محليات

السياحة الثقافية في الأردن.. دعم صناعة الأفلام نموذجاً

 

 

تتأكّد أجندة السياحة الثقافيّة في الأردن، بقرار مجلس الوزراء قبل أيّام حزمةً من الحوافز لدعم صناعة الأفلام؛ إذ تبدو السينما قطاعًا مهمًّا في الأردن له عوائده عربيًّا وعالميًّا، ويدخل في الصناعات الثقافيّة التي بدأ العالم يهتمّ بها.

أمّا سياحيًّا فإنّ معنى «الاسترداد النقدي» الذي تضمّنه القرار، ووصل إلى 45%، كدعم وجذب للإنتاج السينمائي العالمي إلى الأردن، هو أنّ السياحة الأردنيّة من منظور ثقافي ستكون على خريطة العالم، بسبب من القرار الحكيم بمساندة المنتجين، إذ يُتوقّع أن تكون البترا ووادي رم وكلّ المناطق ذات الصبغة السياحيّة مكانًا لتصوير الأفلام السينمائيّة العالميّة، زيادةً على كون هذه المناطق أساسًا مقصدًا ووجهةً للاستفادة من رونقها وجماليات طبيعتها في احتضان الكثير من الأعمال العالميّة فيها، وقد شهدت البترا فيما سبق تصوير أفلام نا?ت شهرةً وأشاد بها منتجو الأعمال السينمائيّة، باعتبار الأردن ستوديو طبيعيًّا، كما يقول مدير الإعلام والثقافة في الهيئة الملكيّة للأفلام أحمد الخطيب.

هذه الحزمة من الحوافز الثقافية السياحيّة، ستزيد حتمًا من فرص العمل بنسبة 35% في هذا القطاع، إضافةً إلى الأثر الإنفاقي الأجنبي المتوقّع، بما يزيد عن 32 مليون دولار سنويًّا في قطاع الأفلام، إذ تحسب قيمة الاسترداد النقدي الداعم للمشاريع السينمائيّة وفقًا لقيمة أو كلفة المشروع، وما ينطبق على المشروع السينمائي الأجنبي، كحوافز، ينطبق أيضًا على المشروع السينمائي المحلي بطبيعة الحال.

وحين ننظر إلى السياحة الثقافيّة لدينا، علينا أن نؤكّد أهميّة المكان الأردني المتّسم بالجذب السياحي والصالح لأن تقام فيه أعمال مهرجانيّة أو حفلات ثقافيّة كبيرة، ومن الذاكرة الصحفيّة، فقد تمّ استعادة أعمال موسيقيين كبار في البترا، كما هي الحال في استعادة حضور الفنان الإيطالي الراحل لوتشيانو بافاروتي، بحضور فنانين عالميين عام 2008، وهو ما عزز من حضور البترا التي استحقّت عن جدارة أن تكون إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة.

المهمّ أن تكون العقليّة السياحيّة الثقافيّة مستنيرةً بما يكفي لدرء أية عوامل ثقافيّة يمكن أن تؤثّر على الحضور الأجنبي للأردن بقصد إنتاج الأعمال وتصويرها والاستفادة من تنوّع طبيعتها، خاصةً في المدينة الورديّة التي تصلح بامتياز لأعمال دراميّة أو فلميّة تاريخيّة، فحين تكون الثقافة بالضدّ من رؤية الاستثمار في الجانب الثقافي السياحي في المكان المميز، ساعتها نكون قد منعنا فرصًا كثيرة تحملنا إلى العالم كمكان سياحي، وفي الوقت ذاته كثقافة مضيافة لكلّ الثقافات.

في إحدى دورات مهرجان جرش للثقافة والفنون، وتحديدًا الدورة السابعة والثلاثين لعام 2023، كان زوار المهرجان يقدّرون بـ 250 ألف زائر، بحسب مدير آثار جرش محمد الشلبي، وهذا معناه حضور للمكان السياحي وما يصاحبه من إنفاق محلي وعربي وفرق أجنبيّة وفنانين وضيوف احترموا أن يكون المهرجان في منطقة أثريّة تحمل التاريخ والعبق الإنساني على مرّ العصور.

وتعدّ الأردن كلّها مؤهلةً لاستقطاب أعمال ثقافية محمولة على الجانب السياحي للمكان؛ إذ لا تخلو محافظة أو مدينة أردنية من مَعْلم أثري سياحي ناطق ينتظر من يستثمره ثقافيًّا، في القطاعات الرئيسية للثقافة: المسرح، التشكيل، الموسيقى، السينما، المهرجانات الشعريّة والأدبيّة، وكمثال عربي، فقد انتبهت دبي إلى حضور الأحياء التراثيّة فجلعتها مكانًا لمهرجانات عالميّة كبيرة يعرفها المهتمون، كما تغدو تجربة الصين والدول الأجنبية تجربة مهمّة في هذا المجال.

هذه عيّنة من الأمثلة والفرص المتاحة للسياحة الثقافيّة، ولكننا وقبل أن نهتمّ بالمكان السياحي الثقافي، علينا أن نهتمّ بأن تكون الذهنيّة سياحيّة ثقافيّة في التعامل مع موضوع الاستثمار والترحيب بالأعمال، كأعمال إنسانيّة تؤكّد تلاقي الثقافات والإبداعات التي أصبحت عنصرًا مهمًّا من عناصر ومكوّنات الناتج المحلي الإجمالي، إذ تدرّ هذه القطاعات الإبداعيّة دخولًا طيّبة، جعلتها دول رائدة في المنطقة هدفًا لها في تحقيق نسب عالية على مدار سنوات قليلة.

وعودةً على المكان المضيء سياحيًّا والقابل لأعمال إبداعيّة وسينمائيّة أردنيّة نافست عالميًّا، فإنّ فيلم «ذيب» على سبيل المثال، الذي ترشّح لجائزة الأوسكار العالميّة وحصد الكثير من الجوائز العالميّة، صوّر في البادية الأردنيّة في الجنوب، وحقق شهرةً ثقافيّة سياحيّة للمنطقة، ولذلك حظي هذا الفيلم بالتكريم الملكي، في الحصول على وسام الملك عبدالله الثاني للتميز من الدرجة الثانية.

واخيرًا، فإنّ البيئة الأردنيّة الآمنة والمستقرة للسياحة الثقافيّة هي أحد أهمّ الأسباب التي شجّعت وتشجّع على استضافتنا لأعمال ومهرجانات محليّة وأجنبيّة، كما أنّ درجة الوعي الثقافي الأردني تلعب دورًا كبيرًا في حفز وتهيئة السياحة الثقافيّة والأعمال المهرجانيّة ووفود الشعراء والأدباء لقراءة المكان الأردني الضارب في جذور التاريخ.