في رحاب آية قرآنية
أ.د. عبدالرحيم الشريف
أستاذ التفسير كلية الشريعة- جامعة الزرقاء
قال الله تعالى: ((إِذْ نَادَى رَبّهُ نِدَاءً خَفِيَّاً)) - سورة مريم: 3
تسمَّى سورة مريم: سورة المواهب (أي الهدايا)، لما في ثناياها من الهدايا الإلهية الموجهة إلى العباد على صيغة الإرشاد لهم، من ذلك إرشادهم إلى الطريقة المثلي لمناجاة اللهم تعالى الخالق الرازق، بدعائه واستمطار رحمات رزقه.
وبحسب التوجيه الإلهي المتمثل بالتنويه العملي لدعاء النبيّ الكريم زكريا عليه السلام، فإننا في دعائنا لا ندعو أصمَّاً (وحاشاه جلّ جلَاله)، بل إننا لا نحتاج رفع صوتنا أثناء طلب الحوائج، حتى تلك التي تبدو مستحيلة، فـهمسة التضرع تكفي لأن تهتزّ لها أبواب السماء، فانظر كيف كان نداء زكريا خفياً في السر، حين ذكر بصوت خافتٍ كل همومه ومخاوفه التي اختلطت بيقين استجابة الله لتحقيقها؛ لأنه يعلم بأنه يخاطب إلها خبيرا بالقلب النقيّ، سميعاً للصوت الخفيّ، لذا جاءت الإجابة فوراً: «إِنَّا نُبَشِّرُكَ».
وقد تكون بشارة النبيّ زكريا عليه السلام جاءت بالوحيِ، وأما المؤمنون من غير الأنبياء فكيف لهم أن يعرفوا هل يبشّرون بالإجابة أم لا؟. الجواب: تعلّمنا هذه الآية كيف نجمع بين الأمر الجلل الذي أشير إليه بقوله تعالى: «نادى» والنداء يكون بصوتٍ عالٍ، ولكنه هنا جمع بين الخطب الجلل و«خفيًّا»، مما يعني: قربُ الرّبّ من مولاه، إذا هو ناجاه، أما الشارة فاعلم أنّ دعاءَك قد وصلى باب السماء من حينه، والله يختار لك ما يصلىح حالك، فأرح بالك!!.
إشراقات من السيرة النبوية
وسائل النبيّ صلىي الله عليه وسلم في تعليم وتربية الأجيال
أ.منذر أبو هواش القيسيّ،
باحث
مليئة هي السيرة النبوية الشريفة بالمواقف الفريدة وذات الأبعاد التربوية والتعليمية، ولا عجب!!، فكلّ الإرث النبويّ علمٌ يدعو إلى عمل، وعمل ينبني على علم، وفي كلا الحالين، يتحصّل لدينا: تربية وتعليم.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على تعليم أصحابه بأساليب تربوية متنوعة، تسهّل الفهم وتثبّت المعاني وتوصلى المعلومة، وتكون تلك الأساليب هي الخطة الدراسية التي تسير عليها الأمة من بعده. ومن أهم تلك الوسائل:
1. التكرار والتأني في سرد الكلام: حيث كان يُعيد الكلام ثلاث مرات لتأكيد الفهم، تقول عائشة رضي الله عنها: «لم يكن يسرد الحديث كسردكم» (رواه البخاري).
2. عدم التعرّض لمسببات الملل: فقد كان يتحيّن أوقات التعليم بحكمة حتى لا يشعر الصحابة بالضجر، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: 'كان النبيّ صلىى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا' (رواه البخاري).
3. ضرب الأمثال: في توضيح المعاني وتقريبها للأذهان، يأتي ضرب الأمثال، من ذلك قوله صلىى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير» (رواه البخاري).
4. طرح الأسئلة لإثارة الانتباه: مثل سؤاله عن المفلس الذي يعرف معناه الحاضرون، ولكنّ السؤال يأتي لإقرار أمر مستجد في الأذهان، ليبين لهم، أنّ المفلس الحقيقي، ذلك الذي يأتي يوم القيامة بحسنات كالجبال تؤول إلى غيره سدادا لأعماله التي أنقصت أجره، حيث ظلم الناس وأخذ حقوقهم وتعدى عليها في الدنيا.
5. التوضيح بالحركة والرسم: كتشبيكه بين أصابعه عند الحديث عن ترابط المؤمنين، ورسمه على الأرض لشرح الصراط المستقيم.
