كتاب

الخطاب الرسمي الأردني مرآة تعكس وجه الإعلام البناء

يُعد الخطاب السياسي الرسمي في أي دولة بمثابة البوصلة التي توجه السياسات العامة، وتحدد الأولويات، وتصيغ الرؤى للمستقبل. في الأردن، يتميز هذا الخطاب بطابعه العربي الهاشمي الوطني الذي يرتكز على مفاهيم الاعتدال، والوسطية، الانفتاح الايجابي على العالم، والتأكيد على الوحدة الوطنية والقضايا العربية والإسلامية الأساسية ، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. لذلك ينعكس هذا الخطاب بشكل مباشر وغير مباشر على أداء وسائل الإعلام الأردنية، سواء كانت رسمية أو خاصة، مكونا بيئة إعلامية ذات سمات خاصة.

تنطلق خصوصية وطبيعة الخطاب السياسي الرسمي الأردني عبر تصدر الخطاب السياسي الرسمي الأردني بشكل أساسي لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، والحكومة، ومجلس الأمة وقد تميز هذا الخطاب بعدة خصائص منها الاستمرارية والثبات فعلى الرغم من التغيرات في الحكومات والظروف الإقليمية والدولية، يحافظ الخطاب الرسمي على ثوابت أساسية تتعلق بالهوية الأردنية، المصلحة الوطنية العليا، الأمن القومي، والقضايا العربية.

اضافة إلى التركيز على الوحدة الوطنية والاستقرار حيث يُعد الحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيز الاستقرار الداخلي من الركائز الأساسية للخطاب، خاصة في منطقة مضطربة.

مع تركيز الخطاب على الوسطية والاعتدال عبر ترويج الخطاب الرسمي لقيم الوسطية والتسامح والتعايش، وينبذ التطرف والغلو بكافة أشكاله.

وإعطاء القضية الفلسطينية الأولوية كون ان القضية الفلسطينية، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، تبقى في صلب الخطاب الرسمي الأردني.

كما يتميز الخطاب الرسمي بالتحديث والإصلاح حيث يدعو الخطاب بشكل متكرر إلى تحديث الأنظمة السياسية والاقتصادية والإدارية، وتعزيز المشاركة الشعبية، وتمكين الشباب والمرأة.

كما لم يهمل الخطاب الأردني اهمية اعتماد الدبلوماسية الهادئة والواقعية فغالبًا ما يتبنى الخطاب لهجة دبلوماسية هادئة وواقعية في التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية، مع التركيز على دور الأردن كعنصر استقرار.

اما انعكاسات الخطاب الرسمي على أداء وسائل الإعلام الأردنية فواضح جدا ان هذه الوسائل ، سواء كانت قنوات تلفزيونية، إذاعات، صحف ورقية، أو مواقع إخبارية إلكترونية، تتأثر بشكل كبير بالخطاب السياسي الرسمي، ويمكن ملاحظة هذا التأثير في عدة جوانب كالصحافة الرسمية وشبه الرسمية (الموالية) عبر تبني الأجندة الرسمية حيث تعمل وسائل الإعلام الرسمية (مثل التلفزيون الأردني، وكالة الأنباء الأردنية بترا، صحيفة الرأي) على عكس الخطاب الرسمي بشكل مباشر، وتبني الأجندة الحكومية، وترويج السياسات الوطنية.

كذلك الدفاع عن الموقف الرسمي فعادة ماتكون هذه الوسائل في طليعة المتبنين للمواقف الرسمية في القضايا الداخلية والخارجية، وتعمل على مواجهة وتفنيد الشائعات والمعلومات المضللة التي قد تهدد الأمن الوطني.

كما تقوم هذه الوسائل بالتركيز على الإيجابيات والإنجازات وتسليط الضوء على الإنجازات الحكومية والمشاريع التنموية، وتبرز الجوانب الإيجابية في الأداء العام للدولة.

ناهيك عن مهمة الرقابة الذاتية حيث تمارس هذه الوسائل عادةً رقابة ذاتية صارمة لضمان توافق محتواها مع الخطوط العريضة للسياسة الرسمية، وتجنب أي مواد قد تُعتبر حساسة أو مثيرة للجدل.

أما الإعلام الخاص (المستقل وشبه المستقل) فيعمل في اطار عام ويتمتع بهامش من الحرية في التعبير، إلا أنه يظل ملتزم بحدود معينة يفرضها 'خطاب المصلحة الوطنية العليا' أو 'أمن الدولة'. القوانين المنظمة للإعلام، مثل قانون المطبوعات والنشر، التي تحدد هذه الحدود.

