كتاب

مُستجدٌّ مهمٌ في الأفق!

في وقت ليس ببعيد، كان هنالك تنسيق عربي وثيق بخصوص التحديات التي يتعرض لها العرب، من قبل قوى طامعة من داخل الإقليم ومن خارجه. وهذا التنسيق، وإن لم يكن ينضوي تحته الكل ولم يأت بكامل المرجو، فقد كان فاعلاً ومؤثراً نسبياً ويدرأ الكثير من الأخطار.

بَيْدَ أن التشرذم الذي أصاب العرب منذ مدة، ووصل أوجه مع حلول «الربيع» العربي، جعلهم أكثر عرضة للأطماع والأخطار، وأكثر هواناً وضعفاً.

وقد دفعت بعض الدول العربية ثمناً باهظاً بسبب التشرذم هذا، وبسببِ غيره.

مُؤخَّراً، وبالذات بدءاً من الحرب الهمجية على غزة وما تلاها من تطورات، أخذنا نشهد نواةً لتنسيق عربي جادّ حرّكهُ الوعي الجمعي بالأخطار والأطماع المحدقة، والتي لا تستثني أحداً. كما حرّكهُ شعور بأن لا نُصرة لقضايا العرب إلاّ من العرب أنفسهم.

وحقيقة فإن الظروف الحالية في بلاد العرب قاطبة أكثر دقة وحساسية من كثير من ظروف سبقت، وأن العرب أحوج ما يكونون الآن إلى تضامن وتعاضد فاعلين للوقوف في وجه المخططات التي تحاك سرّاً وعلناً، واستثمار الفرص التي يمكن أن تتحقق إذا ما أحسن استثمارها.

القاعدة الذهبية تكمن في أن التفاهم والتنسيق بين الدول العربية، أو كتلة حرجة منها على الأقل، يصبّان دوماً في صالح العرب؛ وأن الجفاء والفرقة لا ينعكسان إلا سلباً على الجميع.

هنالك مبدآن راسخان تقوم عليهما علاقات الدول: مصلحة كل دولة على حدة، والمصالح المشتركة بين الدول. والشق الثاني، فيما يخص العرب بالذات هو شق مُركّب، يقوم على المصالح المشتركة بين الدول العربية ذاتها، والمصالح المشتركة بين الدول العربية، منفردة ومجتمعة، مع غيرها.

نقطتان واضحتان وضوح الشمس لا بد من إبرازهما:

أولاً، في التنسيق العربي قوّة؛ وفي تفرّق العرب ضعف. والتنسيق لا يعني تطابق الرؤى وتماهي المواقف، فالاختلاف في وجهات النظر أمر صحي. لكن التفاهم والتوافق أمران أساسيان، وهما ممكنان حتى لو كانت هنالك وجهات نظر مختلفة.

لا بل إن اختلاف وجهات النظر هو المُحفِّز على البحث عن أرضية مشتركة للتفاهم والتنسيق. ولعلّ المُشجِّع اليوم أن ما يجمع العرب، من تحديات وفرص، هو أكثر مما يُفرقهم.

ثانياً، وجود تنسيق عربيّ بينيّ قويّ وفاعل لا يحول دون علاقات تفاهم وتعاون مع الدول الكبرى من خارج الإقليم. لا بل إن العكس صحيح، فالتنسيق العربي الوثيق هو الذي يخدم وجود علاقات عربية مثمرة مع الدول المؤثرة.

الدول العربية يجب أن تكون منفتحة على العالم وتربطها علاقات إيجابية بكافة القوى المؤثرة؛ ولا شك بأن العلاقات الثنائية التي تجمع كل دولة عربية على حدة بدولة أو أكثر من الدول المؤثرة عالمياً أولوية؛ لكن تنسيق المواقف مع دول عربية شقيقة سوف يثري تلك العلاقات ويدعمها، لأن العمق العربي يزيد من أهمية كل دولة عربية ولا ينقصها.

في الأفق فرصة الآن لِلَمِّ شمل العرب ووحدة كلمتهم؛ وقد اتخذت بعض الدول العربية المؤثرة، ومن بينها الأردن، خطوة بهذا الاتجاه؛ نتمنى أن يتم البناء عليها لتكون نواةً لتنسيق عربي شامل كامل، يعود على قضايا العرب المنفردة والمجتمعة، وعلى علاقاتها الدولية، بالنفع.