كنت ما زلت أنهض من الفراش، وقد جاءني صوت الزميل، خالد الشقران، رئيس تحرير الرأي، يقول بلا مقدمات: «لوين ماخذينا الجماعة»؟.
فهمت ما يقصد، وقلت هل لديك إجابة، فقال: انتظر إجابتك، الحقيقة إن إجابتي واجابة ايّ عاقل في المملكة ستكون متقاربة إن لم تكن متطابقة وبنفس الخطاب، فنحن لا نريد أن نتبرع بهذا الوطن طالما كنا قادرين، ومنذورين للدفاع عنه.
هذا الوطن ليس رخيصاً علينا ليسمح بالتطرف فيه ممن شاء أو رغب («فليس حارة كل من ايده اله») حتى نعيش ما عشناه من توتر في الأيام الماضية لان نفراً ضالاً اجتمع خارج المصلحة الوطنية.
لا يحق لأحد أن يخرق السفينة مهما كانت الذرائع، ولا يحق لأحد أن يتصرف في مصائر المواطنين واستقرارهم باجتهاد مهما كانت لديه التبريرات، ولا بد من قبول الإجماع ورأي الأكثرية والانصياع للمصلحة العامة، وعدم الخروج عليها بالخروج على الحاكم أو عصيان أوامره، كما قال الامام الغزالي الذي اعتبر ضرر الخروج على المصلحة العامة، اصعب من تصويب الخطأ، (فدرء المفاسد أولى من جلب المنافع)، كما في القاعدة الفقهية.
وقضايا التصرف بأوضاع الامة سلماً أو حرباً لا تقررها فئة لا تنضبط للقانون دائما، فالمشورة والرأي والإجماع، هم الاساس فالرسول (ص) في معركة بدر، حين نزل على ماء بدر، استشار، وقد خاطب الصحابة بأخذ رأيهم، فأشاروا عليه، وقال الحباب بن المنذر، يا رسول الله (اهذا منزل أنزلكه الله، أم هي الحرب والمكيدة)؟ فقال بل هي الحرب والمكيدة، فقال الحباب إذن انزل على ماء بدر، وقد فعل الرسول (ص).
ونحن نعلم من ثقافتنا العامة وديننا، أنه لا يجوز الخروج على أمر القائد الذي اجتمعت عليه الأمة، أو شق عصا الطاعة عليه، ولذا فإن الجنود حين تقاتل، فمن يتخلف يعاقب، وهو في منزلة من يتولى يوم الزحف وهي من الكبائر، ومن يشتبك حين يأمر القائد بغير ذلك، يعاقب (لخروجه عن إجماع الأمة) وفي ذلك قال زعيم الاتحاد السوفييتي، لينين، للمستعجلين، («أمس متأخر وغدا مبكر واليوم هو الموعد»)، ويفهم من ذلك أن لكل حدث ما يبرره، ولا بد أن يكون مقترناً باجماع الأمة وقائدها.
نحن في الأردن قررت الأغلبية أن يمثلها برلمانها وأن تنصاع لإرادة القائد الملك الذي كان موقفه واضحاً، وصل حد القول بلبس (الفوتيك) إن تطلب الامر والمصلحة الوطنية، وخاطب جنوده وكل الشعب أن يقفوا الى يمينه ويساره ومعه، وانه سيحارب إن اقتضي الأمر والمصلحة الوطنية، وهذا ما قاله وزير الخارجية ايضاً بتوجيه ملكي، أكثر من مرة وعلى مسمع العالم.
لا يستطيع أحد ان يزايد علينا جميعاً ونحن على هذا الإجماع، مهما كانت قراءته للواقع، ويستطيع أن يقول ما شاء وان يكتب وان ينصح، فقد كفل له القانون ذلك، لكن لا يستطيع أن يتخفى في ليل بهيم، وأن يخزن أسلحة وأن يُصنعها وأن يستجلب الشر للبلد، خاصة وأن لنا أعداء متربصين بنا تربص سمك القرش للدم، والعدو يبحث عن ذرائع ومبررات، ظلّ الأردن يعمل بوعي على ألا يقدمها أو يوفرها لهوا، فقد ظلّ الأردن لسنوات طويلة يمشي على الحبل طوال الأزمة السورية وطوال الصراع على العراق، وظل الأردن يكافح الإرهاب والإرهابيين، وله سجل مشرف في ?لك، والاّ لما كنا اليوم نتحدث ونتناصح ونجد وطنا ما زال يحفظ كرامتنا وعيشنا وأمانينا.
لن نذهب بأقدامنا الى مغارة الارهاب ولن نحس أننا مضبوعون، لا نقوى على الوعي والخيارات المنجية، بل سنواجه الضبع قبل أن يبدأ بمسيرته نحو مغارته وسنقاتله لدرء خطره قبل فوات الأوان.
فنحن نميّز العدو ونستعد له، لكن لا نريد لأحد أن يهدم القلعة من الداخل ولا أن يصنع (حصان طروادة) لأعدائنا ليعبروا اليها والى أمننا، فنحن نعاني منذ سنوات طويلة، وقلنا رأينا بشجاعة عبر عنها جلالة الملك، بأقوى التعبيرات والمواقف.
دعونا نعمل معاً، صفاً واحداً، لا أحد فوق القانون ولا نريد الخوارج كما لا نريد أن نصدق من (يرفعون المصاحف على أسنة الرماح)، فقد عشنا كافة مراحل التاريخ بالتجربة والاتعاظ والقراءة، وخبرنا أين تقف مصالحنا وكيف نتعامل مع العالم دفاعاً عنها.
اتقوا الله في هذا الوطن الذي (أطعم من جوع وأمن من خوف)، اتقوه في الأطفال والنساء والشيوخ، اتقوه في مصالحه ومعاناته، وكونوا صفاً واحداً ويداً واحدة، ولا يجرمنكم خطاب قوم ألا تغاروا على وطنكم وتحموه وتفدوه وتضعوا حداً لكل مغامر أو طائش.
هذا الوطن لا يقبل القسمة والخذلان، ولن يخذلنا ما دمنا نتمسك بأمنه ونضعه فوق كل اعتبار.
أيها المعلمون، أيها الخطباء على المنابر وفي المساجد، وحيث يكون الرأي، قولوا قولاً صادقاً سديداً واحداً يجمع ولا يفرق ويحفظ ولا يهدد، احموا مصالح الأردن وأمنه بكل قوة وكلمة فصل.
نقرأ ما قاله الجنرال ديغول في حكومته بالمنفى الفرنسي في لندن، وكان خطابه الأول للمعلمين حين احتل النازيون باريس، ('ايها المعلمون، دافعوا عن الثقافة الفرنسية)، فهل ندافع عن أمننا ووعينا وثقافتنا في وجه رياح السموم العاتية وما يزينه البعض من ادعاءات وبطولات لا تصل بنا الا الى المزيد من الحرائق والدماء والفرقة.
كونوا اخوانا ولا تكونوا اعداء لوطننا، فالإسلام يأبى ما قام به البعض من خروج على السلطان والأمن، فالأمن الوطن دونه (خرط القتاد) كما كانت العرب تقول، ولسنا على استعداد لضياع وطننا وأمتنا لنرضي نزوة قلة اخذتهم الغزة بالإثم.
إنني اقترح ان يسمى (يوم للأمن) نحتفي فيه بحرصنا على أمن وطننا ونكرم فيه أجهزتنا الأمنية، رغم أن هذا اليوم ممتد في كل السنة، لكننا نريده محطة نحتفي فيها بيوم كما يوم العلم الذي احتفلنا به.