كتاب

تحت سقف القانون لا استبعاد ولا إقصاء

يتحمس البعض اكثر مما يجب ونقرأ عن سيناريوهات عن حلّ حزب جبهة العمل الاسلامي وبالتالي الغاء مقاعده النيابية واعادة توزيعها على الأحزاب التي تجاوزت العتبة بل ودخل البعض في احتساب توزيع التركة وعدد المقاعد التي ستذهب لكل واحد من الأحزاب الأخرى بما في ذلك مقاعد الدوائر المحلية التي سجل اصحابها انفسهم رسميا كمرشحين للحزب !!

ينبغي التحذير بقوة من الانزلاق الى هذا المسار واعتقد ان دوائر القرار لا يمكن أن تفكر بهذه الطريقة وستبقى لصيقة جدا بالقانون الذي استندت اليه في القرار الخاص بحظر نشاط الجماعة بوصفها تنظيما خارجا على القانون.

من حيث المبدأ لا يجوز قمع اي طرف أو حرمان اي توجه سياسي فكري من الحضور في المشهد والمشاركة والمنافسة ما دام يعمل تحت مظلة القانون والدستور. وجبهة العمل الاسلامي حزب مرخص يعمل تحت مظلة القانون وحاز على اعلى نسبة اصوات ولديه اكبر كتلة برلمانية ولا يجوز المس به الا بالقانون مثل اي حزب آخر. ويجب ابقاء المنافسة الديمقراطية حكما بين جميع التيارات العاملة تحت سقف الدستور والقانون. وهذا ما يحدث اليوم في النقابات حيث خاض التيار الاسلامي منافسات حرّة وخسر في نقابتي المهندسين والاطباء أمام تحالف عريض يغلب عليه الطابع المهني والوطني والوسطي. وقد شارك مرشحون من الوسط القومي واليساري بقوائمهم الخاصّة وكان تحصيلهم متواضعا.

ما حصل في الاردن لا يشبه ما حصل في دول اخرى وقد قاوم الاردن ضغوطا للبطش بالتيار الاسلامي وتمسك بالتقاليد الدستورية المتبعة منذ انهاء المرحلة العرفية وقد شهدت العلاقة مع التيار الاسلامي – الاخواني صعودا وهبوطا وقاطع التيار الانتخابات النيابية لعدة دورات ثم عاد للمشاركة ولم يتغير نهج الدولة في الالتزام الحرفي بالقانون. وفي اطار هذا الالتزام تم الطلب من جمعية الاخوان تصويب اوضاعها وفق القانون فرفضت وجاء قرار محكمة التمييز عام 2017 الذي ضربت به الجماعة عرض الحائط وتابعت انشطتها المعلنة بالتوازي والتداخل مع نشاط الحزب المرخص وما فعلته الدولة اخيرا بعد طول صبر وتغاض هو تفعيل القانون الذي يحظر انشطة الجماعة.

انخراط افراد من الاخوان في نشاط مسلح ربما كان القشة التي قصمت ظهر البعير وقادت الى قرار الحظر والذي يعني تفعيل القانون بشأن الجماعة. وهذا لا ينسحب على الحزب الذي يعمل تحت مظلة القانون. والتهم الموجهة لأفراد من الحزب في حالة ثبوتها تجرمهم كأشخاص ولا تجرّم الحزب نفسه الا اذا ثبت ان افعالهم جاءت بقرار من الحزب أو بعلمه وموافقته والحزب يعني الهيئات القيادية الرسمية للحزب. وهذا الاحتمال الأخير يجب ان يثبت بأدلة قطعية.

لو وضعنا الجوانب القانونية على حدة ففي النقاش السياسي يجب ان نفهم ان هذا تيار سياسي فكري رئيسي في البلاد يجب ان نضمن وجوده تحت سقف العمل الحزبي الدستوري والقانوني، وهو لن يختفي بقرار ومن الخطير جدا دفعه للعمل خارج النظام والقانون. يجب دفع الحزب للقطع مع الماضي فلم يعد ممكنا بأي حال ان يستمر كذراع لتنظيم الاخوان الذي اصبح محظورا وعلى كل من يريد من اعضائه ممارسة العمل السياسي الانخراط في حزب الجبهة او اي اطار آخر قانوني ومرخص. ونأمل ان تستخلص القيادات الدروس وتقطع أيضا مع المفاهيم القديمة الموروثة من تاريخ الجماعة وهي تتعامل مع الدول كساحات تخدم استراتيجية عقائدية فوق وطنية.

كنا تفاءلنا في فترات مختلفة بتحولات ظهرت في وثائق وتصريحات لقادة جبهة العمل تقترب من مفهوم الدولة الوطنية والمدنية لكن كل مرة كنا نرى الخطاب القديم يعود بكل قوة ويعود ظهور الاخوان كإمتداد لحماس في الساحة الاردنية تنفذ اجندتها التي تختلف واحيانا تتناقض مع اجندة ومصالح وأمن الاردن والأخطر انها تعرض الوحدة الوطنية لمخاطر تشبه أو أسوأ مما تعرضنا له في حقب سابقة.

لا توجد ولا يجب ان توجد اي خطة لقمع واستئصال تيار سياسي فكري بل يجب ضم الجميع تخت مظلة العمل السياسي الشرعي تحت مظلة الدستور والقانون والولاء الصادق للدولة الوطنية ونظامها السياسي الملكي. وفي حينه تأسفنا كثيرا لعدم ترخيص حزب الشراكة والانقاذ الذي برز كممثل لتيار ربما مثل اقصى تلاوين المعارضة ولم يفت الوقت بل لعله الوقت المناسب للعودة وتلبية متطلبات الترخيص. ونكرر القول الآن ان ترخيصه سيكون عاملا ايجابيا في استعادة هذا التكوين من الشارع الى المشاركة المؤسسية ضمن المعارضة الشرعية. وتقديم رسالة واضحة ان الدولة لا تستثني ولا تقصي احدا بل ذراعاها مفتوحان على اتساعهما لكل التلاوين تحت سقف الدستور والقانون.