بينما تستعد وزارة التربية والتعليم لتطبيق قرار تأنيث التعليم الأساسي بدءًا من العام الدراسي المقبل في 123 مدرسة، تتوالى الأسئلة الحقيقية التي تتجاوز الشكل إلى الجوهر: هل نعيش تحوّلًا تربويًا عميقًا؟ أم أننا نستبدل أداة بأخرى دون أن نعيد النظر في قواعد اللعبة التعليمية من أساسها؟
القرار، في ظاهره، يستند إلى أرقام مشجعة حيث أن أداء الطلبة في الصفوف الأولى يتحسن عندما تُدَرّسهم معلمات بنسبة تصل إلى 73.5% وفقًا لبعض الدراسات، لكن قراءة هذه الأرقام بمعزل عن السياق التربوي العام، قد تؤدي بنا إلى استنتاجات اختزالية تخلط بين النتائج الظاهرة والأسباب العميقة.
ليس سرًا أن المعلمات في العموم يبرعن في إدارة الصفوف الأولى بحنان وصبر واهتمام، وهي سمات أساسية في هذه المرحلة الحساسة من التكوين النفسي والمعرفي للطفل، ولكن هل هذه السمات حكر على الإناث؟ بالتأكيد لا، فكم من معلم ذكَر استطاع أن يصنع فرقًا حقيقيًا في حياة طلبته، بفضل مهاراته العاطفية والتربوية، وليس فقط خلفيته الأكاديمية.
الخطورة أن يتحوّل هذا القرار من محاولة لتطوير بيئة التعلم إلى معالجة سطحية لمشكلة أعمق تتعلق بتأهيل المعلمين، ودعمهم، وتمكينهم من أدوات التعلم النشط والتربية الحديثة، والتعليم لا يُقاس فقط بجنس المعلّم، بل بقدرته على بناء علاقة صحية مع الطلبة، وتحفيز عقولهم، وتثبيت مهاراتهم.
هل أصبحنا اليوم أمام معادلة تقول: إناث = تعليم أفضل؟ إن التفكير بهذه الطريقة قد يؤدي إلى تهميش فئات وتغذية مشاعر الإقصاء بين المعلمين الذكور، دون أن نحل أصل المشكلة. نحن بحاجة إلى قرار يكافئ الكفاءة، ويُعزز التخصص، لا إلى حلول إدارية تبدو عادلة على الورق، لكنها تترك فراغًا في الروح المهنية للنظام.
ثمّة بُعد آخر لا يمكن إغفاله وهو العدالة الوظيفية؛ فالمعلمون الذكور الذين سيُعاد توزيعهم أو نقلهم نتيجة القرار، لهم حق مشروع في أن يسألوا: ماذا عن مسارنا المهني؟ هل نحن غير مؤهلين، أم أن القرار يستبعدنا بصيغة ناعمة؟ التغيير لا يكون عادلًا إذا لم يُرافقه ضمانات تحفظ كرامة الجميع، وتُقدّم حلولًا منصفة توازن بين تطوير النظام وصون الحقوق.
إذا كان القرار مدخلًا لإصلاح جذري في طرق التدريس، وأساليب التقويم، وعلاقة المعلم بالطالب، فمرحبًا به، أما إذا كان خطوة رمزية لامتصاص الضغط، أو محاولة سريعة لتحسين المؤشرات التعليمية، دون إصلاح حقيقي في بنية النظام التربوي، فسيكون مجرد «ترقيع ناعم» لمشكلات معقدة. نحتاج إلى إعادة تعريف دور المعلم، وتطوير برامج إعدادهم قبل الخدمة، وإعادة الاعتبار لهيبة المهنة، لا الاكتفاء بتغييرات شكلية قد تزيد من الشرخ المهني، وتُثير حساسيات غير ضرورية.
القرار جريء، لكنه لا يخلو من التحديات، وبين الحماس للنتائج والتخوف من التبعات، تظل الشفافية، والتقييم المستمر، والعدالة في التطبيق هي الموازين الحقيقية لنجاح هذه الخطوة؛ فمستقبل أطفالنا لا يُبنى بنوايا حسنة فقط، بل برؤية تربوية متماسكة، لا تميّز بين معلم ومعلمة، بل تحتفي بالكفاءة، وتنحاز إلى الجودة.
تأنيث التعليم الأساسي.. خطوة جريئة أم قرار محمّل بالتحديات..؟؟
11:17 29-4-2025
آخر تعديل :
الثلاثاء