6. التعليم العملي: كصعوده المنبر ليعلم الصحابة كيفية الصلىاة.
هذه الوسائل النبوية نموذجًا فريدًا في التربية والتعليم، مما يجعلها مرجعًا في تطوير أساليب التعلم الحديثة، ومن يقرأ سية النبيّ الكريم صلىوات الله وسلامه عليه، يجد نفسه على هضبة كلّها ورود تستحقّ الورود، وما فيها إلا العطر الفواح، والخير المتاح، والأدب العميق، والتأدّب بأسلوب دقيق رقيق.
نافذة على التاريخ الإسلامي
الثورة العربية الكبرى والحفاظ
على بيضة الإسلام (2/2)
ومن الأمور والأحداث التاريخية، التي تُجدي نفعا كبيرا لرؤية أوسع، ولرأي أنصع، مما يتعلق بالثورة العربية الكبرى، ويلزمنا قراءتها بمجموعها معا لنتمكن من فهم المشهد، وقراءة خطوطه العريضة، لنعرف حاضرَنا ومن بعده مستقبلنا، ما يأتي:
أولا: في تاريخ: (28يوليو 1914- 1918) بداية الحرب العالمية الأولى: وهي الحرب التي شملت العالَم بأسره، ودخلته الدولة العثمانية مع أحد طرفي النزاع، ثمّ قامت بتجنيد إلزاميّ وفوريّ للشبان العرب الذين كانوا بالأمس ممنوعين من التثقيف، ويدفعون الضرائب التي أثقلت كواهل آبائهم، وغير ذلك من أحوال الضعف التي كانت لا تؤهلهم لدخول حرب طامّة وعامّة ليس لهم فيها قمحة ولا شعير، ولا غنيمة ولا نفير، ولا بقرة ولا بعير.
ثانيا: في تاريخ: (1916: اتفاقية سايكس وبيكو) وهي معاهدة سرّيّة تنصّ على تقسيم الدول العربية إلى أنصبَة تكون من نصيب دول الحلف الذين يقاتلون دول المحور التي تشكل الدولة العثمانية جزءا من ثلاثية دول المحور، مما يعني: ضمان الانتصار على المحور، فيلزم تقسيمه بعناية مسبقة.
ثالثا: لم تكن الدول العربية في الدولة العباسية ولا من جاء بعدها، موحّدة في وحدة سياسية واحدة بل كانت في ذلك مقسّمة، ولكن كان: (لسان الضاد يجمعها.... بغسّان وعدنان) وهذا اللسان العربيّ المرتبط بالقرآن الكريم، كان يحقق في الأمة العربية من وحدة الحال الشيء الكثير، ولأنّ هذه التقسيمات يظنها البعض نتاجا لإنهاء الخلافة العثمانية، أو أنّ الثورة العربية لم تتمكن من جمعهم – وقد حاولت بعناية فائقة- إلا أنّ القوة منعت ما كان يتطلع إليه الشريف الحسين بن عليّ.
رابعا: عام: (1916 وعد بلفور): فالوعد الذي قطعته على نفسها بريطانيا لإعطاء فلسطين لليهود، كان في فترة الدولة العثمانية وهو ما يغفل عنه كثيرون ممن يقرأون التاريخ، بمعنى: أنّ الخبر ملأ الدنيا فيلزم عملية استباقية تمنع الكارثة، وما وصية الشريف الحسين بن عليّ أن يدفن في باحات المسجد الأقصى سوى إشارة إلى دفاعه عن المسجد الأقصى حيًّا ودفاعه عنه ميّتٍا.
خامسا: (عام: 1924): حضور كبار تجار الهند للباب العالي ومفاوضة جمال أتاتورك لعدم إعلان إنهاء الخلافة، فادعى أنه سيقوم بإنهاء الخلافة بسبب الديون على الدولة، فاستعدوا بسداد كافة الديون وإغداق المال على الدولة، وعلى إبقاء الاسم ولو من دون المسمّى، فأبى، وأعلن إنهاء الخلافة.
سادسا: (1917 إعلان الثورة العربية الكبرى): أثناء الحرب العالمية الأولى مع مشاهد الاستنزاف للأمة، وكثرة الاستنجادات بشريف مكة لإنقاذ الأمة من شراك حرب ضروس، وقيادات الدولة العثمانية متجهة إلى التتريك وترك الأمة وراءها، في مشهد محزنٍ لا تكفي فيه الدموع لإيقافه، يومها عزم وتوكل على الله الشريف الحسين بن عليّ وأعلن قيام الثورة العربية الكبرى من أقدس بقعة عند المسلمين: (مكة المكرمة).