كما يسعى الإعلام الخاص بشكل منطقي إلى التوازن بين النقد والدعم ويسعى إلى تحقيق توازن بين النقد البناء لأداء الحكومات والمؤسسات، و التوجهات الوطنية العامة. غالبًا ما يكون النقد موجهًا نحو الأداء التنفيذي وليس نحو الثوابت الأساسية للدولة.

ويلاحظ ان هذا الإعلام الخاص يهتم بالموضوعات التي يركز عليها الخطاب الرسمي. فإذا شدد الخطاب الرسمي على التحديث السياسي، ستركز وسائل الإعلام على هذا الجانب.

ولا نغفل هنا ان وسائل الإعلام الخاص يحاول ان يتجنب الأمور التي تخلق الأجواء ليست سليمه بسبب ادراك الإعلاميون والصحفيون في القطاع الخاص الخوض بالقضايا التي قد تنعكس سلبا على البناء الوطني ، مثل المساس في الأمن الوطني، أو إثارة النعرات الطائفية أو الإقليمية. هذا الوعي يؤثر على طريقة صياغة الأخبار والتحليلات.

اما تأثير منصات التواصل الاجتماعي فشكلت تحديات جديدة على وسائل الإعلام الرسمي والخاص على حد سواء سيما التحديات في فرض رواية محدده ، حيث يمكن للجمهور ان يجد معلومات من مصادر متنوعة، بعضها قد يكون خارج السيطرة الرسمية. وهذا يدفع الإعلام الأردني لمزيد من المرونة والتكيف.

بعض الملاحظات حول اداء الإعلام الأردني

على الرغم من الدور البناء الذي يؤديه الإعلام الأردني لاسيما في تعزيز الاستقرار ونشر الرواية الرسمية، إلا أن هناك تحديات وانتقادات تبرز انعكاس الخطاب السياسي الرسمي:

يرى بعض النقاد من المتابعين أن بعض وسائل الإعلام الرسمي وشبه الرسمي تفقد جزءًا من مصداقيتها لدى الجمهور بسبب افتقاره أحيانًا إلى التنوع في الآراء أو قدرته على تقديم نقد بناء ومساءلة حقيقية.

وقد يلاحظ احيانا بعض الجمود في تناول بعض القضايا بحجة التزام الإعلام بالخطاب الرسمي الأمر الذي يؤدي إلى جمود في تناول بعض القضايا الحساسة، مما يقلل من مساحة النقاش العام البناء.

من ناحية اخرى تبرز مسألة الرقابة الذاتية المفرطة حيث يلاحظ ان بعض الصحفيين يبالغون في الرقابة الذاتية تحججا من احتمالية تجاوز الخطوط الحمراء، مما يؤثر احيانا على جودة المحتوى وعمق التحليل.

كذلك يجب ان ننسى ان الإعلام الأردني يواجه منافسة قوية من وسائل الإعلام العربية والدولية، ومنصات التواصل الاجتماعي، التي قد تقدم روايات مختلفة أو أكثر جرأة.

الآفاق المستقبلية

يدعو الخطاب الرسمي نفسه إلى إعلام حر ومسؤول ومهني. وتسعى السياسة العامة للإعلام والاتصال الحكومي إلى تشجيع حرية الرأي، وتعزيز التربية الإعلامية، ودعم استقلالية المؤسسات الإعلامية. ويُتوقع أن يشهد الإعلام الأردني، في إطار عملية التحديث الشاملة، مزيدًا من الانفتاح والحرية المسؤولة، مع الحفاظ على الثوابت الوطنية. التحدي يكمن في كيفية الموازنة بين الحاجة إلى إعلام حر وقادر على المساءلة، وبين ضرورة الحفاظ على الاستقرار الوطني في منطقة معقدة.

إن الخطاب السياسي الرسمي الأردني، بما يحمله من قيم وثوابت، يؤثر بشكل عميق على المشهد الإعلامي في المملكة. فبينما تسعى وسائل الإعلام الرسمية إلى عكس هذا الخطاب ودعمه، فإن الإعلام الخاص يعمل ضمن هامش جيد من الحرية، مع مراعاة الضوابط والخطوط العريضة التي يحددها الخطاب الرسمي. إن تطور الإعلام الأردني يظل مرهونًا بقدرته على التوفيق بين متطلبات المهنية والموضوعية، وبين التحديات التي يفرضها السياق السياسي والأمني وتحدياتهما الكبيرة ، مع الإبقاء على مساحات للحوار والنقد البناء الذي يعزز الديمقراطية والمواطنة الصحيحة .