خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

»أصوات من أجل العدالة«.. كتاب عن »يهود ضد الصهيونية«

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. جوني منصور (مؤرخ وباحث فلسطيني)

في زمن تخجل فيه العدالة من رفع رأسها على أصوات فوهات مدافع وبنادق تعمل على قتل الأبرياء في غزة وحصد أرواحهم، تبرز على السطح أصوات لا تؤنب العدالة بحد ذاتها وإنما تنادي مباشرة بالمحاسبة التاريخية لدولة وقياداتها تؤمن بالموت وتعمل على تنفيذه بحق الشعب الفلسطيني. ومن بين هذه الأصوات تلك اليهودية غير الصهيونية من مثقفين وأكاديميين ومؤرخين وفلاسفة عرفوا الحقيقة. ومَن عرف أو يعرف الحقيقة ويؤمن بها يسعى إلى تحقيقها والدفاع عنها.

كتاب «أصوات من أجل العدالة» لمؤلفه الدكتور أيوب أبو دية (الآن ناشرون وموزعون، عمّان، 2025) يسطّر بالكلمة والرأي سيرة ومسيرة أكثر من ستين من الأعلام اليهود في العالم وفي إسرائيل، ساروا ولا زالوا في طريق وعر مليء بالمطبات وحقول الغام. لقد اختاروا عن قناعة السير في هذا الطريق وهم يعرفون حق المعرفة أنهم قد يتعرضون إلى الإهانة والإساءة والنبذ والإقصاء وحتى المحاكمة أمام محاكم نصبت على مدخلها ميزان ملاحقة واضطهاد وليس ميزان عدل وعدالة.

بالمقابل، كانت المكتبة العربية وتلك المهتمة بالصراع الإسرائيلي-العربي تعمل على تحييد أو تجاهل أعلام وشخصيات رافضة للمشروع الصهيوني، معتقدة أنهم «ليسوا ضدنا» فلا حاجة لإبرازهم والتشديد على أدوارهم المؤثرة. ولكن تبين للدكتور أبو دية أن هؤلاء يحملون في جعبهم مئات من الأبحاث والدراسات الرصينة التي يمكن الاستفادة منها لتعزيز الرواية الفلسطينية في مواجهة الرواية الصهيونية، وأيضا للكشف عن عمق زيف وتلفيق الرواية الصهيو-إسرائيلية.

ولا بد لي من التنويه والإشارة هنا إلى أنه ومنذ أن ظهرت بواكير الصهيونية وفكرها في نهايات القرن التاسع عشر قد ظهر معارضون لها. لم تأتِ معارضتهم لمجرد إبداء رأي مخالف، إنما من أجل توضيح مسألة في غاية الأهمية؛ بأن الفكر الصهيوني هو اقتلاعي وإقصائي ويندرج ضمن السياقات الاستعمارية والاستيطانية والتي تُعرف اليوم بعنوانها البارز «الاستعمار الاستيطاني». وهذا ما أكدته نشاطات الحركة الصهيونية وأذرعها عبر القرن العشرين وإلى يومنا هذا. وأساس هذا النشاط اللجوء إلى شيطنة الفلسطيني واعتباره من «الحيوانات البشرية»، وهذا ما صرح به وزير الحرب الاسرائيلي إثر أحداث 7 أكتوبر 2023. ثم إبراز مكانة الشعب اليهودي على أنه الأفضل وأنه يستحق العودة إلى وطنه وتحقيق النبؤات التوراتية. ولكن في حقيقة الأمر أن هذه العودة التي عبّرت عنها الصهيونية لم تكن إلا مشروعا استعماريا انساق مع المشاريع الاستعمارية البريطانية والفرنسية وسواها. ويقضي أمرها بإقتلاع السكان الأصليين وإحلال المستوطنين من بلدان مختلفة، ومنهم من ليس يهوديا أو حتى صهيونيا. واستفادت الحركة الصهيونية من أحداث سياسية وعسكرية عالمية لصالح هذا المشروع.

مقابل هذا التيار الصهيوني وداعميه من الحكومات الغربية وهيئات دينية وسياسية في أمريكا وأوروبا ظهرت تيارات يهودية معارضة لها. وعلينا أن ندقق النظر جيدا أن معارضي المشروع الصهيوني يبقون يهودا. فاليهودية ليست الصهيونية. ونحن نعرف جيدا مدى الاختلاط بل الخلط بين الاثنتين. فاليهودية هي ديانة في أساسها يتبعها بضعة ملايين منتشرين في أصقاع العالم، ومن بينها فلسطين. وتعتبر اليهودية من أقدم الديانات التوحيدية أو السماوية، وتركت تراثا ليس لليهود فقط بل لمئات الملايين من المسيحيين الذين يتخذون من العهد القديم للكتاب المقدس مكونا رئيسا لعقيدتهم الدينية وتراثهم وثقافتهم المسيحية. أما الصهيونية فقد تأسست كحركة سياسية غير دينية متسقة مع رياح الاستعمار الأوروبية منذ نهايات القرن التاسع عشر، إلا أنها استغلت الدين اليهودي لتعزز فكرها وارتباطه بأرض فلسطين. وعلينا كعرب أن نفصل كليا بين «اليهودية» و «الصهيونية».

يسطر هذا الكتاب سيرة حياة عدد من المفكرين اليهود، كما أشرنا إلى ذلك، ومن خلال ذكر أعمالهم الفكرية التي تطرقت إلى قضايا نقاشية في صلب الصهيونية ومواجهتها. واكتشف هؤلاء، وقائمة أسمائهم طويلة، أنه لا بد من مواجهة النفاق الصهيوني من منطلق الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، وأن ما فعلته الصهيونية بغطاء داعم من عدد كبير من الدول الغربية، ما هو إلا غير إنساني. هؤلاء بحثوا عن القيم التي تنادي بها اليهودية وفي مقدمتها احترام الآخر والحفاظ على حياته. والطريقة التي تنفذها حكومات إسرائيل ليست مؤسسة أو مبنية على القيم اليهودية.

