ندوة حوارية مهمة نظمها مركز دراسات التنمية المستدامة بجامعة اليرموك والتي حملت عنوان «دور العمالة الوافدة في الاقتصاد الأردني»، بهدف تحليل الواقع الراهن لدور العمالة الوافدة في الاقتصاد الأردني. فالعمالة الوافدة في الأردن تمثل أحد الملفات الأكثر تعقيدًا وتشابكًا في الاقتصاد الوطني، إذ تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية مع الاجتماعية والديموغرافية وحتى الثقافية. وعلى الرغم من أن الموضوع ليس جديدًا على الملفات الاقتصادية، إلا أن حدّته لا تزال قائمة بسبب تعقيدات سوق العمل المحلية واختلالاتها البنيوية.
تشير البيانات الرسمية إلى أن العمالة الوافدة تشكل نحو 21% من إجمالي القوى العاملة في المملكة، وتتركّز بشكل أساسي في قطاعات الزراعة، والإنشاءات، والخدمات المنزلية، وبعض الصناعات الخفيفة. هذه القطاعات تعاني من فجوة مزمنة بين العرض المحلي من العمالة والطلب الفعلي في السوق، ما يجعل من العمالة الوافدة عنصرًا أساسيًا في استمرارية العمل والإنتاج في هذه المجالات.
من ناحية اقتصادية، تلعب العمالة الوافدة دورًا وظيفيًا في سد هذه الفجوة وتوفير يد عاملة غير مكلفة نسبيًا، وهو ما يعزز من تنافسية بعض القطاعات الإنتاجية. لكن في المقابل، يتسبب هذا في فرض واقع «سوق عمل مجزأة»، حيث تختلف ظروف العمل والأجور والضمانات بين العمالة الأردنية والوافدة. هذا التباين في السوق يعمّق من الفجوة في العدالة الاجتماعية ويحدّ من فرص الأردنيين المتعطلين في الدخول إلى سوق عمل عادلة ومنصفة.
إلى جانب ذلك، تتصل قضية العمالة الوافدة بشكل مباشر بالقطاع غير المنظم، الذي يشكل الحاضنة الرئيسية لجزء كبير من هذه العمالة، خاصة في الزراعة والإنشاءات والخدمات المنزلية. هذا القطاع يعاني من ضعف الرقابة، وغياب الالتزام بالقوانين المتعلقة بالأجور والسلامة والتأمين، وهو ما يؤدي إلى خسارة الدولة لإيرادات محتملة من الضرائب والرسوم، ويؤسس لمنافسة غير عادلة مع العمالة المحلية. ورغم أن تحويلات العمالة الوافدة إلى الخارج تُعدّ أمرًا طبيعيًا في الدول المستقبلة، فإنها في حالة الأردن تمثل ضغطًا إضافيًا على ميزان المدف?عات. لذلك فإن التعامل مع هذه الإشكالية يجب ألا يكون من خلال التضييق على العمالة أو المساس بحقوقها، بل من خلال تصميم سياسات اقتصادية تكفل تنظيما حقيقيا لسوق العمل، من دون أن تفاقم ما تعتري هذه السوق من تشوهات في الأصل، بما يحفز الأردنيين على دخول مختلف القطاعات، خاصة تلك التي يهيمن عليها الوافدون.
ومن أدوات ذلك: سياسات الحد الأدنى للأجور، وتحسين شروط العمل، وتطوير منظومة التدريب المهني والتعليم التقني بما يلبي احتياجات سوق العمل. إضافة إلى إنفاذ التشريعات القائمة وتحديثها لضمان تحسين بيئة العمل لتكون أكثر جذبًا للشباب الأردني، لا سيما في المحافظات التي تعاني من معدلات بطالة مرتفعة.
التحليل الهيكلي لسوق العمل يكشف عن جملة من الاختلالات، منها التوزع القطاعي والجغرافي غير المتوازن للقوى العاملة، وتدني نسبة المشاركة الاقتصادية، وتذبذب معدلات البطالة. كما أن السوق الأردنية تصنف بأنها لا تعمل كوحدة موحدة، بل تتسم بالتجزئة إلى قطاعات أولية وثانوية، تختلف في شروط العمل والاستقرار المهني. هذه الظاهرة تُفسَّر جزئيًا من خلال نظرية السوق المجزأة، التي تشير إلى أن العوامل الاجتماعية والمؤسسية، وليست الكفاءة فقط، هي التي تحدد فرص الأفراد في الحصول على وظائف مستقرة وجيدة.
أسباب البطالة في الأردن قد تكون متعددة وتعود إلى عوامل متشابكة تتوزع بين جانبي العرض والطلب في سوق العمل. فمن جانب العرض، ساهمت هجرات العمالة إلى الأردن، وخاصة الهجرات القسرية، في زيادة المعروض من الأيدي العاملة بشكل يفوق قدرة السوق على الاستيعاب، إضافة إلى تضاعف أعداد خريجي الجامعات والمعاهد في تخصصات لا تلائم بأحيان كثيرة احتياجات السوق. أما من جانب الطلب، فإن تواضع معدلات النمو الاقتصادي وتراجع الطلب الخارجي وضعف الاستثمار الاجنبي قد شكلت قيوداً على قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل جديدة. كما أن عدم الاستق?ار في السياسات الاقتصادية من حيث التشريع وبالتالي ديمومة التطبيق، وخاصة سياسات الأجور والتشغيل، إلى جانب ضعف ارتباط مخرجات التعليم باحتياجات السوق، ساهم في اتساع فجوة المهارات وارتفاع معدلات البطالة، لا سيما بين الشباب والخريجين الجدد.
إن سياسات التشغيل والتوظيف في المرحلة المقبلة يجب أن تنظر إلى العمالة الوافدة كمكون عضوي لا يمكن تجاهله في سوق العمل، التي تحتاج إلى سياسات حصيفة في الضبط والرقابة، تفضي إلى تنظيم وتقييم مستمرين. فالتحدي لا يكمن في وجود هذه العمالة بحد ذاته، بل في تقنين استخدامها وفقا لمتطلبات الاقتصاد وبما يعزز العدالة الاجتماعية، التي تمكن الأردنيين وتهيئهم للمنافسة الفعالة في سوق العمل.
رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية
