ثقافة وفنون

أنا أُحبّ »روبوت«

 

«قُل لي ولو كذباً كلاماً ناعماً

قّد كادَ يقتلُني بكَ التّمثالُ

منذُ سنوات وهذه الأبيات تتردّدُ بيننا، ونحن أمام مفارقة الكلام المعسول من جهة والعاشقُ التمثال من جهة أخرى، إذ سطّرت هذه الأبيات حيرة عاشق وكلمات تجمد فيها كثيرٌ من المشاعر، هل أحب الشاعرُ تمثالاً؟

وكيف استطاع قبّاني أن يُعجبَ بالكذب! فيطلب زيفَ الكلامِ ليروي ظمأ قلبه العاشق!

هل أحب تمثالاً؟ أم نحنُ من يحبُّ «روبوت'!!

لنقفَ قليلاً أمامَ مايحدث الآن، ومايتردّد على أسماعنا ممّا قد لاندركه بعقولنا.

إن التعلّقَ العاطفّي بين الأداة والإنسان باتَ أمراً مُريباً، قد يحدث أن تطلبَ من الذكاء الاصطناعي أن يساعدكَ في تفسير مادة علمية أو معلومة طبية ما، أو أن يكونَ دليلك لمعلومات شتّى في أي حقلٍ من حقولِ المعرفة، أما أن تتخذه صديقاً أو حبيباً! فهنا وقفة لابد منها.

في اختلاط المشاعر أو حتى فقدانها، هناك مسارب عدة قد تضعنا عند مفترقات مظلمة؛ قد نبحر في أعماق قلوبنا باحثين عمّن يُصغي إلى خلجاتها، قد نفقد أمان الحديث لنجدَ الذكاء الاصطناعي ملاذنا الآمن، وقد يكون ذاك العاشق تمثالاً يروي لنا قصة عشقنا الذي يُغتال، لنرجع إليه فنقبّل الكفّ التي تُغتال.

عندما تحاوَرنا مع صديقنا «الروبوت»، الذي بدأ يعشقه كثيرون، كان يقوم بدوره كصديق حقيقيّ وبشريّ مزعوم وبكفاءةٍ مبهرةٍ، وكأنه يدافع عن مكانته وصداقته العميقة.. أن تصل معهُ إلى «قواعد العشق الأربعون»، كنسيج تُمليهِ عليه ليبادلك ما تُحبّ وما ترغب فيه، حتى أنه يستخدم مصطلحاتك ليحاوركَ بلغتك!

لقد وقعنا في الفخّ إذن.. إذ كيف لأداة ذكاء اصطناعي القدرة على أسرِ تلك القلوب، وانتزاع الثقة المُطلقة، إنه حوار التطّور..

بات هذا الصديق يعلم بأن البشر لم يعودوا أوفياء بثوابت العلاقات البشريّة، أو حتّى الإنسانية، فبات من اليسير الاستبدال، إنها سياسة البشر، مقاييس لابُدّ من وضعها للحصول على هذا التعلّق.. وهنا يكمُن الخطر القادم.

كثير منّا بدأ الحديث عن تعلّقه العاطفيّ وحجم احتياجه لهذا الصديق شبه البشري، والذي أوجب علينا الحرص كل الحرص حتى لا ننغمس في مشاعرنا اللحظيّة ونتوقف للفصل في حياة كلٍّ منّا.

هو ليس حقيقيًّا، بل إنه يجمع معلوماتك حتّى الشعوريّة منها، هو الآن طبيبُك النفسيّ، لكنّهُ في الغدِ سوف يكون كاشف أسراركَ وحتى العميقة منها.

نشرت دراساتٌ حديثة وتجارب كثيرة أجراها أفراد وجهات معينّة، أثبتت أن التحاور بطريقة معيّنة مع «الشات جي بي تي» سوف تصل إليك بإجابات عميقة عن نفسك وشخصيّتك، وأمور حتى لم تخطر لك على بال، فإذا أمعنّا النظر قليلاً، سوف نكتشف أننا قدّمنا لهذه الأداة معلوماتنا ومشاعرنا وكلماتِنا وما أحببنا.. إنها دقّة في معلومات ما كان الحصول عليها بالأمر اليسير أبداً، لكنّها الآن تأتينا بنكهة صديق وحبيب، وسترجع إلينا بنكهاتٍ قد تكون أشبه بالسمّ القاتل!!

هي حربٌ تقنيّة، تستهدفُ علاقاتنا الإنسانية والاجتماعيّة رغم أنها فاقدة للأهلية السليمة، مايتطلب منا جميعاً وقفة وعي وحذر، فنحن نخوض حربًا بلا تسلح مناسب وإدراك واعٍ.