صحافة عربية وعبرية

كيف يمكن قتل 30 ألف طفل وامرأة في غزة دون أي تردد؟

(المضمون: صناعة التدمير الدقيقة، التي يتم تنفيذها في غزة، تجعل بالامكان المرور مر الكرام قتل 30 ألف مواطن في غزة، بدون أن يثور تساؤل في اوساط الجمهور. وهو ما يحدث بالفعل عن طريق فصل المهمات الوظيفية بحيث لا يدرك من ينفذون المهمة الصغيرة الهدف النهائي لكل العملية–المصدر).

ما الذي يضمن أن ينفذ الجنود مهمتهم بدون مواجهة معضلة اخلاقية؟ هذا امر حاسم بشكل خاص عندما يعمل الجنود بعيدا عن ساحة القتال وبدون مخاطرة فورية، والقيم التي يجلبونها معهم الى الجيش لها امكانية كامنة لاثارة هذه المعضلات.

عالم الاجتماع اليهودي – البولندي زيغمون باومن، قدم جواب مميز على هذا السؤال، عندما قام بتحليل آلة الحرب الالمانية في الحرب العالمية الثانية. استخدام العنف اصبح ناجع ومتوفر أكثر، قال باومن، بفضل البيروقراطية التي تفصل بين استخدام الوسائل القتالية وبين التقييم الاخلاقي لاهدافها. هي تفعل ذلك في المقام الاول من خلال تقسيم عمل وظيفي دقيق، الذي «يخلق مسافة بين الاشخاص، المرتبطين بطريقة ما بالنتيجة النهائية للعمل الجماعي، وبين النتيجة نفسها».

حسب اقوال باومن فانه «بسبب المسافة الفعلية والعقلية لاصحاب المناصب في هرمية البيروقراطية، من المرحلة النهائية للعملية، فانهم يمكن أن يعطوا الاوامر في الوقت الذي لا يعرفون فيه بصورة كاملة نتائجها على الارض، وفي حالات كثيرة يجدون صعوبة في تخيل الى أين سيؤدي تنفيذ هذه الاوامر... تقسيم العملية الى مهمات وظيفية صغيرة وفصلها عن بعضها، يحول فهم نتائج العملية الى امر لا صلة له». النتيجة هي اللامبالاة الاخلاقلية.

حوار الطيارين وطواقم سلاح الجو مع «هآرتس» (ايتي مسيح وران شمعوني، «الى ارض الواقع»، ملحق «هآرتس»، 18/4)، يثبت ادعاءات باومن. في سلاح الجو يحدث فصل بين من يحدد الهدف ومن يصادق عليه، ومن يختار السلاح ومن يحدد كم عدد الابرياء الذين يجب أن نقتلهم، ومن ينفذ الرقابة القانونية، وبين الجميع وبين الطيار الذي ينفذ. هكذا «الطيارون الآن هم مثل العتالين. لا أحد يقوم بحتلنتهم اذا كان يوجد ابرياء»، اقتبس أحد الطيارين السابقين.

التقسيم الوظيفي يرتكز على الثقة. طيار مقاتل في الاحتياط قال: «أنا يجب علي الثقة بأن المسؤول عن اختيار الهدف، وحساب الاضرار الجانبية ونوع السلاح، يفعل ذلك بالشكل الافضل الذي يستطيعه. يمكن أن يكون شخص ما قرر بأن الاضرار الجانبية عندما تكون 10 اشخاص فان هذا امر يمكن التعايش معه، ولكن أنا لا اتعايش مع ذلك بشكل جيد. ولكن هذه بالضبط هي الثقة التي يجب علي حسمها مسبقا قبل القدوم الى هنا».

اضافة الى ذلك، بمساعدة القوات البرية، يجب على الطيار الموافقة على قرار قائد القوة، الذي يرسم الخط الذي كل من يجتازه، حتى لو كان بريء، يستحق القتل. الثقة تبعد الطيارين عن المعضلة الاخلاقية التي يريدون التملص منها. «لماذا ازعج نفسي بأمور لا اثق بأنه يمكنني استيعابها؟»، تساءل احدهم. نتيجة ذلك «مثلما يمر موت الاطفال والنساء في اوساط الجمهور الاسرائيلي وفي وسائل الاعلام فانه يمر على الطيار في سلاح الجو الاسرائيلي»، قال طيار آخر.

الفصل البيروقراطي لا يمكن أن يحدث بدون ثقة في سلسلة القيادة، حتى الحكومة. من هنا يمكن تفهم احتجاج الطيارين، سواء اثناء الانقلاب النظامي أو الآن، حيث يشعرون أن أداء السلسلة تضرر، ولذلك هم يتم دفعهم الى معضلة اخلاقية.

ايضا الآن في الحوار مع «هآرتس» هم لا يتألمون بسبب قتل آلاف الابرياء، بل يقومون من جديد بفحص الهدف الشامل للحرب التي لا تحقق اهدافها وتعرض للخطر حياة المفقوظين وتخدم احتياجات سياسية.

الآن حصلنا على اجابة اخرى على سؤال كيف كان يمكن قتل 30 ألف مواطن مدني تقريبا في غزة، معظمهم من النساء والاطفال، بدون أن يثور تردد حقيقي؟. هذا نتيجة «صناعة التدمير الدقيقة»، وهي المفهوم الذي نقشه افيف كوخافي.

(هآرتس)