كتاب

مرة أخرى.. نحن بحاجة إلى وزارة لمحاربة المغالطات الصحية والطبية

في سبتمبر الماضي، كتبنا في صحيفة «الرأي» الغراء تحت عنوان «نحن بحاجة إلى وزارة لمكافحة مغالطات السوشال ميديا» حول ضرورة إنشاء وزارة تكافح المغالطات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تشكل سموما تهدد عقول الشباب الأردني.

أمس، أرسل لي صديق مقطعا من بودكاست يتحدث فيه شاب عن أن الإعلانات التي تحذر الأردنيين من السرطان وتوعيهم بأنماط الحياة الصحية التي تحميهم منه، تؤدي في الواقع إلى ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان! إذ يدعي المتحدث أن هذه الإعلانات تجعل الأطفال يصابون بالورم مستقبلا!

الأدهى من ذلك أن هذا «المتحدث العبقري» انتقد توسيع خدمات علاج السرطان، وكأنه يريد من الدولة الأردنية أن تتخلى عن مرضى السرطان وتتركهم لمصيرهم المحتوم!

ما شاهدته في هذا المقطع هو كارثة حقيقية، وهو جزء من ظاهرة «إسهال البودكاست»، والتي تقدم لنا أشخاصا ليس لهم أي علاقة بالموضوع الذي يتحدثون عنه. حتى كلمة «حكواتية» لا تنطبق عليهم، لأن أسلوبهم السردي سيئ وضعيف.

الأردن من أكثر الدول تقدما في علاج السرطان، ومركز الحسين للسرطان هو مؤسسة عالمية يشهد لها القريب والبعيد، ويتوافد إليه المرضى من مختلف الأقطار، وخاصة العربية، لتلقي العلاج فيه.

ولا توجد دولة أخرى في العالم، ذات ظروف اقتصادية -صعبة وهو أمر ليس سرا- مماثلة للأردن، تقدم تغطية علاج السرطان لجميع مواطنيها مجانا. فهذا إنجاز لا مثيل له.

افتتاح أقسام جديدة لعلاج السرطان في الأردن، سواء في مركز الحسين للسرطان أو مستشفيات وزارة الصحة وغيرهما، هو دليل على استثمار الدولة في القطاع الصحي ورفاهية مواطنيها.

أما ازدياد نسب الإصابة بالسرطان في الأردن فله سببان رئيسيان: الأول هو التطور في التشخيص، فقد أصبح الطب في الأردن متقدما، وأصبح التشخيص يماثل ما هو معمول به في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا. وقبل 20 عاما، كان الشخص يصاب بالسرطان ويموت دون أن يعرف أحد السبب، أما اليوم فيتم تشخيصه في مراحله المبكرة.

أما السبب الثاني فهو ارتفاع متوسط العمر، إذ بفضل الرعاية الصحية المتقدمة للأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، أصبح الأردنيون يعيشون لفترة أطول، وبالتالي تزداد فرص إصابتهم بالسرطان، لأنه مرض مرتبط أساسا بتقدم العمر.

في دول أخرى، لا يصاب الأفراد بالسرطان ليس لأنهم محصنون منه، بل لأنهم يموتون مبكرا بسبب الأمراض المعدية أو السكري وارتفاع ضغط الدم، فلا تتاح لهم فرصة ورفاهية العيش طويلا للإصابة بالسرطان!

هذا الطرح المضلل يسيء للأردن وأطبائه وشعبه، كما أنه يشوه سمعة السياحة العلاجية. تخيل مريضا عربيا أو أجنبيا يفكر في زيارة الأردن للعلاج، ثم يسمع هذا البودكاست، فهل سيظل يرغب في العلاج هنا؟!

نحن بحاجة إلى وزارة لمحاربة المغالطات الصحية، ويجب أن تكون محاربة «الضلالات الصحية» عملية مؤسسية، تبدأ أولا بدعم المحتوى الطبي الرصين، الذي يقدمه أطباء أردنيون أو مؤثرون يتبعون النهج العلمي.

ثانيا، يجب أن تتولى هذه الوزارة الترويج للسياحة العلاجية في الأردن عبر التعاون مع المؤسسات الإعلامية والمؤثرين العرب والأجانب، لتعزيز صورة القطاع الصحي الأردني.

ثالثا، يجب أن تتابع هذه الوزارة المحتوى المنشور وتواجه من ينشر معلومات تسيء للأردن وقطاعه الصحي، فإما أن يتراجع، أو يتم اتخاذ إجراءات رادعة بحقه وفق القانون الأردني.

القول إن «الأردن يعمل على رفع نسبة السرطان» هو إساءة لجهود عشرات الآلاف من الأطباء والممرضين والكادر الصحي، واستهتار بجهود الدولة الأردنية وقيادتها الحكيمة، والتي بفضلها يتم تقديم هذه الرعاية الصحية المتقدمة في علاج السرطان، للأردنيين جميعا، الغني والفقير، أبناء المدن وأبناء القرى وأبناء المخيمات، ومؤسسة الحسين للسرطان أكبر شاهد على ذلك.