خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

العلامات البصرية للمكان في »حارات شرق الحاووز« لناصر الريماوي

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
زينب السعود (كاتبة أردنية)

المكان حاضن الوجود الروائي تماما كما يحتضن الوجود الإنساني، وهو العنصر البارز في عالم السرد الذي يمكّن النص من الحياة ويضفي عليه مصداقية وواقعية تحتال على عقل القارئ وتسحبه إلى عالمه، مندغما مع الحكاية متمشيا في الأزقة والشوارع أو حتى الغابات.

وإلى الأزقة والحارات والشوارع الضيقة المسفلتة حينا، والترابية حينا آخر، والمليئة بالحفر والحصى حينا ثالثا يأخذنا الكاتب ناصر الريماوي في رحلة عبر المكان في روايته «حارات شرق الحاووز»، في سيرة تكاد تكون كمقطع عرضي لمدينة الزرقاء الأردنية واضعا لها تحت مجهر التحليل والتفصيل والوقوف على بنود الاتفاقية التي يشترك فيها الزمان والمكان لرسم صورة قد تبدو أحيانا ذهنية بحتة لكنها لا تلبث أن تتحول إلى مطلقة التجريد ومنتهى الواقعية.

إن البحث في العلامات البصرية للمكان في «حارات شرق الحاووز» يحيلنا إلى تلك السيمائيات التي اعتنت بالمكان وجعلته فاعلا ومؤثرا بشكل كبير، وأصبح في هذه الرواية نسقا ثقافيا يتلمس ملامح الحياة والإنسان الفاعل داخل أمكنة السرد التي دخلناها مع ناصر الريماوي بواقعية من عاش فيها وعاشت فيه. إنها الزرقاء المدينة الأردنية المزدحمة بكل شيء، بسكانها وشوارعها وحاراتها وأزقتها وضواحيها الجديدة، المزدحمة بالمتناقضات كما تزدحم بأناس تجمعهم ذاكرة واحدة وأمل واحد أن يكون شارع السعادة الأكثر شهرة في مدينة الزرقاء إشارة يأخذون منها الفأل الحسن، ولكنه لا يأتي دائما كما كل شيء في الحياة.

في العتبات الأولى للرواية يواجهنا السارد بالعلامة البصرية الأولى للمكان عبر قوله: «خلف هذا الجدار والذي تقشر منذ زمن بعيد تركت ألعابي وألبوم جرائدي الأول»، حيث تشكل كلمة (الجدار) علامة لها دلالة الحاجز المكاني الذي يخفي وراءه أزمنة وامكنة شكلت معارك النفوس ونزالات القلوب مع الحياة والزمن، ثم يقول في موقع آخر من الرواية: «رحل الجميع إما إلى الضواحي الجديدة وإما إلى مثواهم الأخير وظل المكان».

ودائما سيظل المكان سيد الحكاية وعلامتها البارزة وجامع خيوط السرد والمعين الذي تخرج منه تفاصيل السارد ولا تلبث أن تعود إليه. ففي «حارات شرق الحاووز» يبدأ السارد من (زقاق الداية سكينة) الذي كان واحدا من الأمكنة الضامرة وسط حارات الزرقاء الغائرة ببيوته المطلية بألوان عشوائية ظلت مطبوعة في الأذهان لتشكل علامة للذاكرة البصرية التي لا تنفك تستعيد ما كان من ماضٍ في هذه الأمكنة، امتزجت بها روح ساكنيها فتكاد أن تتأنسن في وصف الريماوي لها كأنها لوحة من فسيفساء الأشخاص الذين امتزج وجودهم بالمدينة وأحيائها حتى صاروا ج?أها الأصيل (أم ونوس بثوبها الأسود القاتم، وبناتها الثلاث المستنسخات لمظهرها، وحسين النجار المصري، والحاجة رئيفة والحاج أبي سامي، وغيرهم).

في هذه الرواية يبدو سؤال (لماذا المكان؟) ضئيلا أمام عمل أدبي كُتب من أجل المكان، وتكلف كاتبه عناءه من أجل أن يقول أن المكان أيضا قد يكون بطل قصصنا الروائية كما الواقعية، ومن يعرف مدينة الزرقاء الأردنية وتركيبتها البشرية والاجتماعية يعرف أنها بحق مكان البطولة الروائية في رواية «حارات شرق الحاووز».

والرواية تحتفي بتوثيق المكان كنسق ثقافي وعلامة تبصرها العين فتستدل على مكنونات البشر الذين يتنقلون فيه ويتساءل الكاتب في غمرة احتفائه بالمكان وتفاصيله: «أية علامات فارقة أخرى في ملامح الحي؟». إنه الخوف من إغفال سمة مكانية ما فالتفاصيل في توثيق سيرة الأمكنة بالغة الأهمية، إذن لا ضير من ذكره لأبواب الزينكو المتناثرة على جوانب الأزقة ونوافذ المطابخ الصغيرة لبيوت يعزلها السياج المعدني عن الشارع، تعطر المكان بروائح الطعام، معرجة على العتبات والمضافات الخارجية تبخرها بحوسات البصل المنبعثة وقت الظهيرة. ومع استمرار السرد تتعرض الأمكنة للتغيير كما الحياة نفسها، لكنها لا تفقد روحها في الزرقاء، وربما هذا يحدث في مدينة الزرقاء وفي كثير من الجغرافيا الأردنية فالتغيير مهما طال المظهر الخارجي تبقى ذاكرة المكان الحقيقية راسخة ومتأصلة رغم محاولات التغيير، فالكرابيج الحلب -مثلا- جزء أصيل من ذاكرة المكان وإن تبدل اسمها وخضع للزمن (المودرن).

إنها التفاصيل إذاً هي التي تملأ العين وتملأ الذاكرة وتشكل سيمائية بصرية دالة على أن المكان أيضا قد يكون قضية في الأدب.

لقد استطاع الكاتب ناصر الريماوي تحويل سيرة «حارات شرق الحاووز» إلى نسق تواصل مختلف عن الأنساق اللسانية المعروفة وأصبحت جغرافية الأمكنة هي الشاهدة على تلك السيرة بكل ما فيها من تفاصيل حيث توثيق المكان، الزرقاء بحاراتها وقصص قاطنيها علامة دالة على أن للمكان بصر وبصيرة.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF