ثقافة وفنون

الرواشدة يحاضر في المنتدى العالمي للوسطيّة حول الثقافة والتنمية

 

تحت عنوان «دور الثقافة في دفع عجلة التنمية»، ألقى وزير الثقافة مصطفى الرواشدة مساء أمس محاضرة في المنتدى العالمي للوسطيّة، شهدت نقاشات متنوعة، حول السلوك المجتمعي، ومشروعات وزارة الثقافة في ترويج الكتاب وتسويقه، ونشر الوعي المجتمعي، وميزة التنوع الثقافي المجتمعيّة والتراثيّة، واستراتيجية الثقافة في احترام دور الأردن في المنطقة والعالم.

قدّم للمحاضرة أمين عام المنتدى العالمي للوسطية الدكتور مروان الفاعوري، بحضور نخبة من أساتذة الجامعات وأعضاء المنتدى من الأكاديميين والكتّاب والمثقفين.

قال الرواشدة إننا عندما نتحدث عن الثقافة، لا يمكن أن ننسى أن الدولة الأردنية تأسست على الشرعية الدينية والشرعية التاريخية وقيم التسامح والمشاركة العقلانية والوسطية والتعددية والتنوع، بوصفها جزءًا من القيم الثقافية والحضارية التي أسس لها الهاشميون بحكمتهم وقيادتهم الرشيدة، وتواصلت من الملك المؤسس إلى الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين.

وأكّد الرواشدة أنّ الدولة الأردنية في بواكير تأسيسها كانت الثقافة تمثل عنوانا مهما، من خلال مجلس الملك الفكري والثقافي الذي أسسه الملك عبدالله الأول في قصر رغدان وكان حاضنًا وشاهدًا على مجالسِ الأدبِ والمساجلاتِ الشعرية، والمناقشات النقدية والعلمية والمطارحات التي تتناول كلّ ما هو جديد على الساحة الأدبيّة والثقافية والفكرية، وكان المجلس عروبيا في اتساعه لأبناء البلدان العربية من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق والمغرب العربي.

وتحدث وزير الثقافة حول مفهوم الثقافة ومضامينها، ومنها معنى الإصلاح والارتقاء بالوعي، الذي يمثل أرضية للابتكار والإنتاج، إذ لا إنتاج بلا فكر، مؤكدًا أنّ الثقافة ليست ترفًا فكريًا، بل هي «ملف مجتمعي»، يشمل القيم، والمعتقدات، والعادات، واللغة، والفنون، والمعرفة، وكل ما ينتجه الإنسان في بيئته، وتمثل المخزون المعرفي والسلوكي الذي تنتقل عبر الأجيال.

كما تحدث الرواشدة عن الثقافة والتحديث، لافتًا إلى أننا عادةً ما يغيب عنّا أن الثقافة تشكل الأساس الخفي الذي تبنى عليه كل مقومات التنمية، مضيفًا أنّ أن دور الثقافة في ظل تسارع المعرفة والتطور التكنولوجي وتطور التيارات الثقافية والنزعات الإنسانية لحقوق الإنسان والمواثيق الثقافية العالمية لم يعد يقف عند وظيفة الثقافة التعبيرية في الشعر والقصة والرواية والفنون على أهمية ذلك، وإنما انتقل هذا الدور إلى إحداث فكرة التغيير وتحسين فرص الحياة، من خلال ما تقوم به الثقافة كمحرك أساس لعجلة الإنتاج، فقد ربط الأردن بين م?هوم الثقافة والتحديث الاقتصادي والإصلاح والتنمية الثقافية، وتوزيع مكتسبات التنمية على المحافظات، من خلال البرامج والمشاريع المستدامة.

وذكر الرواشدة من برامج وزارة الثقافة: مكتبة الأسرة، والمدن والألوية الثقافية، ومهرجان جرش للثقافة والفنون، ومراكز تدريب الفنون، والبنى التحتية، وصندوق دعم الثقافة.

وقال إنّه وكما يرتبط مفهوم التنمية بالاقتصاد والبنى التحتية والتعليم والتدريب، فإن الثقافة ترافق الإنسان من ولادته، وحتى غيابه ورحيله، وبالتالي فهي تمتد جغرافيا على كل الوطن، وخارجه أيضا، وتمتد على مثلث الزمان في (الماضي والحاضر والمستقبل)، وتضطلع بمسؤولية القيم الوطنية والإنسانية والارتقاء بالوعي الذي من شأنه التقدم والنهوض بالوطن وتحسين شروط الحياة.

وأكّد الرواشدة أنّ أهمية الثقافة تنبع من قدرتها على تشكيل الوعي الجمعي وتحفيز الإبداع والابتكار، وهو ما يشكل قاعدة صلبة لأي مشروع تنموي ناجح، فالاستثمار في الثقافة لا يقل أهمية عن الاستثمار في الصناعة أو الزراعة، بل قد يكون أكثر استدامة وتأثيرًا، إذ تعد أسواق الثقافة والفنون، أسواقا واعدة، كما أننا نملك فرصة المنافسة بما لدينا من تراث حضاري في الفنون التشكيلية والخزف والخط العربي والزخرفة التي تدخل في فنون النسيج، والتطريز والعمارة، وكذلك في تنوع المكان والبيئة كحاضنة لصناعة السينما، حيث تم تصوير عشرات الأ?لام في الأردن، وانعكست على الفنيين وأبناء المناطق التي تم التصوير فيها.

وحول موضوع السياحة الثقافية، قال إنّ الأردن يعد متحفا مفتوحا، فيه عشرة مواقع من المدن العظمى الديكابولس، والقصور الأموية وأثر التاريخ العباسي والمملوكي والعثماني، وأثر الأنبياء والصديقين والصحابة في الأغوار ومؤتة، والسيد المسيح في المغطس، ويوحنا المعمدان في مكاور/ مادبا..، بالإضافة إلى المتاحف التاريخية التي تشكل مصدرا للتعريف بالأردن، ورافعة من روافع الدخل الوطني.

تعدد أدوار الثقافة

وتحدث الرواشدة عن تعدد أدوار الثقافة، بين التوعية، والتثقيف وحراسة الوعي، فالثقافة اليوم أصبحت قوة ناعمة تمارس تأثيرًا بالغًا في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، فالمنتجات الثقافية، كالأفلام، والموسيقى، والأدب، تخلق صورة ذهنية عن الدول، وتحمل خطابها وصوتها، وتعرف بإنتاجها الإبداعي وتاريخها الحضاري وبمبدعيها، وما يعتبر رصيدا في المحتوى الثقافي العربي والعالمي، كما تسهم في بناء علاقات وتفاهمات قائمة على الاحترام والتبادل، مؤكدًا أنّ الثقافة بهذا المعنى الإنساني هي حالة من الوعي والحصانة وخندق لمواجهة ثقا?ة التكفير والإقصاء والموت التي تنشرها الفرق الظلامية، التي تمتهن حرفة التحريم والكراهية والقتل، وشيطنة الآخرين، مؤكدًا أنّ مثل هذه الثقافة العدمية لا يمكن أن تكون ثقافة إنتاجية أو إبداعية، ولا يمكن أن تكون ثقافة وطنية أو إنسانية، تتوخى الجمال والمنطق وتنحاز للحياة. ولا يمكن أن تنتمي لتراب الأردن، وإنما تتحرك بإيعازات خارجية.

وأضاف أنّه وكما تشكل الثقافة المتطرفة وثقافة العنف واحدة من التحديات، فهناك العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك غياب التشريعات والتي تعطل نمو الثقافة وتربك مسيرتها، منوهًا بأنّ الصورة النمطية عن الثقافة عادةً ما تكون في محدوديتها واقتصارها على الشعر والقصة والرواية، دون الالتفات إلى دور الثقافة القيمي والأخلاقي والسلوكي.

وتحدث الوزير عن الموقف السلبي من الثقافة والخوف منها، كما تناول بالشرح موضوع ضعف الاستثمار في القطاع الثقافي، وتحديدًا القطاع الخاص، نتيجة الخوف أو عدم المعرفة، مع العلم أن أسواق الفنون تعد هي الأنشط والأكثر حيوية في القرن الحالي، فالدراسات الاقتصادية العالمية تقول إن القطاع الثقافي والفني يسهم بنحو 13 في المئة من الدخل العالمي، وهي نسبة تقدر بالمليارات.

وقال الرواشدة إنّ وزارة الثقافة أولت الخطة الاستراتيجية الوطنية للثقافة أهمية كبرى للصناعات الإبداعية الثقافية، إذ تم ترجمة ذلك من خلال التوسع في تدشين مراكز الفنون في المديريات لتزويد الشباب بالمهارات والخبرات اللازمة للإنتاج الفني، في الموسيقى والفنون التشكيلية والخزف والنحت والحرف اليدوية والمساعدة في الترويج لتسويق منتجات الشباب، وإقرار صندوق دعم الثقافة، وتمكين الشباب والمرأة في مشاريعهم الإبداعية والإنتاجية، لافتًا إلى أنّ هناك الكثير من التجارب الناجحة التي حققت لأصحابها دخلا كريمًا.

وفي نهاية المحاضرة، تجوّل الحضور في معرض كتاب ضمّ أبرز إصدارات المنتدى العالمي للوسطيّة التي تنوّعت ما بين التاريخ والتربية والعقيدة وأدب الرحلات والفكر السياسي وغيرها من العلوم والمواضيع.