يوم السبت، وفي منتدى الرواد الكبار، تشير الساعة إلى ما بعد الخامسة بقليل، فقد تمّ افتتاح معرض «ربيع الألوان» للتشكيلية المبدعة أماني البابا. وبينما تنتشر في المكان همهمات الحاضرين، عمّ الصمت فجأة لحظة حفل الاقتتاح، إذ أطلقت بعض الكلمات المنمقة وافتتح المعرض وعادت الحركة ترافقها حركة جميلة وخطوات متتابعة وحديث حول اللوحات، جميع الأعمال تحمل حكايات مبهرة، كما أنّ مهارة الأداء تتجلى باللوحات المصفوفة على الجدار الذي بات ناطقا بالجمال ومحفوفا بالألوان الممزوجة باحتراف الكبار.
هناك الكثير من اللوحات تحرّض على الكتابة لجمالها وتناغمها وموضوعاتها المتنوعة، و لكنني تسمّرت أمام لوحة، وكأن الزمن توقف للحظات، وهي لوحة» النداء الثاني» للتشكيلية المبدعة أماني البابا؛ إنها لوحة تحمل مشهدًا دراميًّا وصراعًا داخليًّا عميقًا وعلاقة إنسانية معقدة، هذا ما أوحت إلي به الشخصيات و الألوان المتناقضة داخل مساحة لونية صغيرة تمتد بقياس 50 *50 رُسمت بألوان الأكريليك ويمكن تصنيف هذه اللوحة ضمن المدرسة التعبيرية الحديثة، ويبدو واضحًا السرد البصري لحكاية علاقة رجل، غير مكتملة بالمرأة/ الوطن، أو لنسميها ?جسيدًا للعلاقات غير المكتملة.
تتكون اللوحة من شخصيتين رُسمتا بخط انسيابي، حيث يظهر الرجل في الأعلى باتجاه امرأة في الأسفل فيتقاربان بصريًّا دون تماس، بينهما وشاح أبيض يتحرك في مسار متماوج كحاجز. لكل وجه وجه آخر في الظل، الأعين واسعة والتفاصيل حادة تظهر» تفاحة آدم» بوضوح عند الرجل. هي ليست صدفة تشريحية، ولكنها تمثل الهوية الذكورية ويمكن أن تكون رمزًا للصوت المكبوت عند الرجل، كما أنّ قلب المرأة تسكنه صلوات صوفية، فهناك قبة مسجد صغير. الرجل يميل بجسده نحو الأسفل باتجاه المرأة كأنه في حالة انجذاب وترقّب مثقل بصراع عاطفي في حالة احتواء لهالة المرأة رغم الحاجز، أما المرأة فهي في حالة ثبات تتوافق مع انسيابية الرجل وا?جذابه نحوها.
اللون عند المبدعة أماني البابا حكاية أخرى تفوق حكاية الرجل والمرأة في علاقة غير مكتملة الألوان المتناقضة التي تتدرج بين اللون الحار واللون البارد، إذ تسقط ثنائية المشاعر المتناقضة في الخوف والطمأنينة والابتعاد والاقتراب، لتصور علاقة مشحونة بالألم، فاللون الأزرق بتدرجاته يشكل الغياب والعزلة، واللون البرتقالي المحروق والأحمر القرمزي مشاعر جارفة من الحنين والشوق، واللون الأبيض هو الزمن الفاصل، و اللون البني واللون الأسود يضفيان العمق وإبراز التفاصيل، فقد شكلت تلك الألوان علاقة إنسانية مشحونة بالألم، علاقة اقت?اب دون لقاء.
اللوحة تمثل علاقة إنسانية معقدة، حيث يحاول كل طرف الاقتراب من الآخر، ولكن هناك مساحة من خوف أو ذاكرة مشبعة بالأحزان تحول دون الاقتراب، ولكنهما يظهران في أقصى درجات القرب البصري والجسدي ولا يلتقيان. الشخصيتان يمثلان ثنائية روحية كأنهما يشكلان حالة داخلية واحدة تتوق للتكامل، سواء كانت علاقة الرجل بالمرأة/ الوطن أو علاقة الإنسان بالوطن، أو علاقة لاجئ بعيد بوطن مكلوم.
(كاتبة أردنية)