وباعتقادنا، أن ما أسفر عنه السابع من أكتوبر يعزز عمق الشرخ بين اليهودية كدين وتراث وثقافة وبين الصهيونية الملطخة أياديها بالدم الفلسطيني والعربي. ومن يراجع نصوص هذه المجموعة من الأسماء اللامعة التي جمعها أبو دية يدرك تماما عدم نجاح المشروع الصهيوني في تجنيد كل اليهود للاصطفاف في صفوفه.

والسؤال المركزي هنا: لماذا خرج هؤلاء عن وحدة القبيلة وغرّدوا خارج سربها؟

هل للظهور فقط، أو التظاهر وكسب تأييد عالمي؟ أم إن هناك خلفيات تدفعهم إلى اعتناق فكر العدالة الإنسانية الذي يتم تغييبه، بل إعدامه على مذبح واقع غزة؟

وأنا أعرف عددا من كتابات هؤلاء، بل أعرف بعضهم شخصيا، أستطيع القول بل الجزم، أنهم لا ينطلقون من قواعد مظهرية بقدر ما ينطلقون ويعملون وفقا لأجندة يؤمنون بصدقها. وقد دفع كثيرون منهم الثمن، وفي مقدمته طردهم من صفوف الإجماع الأكاديمي الإسرائيلي. لكن إصرارهم على قول الحقيقة فيه دروس مستفادة للعالم العربي. وأبرز هذه الدروس ألا نحكم قطعا على اليهود جميعا. بل النظر بعمق إلى من هم صادقون في مسيرتهم، وبالمقابل من يعبثون بالحقيقة ويسعون إلى سحق الشعب الفلسطيني لكونهم «شعب الله المختار» أو «الشعب الأفضل».

ونسمع بين الفينة والأخرى، وخصوصا على خلفية مقتلة غزة والفعل الإبادي الجاري هناك، أصوات نورمان فنكلستاين ونوريت بيلد وآلان بابيه وجدعون ليفي ويوديت باتلر وغيرهم يرفضون رفضا كليا كل ما يجري بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، بل ويدعون إلى محاكمة إسرائيل مباشرة.

وقفت يوديت باتلر في مواجهة المؤسسة الأكاديمية الأمريكية ولوحت بشعاراتها، أي شعارات هذه المؤسسة وأبرزها «حرية التعبير عن الرأي"؛ لتكشف زيفها. وتم إبعاد آلان بابيه عن عمله في إحدى جامعات إسرائيل لأنه كشف حقيقة المجازر والمذابح التي نفذتها إسرائيل بحق عدد من مواطني القرى الفلسطينية، وقضية قرية الطنطورة على الساحل الفلسطيني معروفة للجميع.

إذن، نحن أمام مجموعة من الأعلام اليهود المنتشرين في العالم، الذين نقشوا على صفحات حياتهم الدفاع عن الحق الإنساني المتمثل بحق الشعب الفلسطيني في الحياة. هؤلاء يعرفون تماما المأساة التي عاشها اليهود بل عاشتها اليهودية في المحرقة زمن الحرب العالمية، إلا أنهم يعرفون أيضا أن عليهم واجب أخلاقي وإنساني في التصدي لسياسات إسرائيل العدوانية والعنصرية الأبارتايدية التي تقوم بها ضد الشعب الفلسطيني. وسؤال هؤلاء المطروح هو: كيف يمكن لشعب تعرض إلى كل أصناف العنصرية والعرقية النازية بسنوات قليلة من نكبة الشعب الفلسطيني أن تقوم الحكومة الصهيونية بفعل مماثل، بل أسوأ؟ إنه سؤال لا يميل إلى الفلسفة والتفلسف بقدر ما هو مواجهة للقيم الأخلاقية والانسانية. هؤلاء الأعلام من خلال نصوصهم يدافعون عن الحق والحقيقة ويواجهون بقوة كل الملاحقات والمضايقات التي تطبق عليهم.

ما يسعى إليه أبو دية هو تعريف القارئ العربي على مجموعة ليست بقليلة من مناصري حقوق الإنسان والداعين إلى تطبيق العدالة وعدم الكيل بمكيالين. والتعرف على فكر الآخر هو مبدأ وقاعدة في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني الذي بدأت الحركة الصهيونية بتنفيذه منذ أواخر القرن التاسع عشر وما تزال حكومة إسرائيل الحالية وبرلمانها يسعيان إلى مزيد من التمدد على حساب الأرض العربية المحيطة.

إنّ معرفة فكر آخر مغاير ومعارض للمشروع الصهيوني، وخاصة من داخل المجتمع اليهودي، هو ثروة للعرب في سبر أغوار التيارات الفكرية المناهضة للمشروع الصهيوني، وكشف ظلامية الفكر الصهيوني. لذلك أُهنئ الباحث الموسوعي والمثقف د. أيوب أبو دية على مشروعه الفكري التعريفي هذا، الذي سبقه ثلاث موسوعات، هي: موسوعة أعلام الفكر العربي الحديث والمعاصر، وموسوعة ملخصات أمهات التراث في الإنسانيات، وموسوعة ملخصات أمهات التراث في علوم الطبيعة والطب والصيدلة، إضافة إلى أعماله الهندسية والعلمية والفكرية الأخرى.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF