كتاب

سندويش فلافل بمقالي زهرة

عيادة دكتوري تقع فوق متجر عائلته الكبير للخضار والفواكه، وهو محل تمتلكه عائلته منذ أكثر من 50 عاما. ابنهم سافر ودرس الطب، ثم عاد واستأجر شقة صغيرة فوق المتجر، ليعالج مرضاه، وأنا واحد منهم.

دكتوري يعمل في الطب، ولكن «خبزه وأكل عيشه» يأتي من متجر الخضار، فهو تاجر مرّ! وأظن أن حصوله على شهادة الطب كان نوعا من البرستيج.

كشفيته دينار واحد فقط، ولذلك أنا متأكد أنه لا يعتمد على الطب كمصدر دخل أساسي. وعلى الأرجح، اختياره لهذا الموقع كان بهدف البقاء قريبا من تجارة العائلة والإشراف عليها.

- لديك اضطراب في الأمعاء، قال لي دكتوري.

- نعم، أجبته.

- عليك بتناول الزهرة.

خلال مراجعاتي المتكررة لدكتوري في السنوات الماضية، لاحظت أن توصياته الغذائية تتأثر بما يُعرض في متجر الخضار أسفل عيادته. قبل شهرين، استوردوا شحنة بطاطا لم تلقَ استحسان الزبائن، وعندما زرته آنذاك وشكوت له من التعب نتيجة ما أظن أنه زيادة في وزني، نصحني بتناول البطاطا!

استغربت وقلت له: بطاطا؟ البطاطا تسبب السمنة يا دكتور!

أجابني بثقة: لا، هذا خرافة، البطاطا هي أفضل صديق للحمية!

وقبلها بشهر، كان لديهم شحنة فلفل هندي، وعندما زرت دكتوري، بدأ يقنعني بفوائده المذهلة في تحسين نضارة البشرة!

لذلك، عندما رأيت الزهرة تُعرض بكثرة على أربع بسطات في المتجر، كنت متأكدا أنه سينصحني بها.

- ألا تلاحظ يا دكتور أن توصياتك الغذائية تتأثر ببورصة الخضار في محلكم؟

- أبدا!، أجاب بعصبية.

لم أجادله، فلا يوجد طبيب آخر في المدينة يتقاضى كشفية دينار واحد فقط، وطالما أنني منتبه لـ'مؤامراته التسويقية»، فلا ضرر في ذلك!

- ما أفضل طريقة لأكل الزهرة؟، سألته.

صمت لوهلة وكأنه فوجئ بسؤالي، ثم قال: مقلية.

كلمته أعادتني 30 عاما إلى الماضي، عندما كنت طالبا في المدرسة. كان هناك مطعم أبو جاسر -وكان رجلا وسيما بشعر ناعم كثيف-، والذي يبيع سندويشات فلافل مع الزهرة المقلية. كان يقطع الزهرة إلى قطع صغيرة، ويقليها حتى تصبح مقرمشة وتختفي منها «الشوخة».

تذكرت والدتي رحمها الله عندما سمعت هذا المصطلح منها لأول مرة: «شوخة الزهرة».

سألتها: ماذا تعني؟

فأجابت: الشوخة مثل زنخة اللحم، ولا تزول إلا بالسلق أو القلي على نار عالية.

خرجت من عند دكتوري وقد فتحت شهيتي على سندويش فلافل بالزهرة. طفت في مطاعم البلد، لكن لا أحد كان يقلي الزهرة، حتى الباذنجان لم يكن متوفرا مقليا!

عندما سألت أصحاب المطاعم، تعددت الأجوبة:

- الزهرة مقطوعة!

- الجيل الجديد لا يحب الزهرة!

- شباب اليوم يعشقون البطاطس!

مشيت نصف ساعة أبحث، حتى وجدت نفسي أمام نفس المطعم الذي كنت أتناول فيه سندويش الفلافل بالزهرة قبل 30 عاما. دخلت، ووجدت أبو جاسر نفسه، لكنه أصبح عجوزا، وفقد نصف شعره وشاب النصف الآخر.

- مرحبا يا عمي.. أعطني رغيف فلافل بالزهرة.

صمت للحظة، ثم قال: ما عندي يا عمي، فقط بطاطا مقلية!

سألته عن السبب، وأخبرته أنني كنت أتناولها عنده قبل عقود. ابتسم وقال:

- يا عمي، الزهرة تشرب الكثير من الزيت، وهو غالي، واليوم لو أردت قليها، فلن يغطي كل ما أبيعه من فلافل ثمن زيت قليها!

عندها، تذكرت أن زجاجة الزيت في بيتي أوشكت على النفاد، ففقدت شهيتي للزهرة.

عندها أدركت: الزهرة ليست مفيدة للأمعاء، ودكتوري فقط يريد أن يبيع بضاعته!