زرت دكتوري في أول أيام شهر رمضان المبارك، إذ أعاني من تشنجات في ساقي مع فترات الجلوس الطويل في مكتبي، واليوم اضطررت للتغيب عن العمل بسببها.
احتجت لساعة حتى أصل لعيادة الطبيب، ونصف ساعة باحثا عن موقف، الشوارع في عمان متشنجة، والناس متوترون، وقلت لنفسي إن الطرق تصاب بالتقلصات مثلها مثل البشر، ولكن ماذا سيكون علاجها؟
صافحت دكتوري، وتمنيت له رمضانا مباركا، وأخبرته شكواي
- هذا نتيجة الجلوس الطويل
فأجبته
- إنها طبيعة عملي، فأنا مبرمج، وكتابة الأكواد تتطلب الساعات الطوال، ثم تجربتها ومراجعتها، ولذلك أقضي على الكرسي 12 ساعة يوميا.
- يجب أن تتحرك في رمضان، وتستغل الفرصة؟
- أين ومتى؟
- بعد الإفطار، جرب أن تمشي ساعة أو ساعتين، هذا سيساعد عضلات جسمك على الارتخاء
- كيف يا دكتور؟! الحركة تشد العضلات
- صحيح، وهذا سيساعدها على العمل بشكل أفضل، ثم الارتخاء.
- فقط المشي
- سأكتب لك مكملات المغنيسيوم، التي قد تساعدك أيضا.
أخذت الوصفة وخرجت، وكانت الساعة قد بلغت الثانية ظهرا، وقررت أن اؤجل شراء الدواء للمساء، وعدت إلى سيارتي و'دقيت السلف' وتحركت.
الصيام ظاهر على الناس، وعليّ، الزوامير والصراخ، أحدهم نزل من السيارة يريد الشجار مع آخر، لأن الأول أراد أن يدخل من شارع فرعي إلى رئيسي، وليس له الأولوية، ولم يسمح له الثاني، فشحط بريك ونزل ليضربه؟
لماذا يستخرج شهر رمضان أسوأ ما فينا؟ هل الأمر متعلق بالجوع أو العطش؟ ولكن أجدادنا فتحوا العالم وهم صائمون، وما كان لهم أن ينجحوا في ذلك لو كانوا بسلوكياتنا!
الشوارع متشنجة ومكتظة، والناس في السيارات ينافخون، وتذكرت خبرت قراته أن معدلات السمنة وزيادة الوزن في الأردن تعتبر من أعلى معدلاتها في العالم حيث تصل إلى 80%.
بعد ساعة من الزحام وصلت إلى البيت، وألقيت بجسدي على السرير ونمت، لتوقظني زوجتي قبل أذان المغرب.
تناولنا الإفطار، وشاهدت مقاطع كوميدية تتحدث عن نزقنا كأردنيين، وكعرب، في شهر الصيام، وبدا لي أن هذا أمر مستهجن، فسوكنا هذا مذموم، ويجب ان نكافحه لا أن نحوله لمادة للتندر ونطبعه!.
على الإفطار تناولت صحنا ما شوربة العدس، إذ قال لي الدكتور أن نقص السوائل يزيد من التشنجات، ونصحني بتناول الشوربات أكثر.
أذّن العشاء، فانطلقت للمسجد لأصلي التراويح، في ركعتها الرابعة أصبت بتشنج في ساقي اليمنى، جلست ومددت ساقي، وبعد أن سلّم الإمام جاء شاب صغير ساعدني على التحرك لزاوية المسجد.
مع ذلك كنت مصرا أن أمشي اليوم، وما أن انهيت الوتر حتى انطلقت إلى صيدلية في وسط البلد قريبة لعيادة الدكتور، ورأيت وسط البلد في عمان مشيا على الأقدام، اكتشفت رائحة متاجر الخضار، و'عربايات' الكباب، وطناجر سلق ماء الذرة، وقلت هذا عالم يفوتني عندما أكون في السيارة.
وصلت الصيدلية، واشتريت الدواء، ثم قفلت عائدا لبيتي، وعندها اكتشفت فجأة أنه كما أن المشي هو علاج ساقي المتشنجة، فإن المشي هو دواء شوارعنا!
تخيل أن ألفا ممن يستعملون سياراتهم قرروا ركنها، ثم قضوا مشاويرهم على القدمين، كم ستخف الأزمة؟ تخيلوا أنهم ألفان او عشرة آلاف، إذا سيكون لدينا عشرة آلاف سيارة لا تتحرك في الشوارع، وهذا يعني أزمة أقل واختناقات مرورية شبة معدومة.
شوارعنا جميلة فلماذا لا نقضي المزيد من الوقت على الأقدام؟ لماذا لا نبقي استعمال السيارات لمن هم بحاجة ليها، المسنون والمرضى، أما الشباب ومن هم بصحتهم، فليمشوا.
المشي علاج التشنجات، لدى البشر ولدى الشوارع.