سابعا: حصلىت مواجهات بين جزء من الجيش العثماني المتبقي في البلاد العربية الذي لم يستطع أن يمنع ولا أن يحمي الدول العربية من تقسيمات سايكس وبيكو، والذي كان ما زال ينتزع الشبّان من المدن والقرى والبوادي وإلحاقهم إلى الجبهة لمواجهة مصير اللاعودة مع دول الحلفاء، وقد يكون بعضُ الذين كتبوا التاريخ شنّعوا بالجيوش العربية وخصوصا في فلسطين وأنهم فعلوا أشياء مع جيش العثمانيين المنسحب، وتلك أمور لم تثبت تاريخيا، خصوصا أنّ الثورة العربية كانت بمجموعات توطد الحكم الجديد وليس من مصلىحتها النزاع وهي تستعد لمواجهة الاستعم?ر المرتقب.
للثورة العربية الكبرى شأن عظيم في بناء تاريخ العرب المعاصر، وهو أمر يغضّ الطرف عنه بعضُ كتّاب التاريخ، لأسباب منها: النظرة العاطفية البعيدة عن الدراسة المتأنية، وبالعوم فإنّ الثورة العربية الكبرى ستأخذ حيّزا أكبر من التاريخ الإسلاميّ مستقلا، لأننا كلما تباعد الزمان كان لسان المنصفين أشدّ أزرًا، ولسان المناكفين قد انطفأ.
الثورة العربية الكبرى.. لم تكن ثورة قومية لا تعني الاهتمام بالمسلمين، كيف وشريف مكة شخصية إسلامية بامتياز، إلا أنّ القائمين بها من العرب، فأخذت الصبغة العربية، كما أنّ الأحداث الأخيرة في الدولة العثمانية اكتوى الشباب العرب من نِير القرارات الجائرة. وحتى لا أسترسل، سأذكر مثالا واحدا: كان المبدع من الشباب العربيّ في كلّ مهنة وصنعة، يؤتى به إلى الباب العالي، فينتفع به أقوام ويُحرم منه قومه وقريته ومدينته، وفي ذلك مضرّة.
وقراءتنا للتاريخ لا تجعلنا نهضم حقّ الدولة العثمانية يوم كانت تعنى بشؤون المسلمين، وهو الذي جعلها تستمرّ قرونا، آلت إلى الضعف ثمّ إلى سنّة الله في الكون. فكانت الثورة العربية الكبرى تجديدا للأنفاس وإنقاذً للأنفس.
قضايا مجتمعية
أهمية العمل التطوعي في بناء المجتمع
أ. عائشة امباشر
ليبيا
من المعلوم أنّ العمل التطوعي من أرقى صور العطاء التي تُسهم في بناء مجتمع متماسك يسوده التعاون والتراحم. فهو نشاط إنساني يعكس روح المسؤولية والإيثار، ويساعد في تحقيق التنمية المستدامة من خلال جهود الأفراد والجماعات.
وفي ظلّ ما نعايشه من تحديات اجتماعية واقتصادية، برز التطوع كضرورة تنسجم والتكافل الاجتماعي وتحقق النفع العام للمجتمع.
والعمل التطوعي هو: كل جهد يبذله الفرد أو المجموعة لخدمة المجتمع دون انتظار مقابل مادي. كتقديم المساعدات للفقراء، المساهمة في حملات التوعية الصحية، دعم التعليم، والحفاظ على البيئة. وينقسم إلى: فردي يقوم به الشخص بمبادرة ذاتية منه، وعمل تطوعي مؤسسيّ تنظمه الجهات الحكومية أو الجمعيات الخيرية.
كما يأتي أثر العمل التطوعيّ كبيرًا، حيث يبدأ أثره الإيجابيّ على المتطوع نفسه، فيعزز لديه الشعور بالمسؤولية والانتماء للمجتمع، ويُكسبه مهارات حياتية جديدة مثل: القيادة والتواصلى والعمل الجماعي. كما يساعد في تنمية الشخصية من خلال تعزيز قيم العطاء والإيثار، فضلا عن كونه وسيلة لاكتساب خبرات عملية تفتح آفاقًا وظيفية في المستقبل.
والعمل التطوعيّ بمفهومه المجتمعيّ الإنسانيّ، هو ركيزة أساسية في بناء المجتمعات القوية، حيث يسهم في دعم الفئات المحتاجة، وتحقيق التنمية الاجتماعية من خلال تحسين الخدمات في مجالات الصحة والتعليم والبيئة. كما يُعزز روح التضامن بين أفراد المجتمع، ويقلل من الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، مما يؤدي إلى مجتمع أكثر استقرارًا وتماسكًا.
وقد حثّ الإسلام على العمل التطوعي وجعل منه عبادة عظيمة تؤجر عليها، فقد قال الله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى» «المائدة: 2. كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قدوة في التطوع، حيث كان يساعد الفقراء، ويعطف على الضعفاء، ويشجع أصحابه على البذل ومساعدة الآخرين، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس».
ولزيادة انتشار الوعي بثقافة التطوع، يجب على المؤسسات التعليمية توجيه الطلاب نحو الأعمال التطوعية، إلى جانب دور الإعلام في نشر الوعي حول أهمية التطوع. كما يمكن للحكومات والشركات دعم المتطوعين من خلال تقديم الحوافز، وإنشاء منصات تُسهل المشاركة في الأعمال التطوعية التي تجعلنا نترك بصمة في حياة الآخرين، وذكرى طيبة تبقى إلى حين، فضلا عن الحسنات عند ربّ العالمين.
وعندما يبذل الإنسان وقته وطاقته لمساعدة غيره، فإنه يسهم في بناء مجتمع أكثر رحمة وتكاتفًا. ولربما يكون الفعل بسيطًا من المتطوع، لكنه يصنع الأمل الذي يحتاجه شخص ما.
فكن أنت ذلك النور الذي يضيء طريق الآخرين، المبادر بالعطاء، فالعطاء لا يُقاس بحجمه الذي نراه بالعين المجردة بل بأثره في القلوب، وخاصّة لمن أعطاهم الله مهنة رعاية الإنسان في مجال الطبّ، فإنه سوف يشعر بسعادة عارمة وهو يعالج الآخرين متطوّعا، ولو من زكاة وقته فيبارك الله له في عمره ووقته، هذا مثال ينطبق على كلّ المهن والخبرات والقدرات.
لطائف من مشكاة النبوة
شرف قيام ليلة القدر
عَنْ أَبي هُريرةَ رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمانًا واحْتِسَابًا، غُفِر لَهُ مَا تقدَّم مِنْ ذنْبِهِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
يصفُ النبيُّ صلىى الله عليه وسلم صيامَ شهر رمضان وقيامَه: «إيمَانًا». وذلك من الأدلّة على أنّ الأعمال من الإيمان، وهو أمر يرقّي العبدَ وهو يعمل ما يحقق الإيمان في قلبه، فيزداد بالعمل إيمانا، ويزداد يقينا وهو يحتسب أجره عند ربّه،
قال الإمام أبو الحسن ابنُ بطّال: (ومعنى قوله: إيمانًا واحتسابًا: مصدِّقًا بفرض صيامه، ومصدقًا بالثواب على قيامه وصيامه، ومحتسبًا مريدًا بذلك وجه الله، بريئًا من الرياء والسمعة، راجيًا عليه ثوابه). ا.هـ.
ومن أعظم مزايا موسم الخيرات في رمضان، أمران: الأول: تنوع الطاعات وأهمّها وجود الإخلاص مقترنا بالصيام، فهي عبادة لا يطلع عليها سوى الله تعالى، فإنه لا أحد يمكنه أن يطلع على ترك أحدنا لفعل شيء فتأمّل!!. الأمر الثاني: تمدّد الموسم لشهر كامل، فمن فاته العشر الأوّل فهناك العشر الأوسط والأخير، وحتى من فاته الشهر لانشغاله بواجبات أخرى فهناك ليلة منه لا تفوته، فإنّه إن أدركها بلغ الذروة في عامه كلّه.
ولعظيم شأن ليلة القدر، التي هي اسم على مسمّى، جاءت على غير تحديد، ولو تحددت لحزن حزنا شديدا من فاتته، وقد يُعجب بعمله من أدركها، والعجب محبط للعمل، فكان إخفاؤها عن العباد رأفة بهم. فما علينا سوى المسارعة في تحريها بقيام الليالي العشر ما قدرنا، ففي ذلك 'فلْيتنافس المتنافسون'.
ابتهالات ودعاء
اللَّهُمَّ احفظنا من بين أيدنا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا، اللهم اجعلنا لك من العابدين، واجعلنا في الدنيا من الزاهدين، وارزقنا فيها القناعة منها، وبارك لنا فيما آتيتنا، وأصلىح لنا الذريّة والنية، وتقبل من الأعمال والصيام والقيام، واجعلنا ممن أدرك ليلة القدر قائما قانتا آناء الليل.
اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنّا يا كريم، اللهم ارزقنا بالحلال ما يغنينا عن الحرام، وارزقنا برّ آبائنا وأمهاتنا، واغفر لنا ما قدَّمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنّا واجعلنا لك من التائبين، ومن ورثة جنة النعيم، واغفر لنا ولوالدينا ووالد والدينا ومن له حقّ علينا.. آمين.
اختيارات فقهية
الإقبال والقدوم على الله تعالى
الدكتور/ أحمد نمر حمام
اختصاص تفسير القران الكريم وعلومه، عضو رابطه علماء الأردنّ.
الإقبال على الله بالطاعات، أحد أهمّ الركائز في تثبيت الإيمان في القلوب، وزيادة سعادة الإنسان وهو يشاهد جوارحه تسعى لفعل الخيرات وترك المنكرات امثالا لأوامر الله تعالى، وفي كلّ الحالات لا بدّ من استحضار النية في غالبها وأحيانا تكون النية شرطا في العمل، كما أنّ الأعمال التي يراد منها الإقبال على الله تعالى، لا بدّ من أن تكون موافقة للقرآن والسنّة، أو تندرج تحت أمر عام: كالأمر بالصدق والعفاف والأمانة، فكلها أمور أمر بها الشارع الحكيم.
ويأتي الإقبال على الله تعالى في الدنيا، فيهيّئ النفس للقدوم على الله تعالى في الآخرة. والقدوم على الله يتأتي بمعرفة الاستعداد التامّ للقاء الله في الآخرة، ويتضمن ذلك: أعمال الخير وعموم الأخلاق الحميدة.
ولتوضيح كيفية تحقيق الفوز في الحياة الآخرة من خلال العمل الصالح في الدنيا والعمل بمرضاة الله تعالى، لا بدّ من معرفة ما يسهل ويساعد الإنسان للقدوم على الله باليقين الجازم وحسن الظنّ به سبحانه. فرحلة اليقين بالله مستمرة، وتتطلب جهدًا وتفكرًا وتجربة، لتزيد من قوة الإيمان والصلىة بالله، وتجعل الحياة أكثر سعادة وراحة.
وقد ذكر العلماء أن لليقين ثلاث مراتب: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.
واليقين بالله هو الإيمان الراسخ والثقة المطلقة بقدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته. وهو من أعظم الصفات التي يمكن أن يتحلى بها المؤمن، وله فوائد جمة تحقق معاني الإيمان الصحيح، ومن هذه الفوائد:
1. طمأنينة القلب وراحته: فاليقين بالله يمنح القلب طمأنينة وراحة لا تضاهيها أي راحة أخرى، فالمؤمن يعلم أن الله معه في كل لحظة، وأن كل ما يحدث له هو بقضاء الله وقدره. قال تعالى: 'أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ' (الرعد: 28).
2. قوّة التوكل على الله: فالمؤمن يعلم أن الله تعالى، هو المدبر لكل شيء، وأنه لا يَحدث شيءٌ في الكون إلا بإذنه، وأنّ التوكل عليه في فعل الطاعات وغيرها من شؤون الحياة من ثمرات الإيمان، قال تعالى: 'وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ' (المائدة: 23).
3. الثبات على الحق: فاليقين بالله، يمنح المؤمن الثبات على الحق، فلا يزعزعه شيء عن دينه وعقيدته، مهما كانت الظروف والتحديات، قال تعالى: 'يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ' (إبراهيم: 27).
4. حسن الظن بالله: قال صلىى الله عليه وسلم: 'قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني' (متفق عليه).
5. قوة العزيمة والإرادة: فيسعى العبدُ لتحقيق أهدافه وغاياته، ولا يستسلم لليأس والإحباط. قال تعالى: 'فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ' (آل عمران: 159). وكلّ الذي مضى من أعمال القلوب، هو أحد ثمرات الإيمان الراسخ في قلب المؤمن، وتلك أمور متى تحققت دفعت المسلم لإظهار شعائر الإسلام، فتراه يقوم إلى الصلىاة بهمة، ويزكّي ويتصدق، وكله يقين أنّ الله سيبارك له في ماله، ويصوم وهو متوكل على الله أنّ الله سيرزقه عوضا عن ساعات لم يعمل بها رجاء مقدرته على الصوم، ويحجّ متو?لا على الله في ذهابه وإيابه.