كتاب

طرق ممارسة العمل السياسي الوطني

 

في الأنظمة الديمقراطية، يُعتبر الانخراط في العمل السياسي من أبرز مظاهر المشاركة الوطنية، وهو حق مكفول لكل مواطن. ورغم أن الأحزاب السياسية تُشكل الإطار المؤسسي التقليدي للعمل السياسي إلا أن الواقع يشهد تزايدًا ملحوظًا في عدد الأفراد الذين يمارسون أدوارًا سياسية وطنية فاعلة دون انتمائهم لأي حزب وهذه الظاهرة تثير تساؤلات حول مبرراتها وأثرها، وآفاقها في المشهد السياسي.

هناك عدة أسباب تدفع الأفراد إلى ممارسة العمل الوطني السياسي بعيدًا عن مظلة الأحزاب. من أبرزها فقدان الثقة في الأحزاب نتيجة تراجع أدائها أو غيابها عن هموم الشارع. كما أن بعض الأحزاب تنغلق على ذاتها أو تنشغل بخلافات داخلية، ما يجعلها غير جاذبة للكفاءات الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض النشطاء يفضلون الحفاظ على استقلاليتهم وعدم التقيد بالخط الحزبي، ليتمكنوا من التعبير بحرية عن مواقفهم.

يأخذ العمل الوطني خارج الأحزاب أشكالاً متعددة، منها العمل عبر منظمات المجتمع المدني، أو من خلال المبادرات الشعبية، أو النشاط الإعلامي والتوعوي، أو الترشح في الانتخابات كمستقلين. وقد أظهرت بعض التجارب أن المستقلين قادرون على التأثير في الرأي العام وصنع القرار، لا سيما إذا اتسمت مواقفهم بالمصداقية والارتباط الحقيقي بقضايا المواطنين.

رغم الإمكانيات التي يتيحها هذا النوع من العمل، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة ايضاً، أبرزها ضعف الدعم اللوجستي والتنظيمي مقارنة بالأحزاب، وصعوبة الوصول إلى مراكز القرار، إضافة إلى محدودية الموارد. مع أن التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي قلّص من أهمية بعض هذه العقبات، وفتح آفاقاً جديدة أمام السياسي المستقل ليبني قاعدة شعبية ويؤثر في السياسات العامة.

العمل السياسي المستقل يجب ألا يُفهم كبديل عن العمل الحزبي، بل يمكن النظر إليه كرافد مكمل له. فالتعددية السياسية تتطلب فسحة واسعة لاحتضان كل الأصوات، سواء كانت منظمة داخل أحزاب، أو تمارس دورها بحرية واستقلالية. ومن مصلحة الدولة والمجتمع أن يُمنح المستقلون فرصًا متكافئة للمشاركة في الحياة السياسية، طالما التزموا بأطر القانون والدستور.