خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

عندما تخون الخلايا (1)

السرطان من مسافة صفر 

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. عاصم منصور / مدير عام مركز الحسين للسرطان السرطان ليس مرضا؛ بل هو ظاهرة محفزة وبتعقيدات ومسارات تنطوي على جوانب مختلفة، منها الصحي والاجتماعي والاقتصاديبل والفلسفي، فهو سيرة لمرض ولأشخاص يعيشونه ويعيش في دواخلهم، ويقتات على اجسادهم وأرواحهم، فلحظة أن يتلقّى الانسان خبر اصابته بهذا المرض يعلم تماماً ان حياته ستتغير مرة واحدة وللأبد؛إذا لا عودة إلى حياة ما قبل الخبر، كما لو كان يولد من جديد، وعندما يتحتم عليه أن يكيف حياته بناءًعلى هذا المعطى، وأن يبحث لحياته عن معنى جديد.
كان ذلك في شتاء عام 1986 وعلى غير عادة الطلاب وقتها، وجدتني انساق خلف نداء دخلي الح علي ان احزم حقيبتي ميمما وجهي شطر الوطن. وبعد رحلة طويلة وصلت البيت على غير انتظار وفاجأت الاهل الذين أخذتهم الدهشة لعودتي دون سابق انذار! لكن دهشتي كانت اكبر حيث قابلوني بوجوه مكفهرة تنبئ بخطب جلل، وبعد سلام مقتضب وجدت الجميع يحاول سحبي لخارج الغرفة، والانفراد بي ليعلمونني بخطب ما، وكانت المفاجأة إصابة جدي بالسرطان ؛وأوصوني أن أبقى هذا الامر سراً، وألا أذكره أمامه لأنه لا يعلم بعد بحقيقة مرضه.
وفي ركن من أركان الغرفة كان جدي مستلقياً في فراشه شاحباً، هزيلا وقد بدا عليه الاعياء الشديد، احزنني أن أرى جدي ذلك القوي الذي القوي الذي كانت تتمحور وتتكئ عليه حياتنا، ضعيفاً طريح الفراش.فهو السند والأمان والملجأ، كان يجسد الحياة بشخصيته، بل لعله كان بالنسبة لي أكبر من الحياة نفسها !
وعندما رأني حاول استجماع ما بقي لديه من قوة ليعانقني وأنا أداري دموعاً حارة انهمرت فجأة حزناً، فشلت في منعها من الانفلات.
كان ذلك أول عهدي بهذا المرض، نعم التقينا للمرة الأولى وجها لوجه، ولم تسعفني محاضرات الكيمياء والأحياء التي كانت كل حصيلتي من الطب وقتها في استيعاب كنه هذا المرض الذي لم يكن مطروقاً كثيراً حينها.
وقبل ذلك التاريخ بستة اشهر ليلة سفري، وفي نهاية السهرة الممتدة أويت إلى فراشي وأنا على موعد مع جدي، الذي أصر على مرافقتي للمطار صباح اليوم التالي،في زمن كان السفر فيه حدثاً قبل أن يفقد رونقه في عصر التكنولوجيا التي لم تترك لنا مساحة للتمتع بمشاعر الحنين والشوق!
وفي الصباح نهض جدي من فراشه متثاقلاً على غير عادته، وقد ارتسمت على محياه غصة ألم حاول جاهداً إخفاءها عنا قائلا:» والله يا جدي صبحت مخربط شوي» عانقته مودعا، ولم أكن أعلم أنني أعانق للمرة الأخيرة، » أبو حمزة» الذي تربيت بين طيات عباءته ومحبته، وعرفته أبا وصديقاً طوال عمري، ولم اكن أعي أن عناقي القادم سيكون مع شبح يشبهه.
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF