في ظل اهتمام الحكومة بالتواصل المباشر مع المواطنين وتلمس احتياجاتهم قد يكون من المفيد في هذه الفترة للوصول بشكل أدق لأوليات واهتمامات المواطنين والتحديات المعيشية والخدمية التي يواجهونها والعمل على إيجاد حلول جذرية لها، البدء بشكل متدرج بتطبيق عملية المشاورات العمومية (Public consultation) التي تعد إحدى أهم الآليات الحيوية لتعزيز جودة القرارات الحكومية وادماج المواطنين في صنع السياسات التي تؤثر عليهم مباشرةً، فمن خلال إشراك الجمهور، يتم ضمان ان القرارات لا تبنى على معطيات بيروقراطية فقط وانما تستند أيضًا إلى احتياجات المجتمع المتنوعة وأولوياته مما يعزز فعاليتها وشرعيتها.
تسهم المشاورات في تحسين جودة القرارات عبر استقاء آراء المواطنين الذين يمتلكون معرفة محلية دقيقة حول قضاياهم والمشكلات والتحديات التي يواجهونها، فصانعو السياسات قد يغفلون عن بعض او كثير من التفاصيل اليومية التي يمكن ان تؤثر على نجاح الخدمات، كالتخطيط العمراني أو النقل العام، حيث يقدم السكان رؤى حول الازدحامات أو نقاط الضعف في البنية التحتية،
هذا التفاعل يقلل من مخاطر التخطيط الأحادي، ويُنتج حلولًا شاملة تراعي التعقيدات المجتمعية.
من جانب آخر تعزز المشاورات الثقة السياسية وتوطد العلاقة بشكل إيجابي بين الحكومات والمواطنين، فعندما يشعر الأفراد بأن أصواتهم مسموعة وأنهم جزء من عمليات صناعة القرارت تزداد قبوليتهم للقرارات حتى لو لم تلب مطالبهم بالكامل. على سبيل المثال، الإصلاحات الضريبية أو إعادة هيكلة الخدمات الصحية التي تخضع لمشاورات مسبقة تواجه مقاومة أقل عند التنفيذ، لأن الجميع يدرك الجهود المبذولة لتحقيق التوازن بين الأولويات المتنافسة.
كما توسع المشاورات قاعدة المشاركة الشعبية، خاصة لفئات قد تهمَل في العمليات التقليدية ككبار السن أو ذوي الإعاقة أو سكان المناطق النائية، بإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أولوياتهم، ويتم تصميم الخدمات لتلبية احتياجات حقيقية بدلا من افتراضات قد لا تعكس الواقع، وفي واقع الأمر أن هذا الإدماج يعزز العدالة الاجتماعية ويقلص الفجوة بين السياسات والممارسات.
في الختام يمكن القول ان المشاورات العمومية تعد ركيزة لحوكمة ديمقراطية فعالة، ومع ذلك، يتطلب نجاحها ضمان تمثيل شامل، وتوظيف تقنيات متنوعة (كجلسات حوارية أو منصات رقمية او بريد إلكتروني وغيرها من الوسائل التي تضمن توسيع عمليات المشاركة المجتمعية)، وربط النتائج بخطوات تنفيذية واضحة، فقط عبر هذه الشروط، تترجم الأصوات الشعبية إلى قرارات تعكس طموحات المجتمع، وترسي أساسا متينا للتنمية المستدامة.