هناك العديد من السياسيين و الكتاب الذين سارعوا للاحتفاء بالدخان 'الاسود' الذي خرج من 'مدخنة' العلاقة بين ترامب ونتنياهو وذهبوا الى القول ان الاختلاف اصبح خلافا وان هزة كبرى قادمة للعلاقة بين واشنطن وتل أبيب.
في موضوع العلاقة بين الرجلين من المهم ان نراعي عدة امور موضوعية محيطة بهما كما ان علينا مراعاة الطبيعة الشخصية لكل منهما.
أما الامور الموضوعية التى تحكم العلاقة بين الرجلين هي العلاقة الاستراتيجية التاريخية التى بدات باعتراف الرئيس ترومان بدولة الاحتلال عام 1948 مرورا بالرئيس ليندون جونسون الذي رفع مستوى العلاقات بين البلدين الى مستوى علاقات استراتيجية (1963) واصبحت كذلك، حيث مرت العلاقات منذ ذلك الوقت بفترات توتر عال وازمات، وفترات تناغم واتفاق، الا انه وبتقديري أن فترة الإدارتين الاخيرتين، إدارة بايدن الماضية وترامب الحالية تعتبرا الأكثر توترا وحساسية في التعامل مع إسرائيل وذلك بحكم وجود نتنياهو رئيسا للوزراء في دولة الاحتلال وفي ظرف استثنائي هو الحرب على قطاع غزة، وبسبب الحرب فان هاتين الادارتين قدمتا 'لاسرائيل' اكثر مما قدمه ترومان وجونسون، ومع ذلك وجدنا ان نتنياهو تعامل ويتعامل مع الادارتين بغطرسة وطاوسية.
حاول بايدن اخضاع نتنياهو للمعادلة التاريخية التى تحكم العلاقة بين الطرفين الا وهي علاقة التحالف 'الُطفيلي' القائم على ان اسرائيل ترضع من الثدي الاميركي وتموت بدونه الا ان نتنياهو تمرد على ذلك وحاول ارساء قاعدة جديدة ليكون هو 'اولا' ودولته 'ثانيا' شركاء بالنفوذ والقوة الاميركية في الشرق الاوسط، ونجح في اظهار ادارة بايدن وكأنها 'ألعوبة' بيده ووضعه بموقع 'وكأنه المتخلي عن اسرائيل' وهو ما سبب له ضررا كبيرا لدى الدوائر الصهيونية – الاميركية وهو صاحب المقولة الشهيرة (ليس بالضرورة ان تكون يهوديا لتكون صهيونيا ) ومن ناحية عملية فان تلك العلاقة بين بايدن ونتنياهو خضعت للموروث المتوتر للعلاقة بين الادارة الديمقراطية السابقة ونتنياهو واقصد موروث العلاقة بين هذا الاخير وبين الرئيس اوباما ومن الناحية العملية فشل بايدن في 'لجم' نتنياهو ولم يستطع وضع حدود او محددات له، بل على العكس من ذلك فقد نجح نتنياهو في ابتزاز ادارة بايدن وتمكن من الحصول على اعلى دعم عسكري في تاريخ العلاقات بين البلدين منذ ترومان خلال الحرب على قطاع غزة.
أما في العلاقة بين نتنياهو وترامب فالأمور تبدو اكثر بساطة الا انها من ناحية أخرى أكثر تعقيدا، فتاريخيا نجد ان الجمهوريين هم الاكثر حرصا على التوازن بين المصالح النفطية في الشرق الاوسط اي مع العرب وبين 'إسرائيل'، وكان للجمهوريين مواقف مزعجة وضاغطة على دولة الاحتلال 'فترة بوش الاب بشكل اساسي'، وخلال فترة ترامب الاولى 'الكورونا' التي انغمس فيها لدرجة التماهي مع نتنياهو اشغلت ظروف موضوعية كثيرة صناع القرار العرب عن الانتياه 'لضحالة ترامب السياسية وسطحيته ومغامراته السياسية' فالوضع العربي المهتز والخلافات الخليجية الداخلية وفرت لنتنياهو النجاح في تحقيق ثلاثة اهداف استراتيجية وهي:
اولا: الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل.
ثانيا: نجح نتنياهو في دفع ادارة ترامب السابقة الى التراجع عن مبدا 'حل الدولتين' للدرجة التى يمكن القول ان ادارة ترامب السابقة انكرت حق الفلسطينيين كشعب في اقامة دولته المستقلة.
ثالثا: انجاز اتفاقيات 'ابراهام' بين بعض الدول الخليجية واسرائيل في خطوة تعتبر تاريخية ومهمة.
وفي العودة للعلاقة بين ترامب و'بيبي' نجد انها علاقة مصلحية، والرجلان يتصفان بالحدية والنرجسية وهو ما يجعل التناقض بينهما متوقعا وان تم وهو المرجح سيكون مؤثرا ومسيطرا على نوعية القرار لدي كل منهما تجاه الاخر، وما اريد الاشارة اليه ان كل ما تم نقله على لسان ترامب بانتقاد نتنياهو سواء اكان حقيقيا (واعتقد بصحته) او كان مُختلقا فان المهم لدى صناع القرار في السعودية والامارات وقطر استثمار هذه الحالة بارساء معادلة جديدة في التعامل مع ترامب 'رجل الصفقات' معادلة النفط والاستثمارات مقابل مصالحنا الاستراتيجية في منطقتنا واقليمنا العربي وفي مقدمتها وقف الحرب على غزة واعلان القبول ودعم اقامة دولة فلسطينية.
الرئيس ترامب لا يفهم الا لغة المال والصفقات هل ننجح بعقد صفقة تاريخية معه؟؟
Rajatalab5@gmail.com