب الدكتور معن محمود سعيد الذي كتب مجموعته القصصة قبل فترة وجيزة، وحملت عنوان «أرض التين والزيتون»، ولا شكّ بأنّ العنوان، كعتبة للنصّ أو المتن، يؤكّد قناعات الكاتب ورؤيته في أهميّة أن يعيش الإنسان الفلسطيني ويظلّ متمسّكًا وثابتًا على أرضه، وأنّ التين والزيتون كشجرتين مباركتين تعززان هذا المعنى في نفوس أبناء فلسطين الذين لم ينسوها ولن ينسوها بحال من الأحوال.
والقصّة على هذا الأساس تشتمل على حكايات ليست لمجرد الحكاية، بل لقد أدخل الطبيب الكاتب مبضع الرمزيّة في هذه المجموعة القصصية، تمامًا كما يدخل مبضع الجراحة لمعالجة ألمٍ ما في جسد مريض، فالطبيب والشاعر كلاهما، كما يؤكّد الطبيب معن سعيد، يعمل على الهدف ذاته، وفق اشتباك إنساني، إذ نقرأ في المجموعة جماليات هذه الرمزية والكوميديا السوداء التي أرادها الكاتب الطبيب لبثّ رسائل مهمّة، خاصةً في هذه الأوضاع الصعبة على الشعب الفلسطيني.
يقول الطبيب سعيد إنّ كلّ قصّة من قصص المجموعة تهدف إلى النظر إلى الإنسان وأحقيّته في العيش والحياة، فقد بادر الكاتب إلى الاشتغال على ما يؤكّد الهوية الإنسانية، انطلاقًا من تأثير الأدب في حياة الناس.
الطبيب هو مستودع الأسرار لمن يثقون به، فهم يبوحون له بكلّ شيء، والأديب هو ضمير مجتمعي وصاحب رسالة، فبين الطرفين مشتركات، ومن هذا المنطلق يقدّم الدكتور معن سعيد مجموعة «أرض التين والزيتون»، في قصص شائقة يجمعها الرباط الكبير في الثقة بالمستقبل والثبات على الأرض.
الطبيب معن سعيد، هو جراح عظام، عام 1968 عاد إلى الأرن وباشر عمله في وزارة الصحّة، وتقاعد قريبًا زار الكثير من البلدان، وكان في ما سبق قد أسهم مع نفر من الأصدقاء في إنجاز مجلة «طبيب العائلة» ذات الشهرة المحليّة والعربيّة، وفي حديثه عن ذلك الزمان يستذكر اهتمام الناس بالقراءة، وليس فقط النخب والمثقفين والكتاب.
يقول الطبيب معن سعيد: » شاء القدر أن يكون «الطب» مهنةً لي في حياتي، وقد كانت مهنةً يتشرف بها الإنسان ويأمل أن تكون مهنةً لأولاده وأحفاده من بعده، ومع تواصل الأيام، كان لا بدّ من أن أتّجه عالمًا آخر طالما أحببته وغبطت من فيه، وهو عالم اللغة والأدب،.. ومع أنّ عالم اللغة أصبح صعبًا وليس مستحيلًا، في هذا العمر، فقد حاولت أن أدخل عالم الأدب، فهذا هو الكتاب الثالث الذي أضعه على طاولة من يحبّ القراءة، بما فيه من قصص قصيرة، مهمة للقراءة في هذا الظرف السياسي الصعب الذي نعيش..».