في خطوة تُعدّ انتهاكًا صارخًا لحرية الرأي والتعبير، شكل الاحتلال الإسرائيلي وحدة خاصة لمكافحة ما يُطلق عليه «التحريض» على منصات التواصل الاجتماعي في الضفة الغربية، في أعقاب الحرب على غزة. هذه الوحدة، التي تعمل تحت قيادة المنطقة الوسطى، تتألف من ممثلين عن النيابة العسكرية، وفرق استخبارية، وعناصر تنفيذية تابعة للقيادة العسكرية.
تصعيد غير مسبوق في لوائح الاتهام تشير البيانات الإسرائيلية إلى تصعيد ملحوظ في عدد لوائح الاتهام المتعلقة بـ"التحريض» التي قدمتها النيابة العسكرية خلال عام 2024، حيث وصلت إلى 303 لوائح اتهام، مقارنةً بمتوسط 60-70 لائحة اتهام سنويًا في الأعوام السابقة. وفي عام 2015، الذي شهد تصاعد العمليات الفردية، قدمت النيابة العسكرية حوالي 150 لائحة اتهام.
هذا الارتفاع الحاد في الاتهامات يعكس سياسة متشددة تستهدف الفلسطينيين الذين يعبرون عن آرائهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا بعد السابع من أكتوبر. ووفقًا لمصدر في النيابة العسكرية، شهدت تلك الفترة زيادة نوعية في ما وصفه بـ"التحريض»، خاصة في منشورات تمجيد العمليات المسلحة والشهداء، مع تركيز ملحوظ على النساء الفلسطينيات واستهداف الاحتلال للفلسطينيات طالبات الجامعات والكليات العلمية.
قيود قانونية وتحليل معقد للمحتوى وضح المصدر نفسه أن هناك تعقيدات قانونية في تصنيف المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي كتحريض. وأشار إلى أمثلة على ذلك، مثل منشورات قصيرة قد تحمل عبارات مثل «هذا عمل كبير وماجد»، والتي يمكن تفسيرها بطرق متعددة. وأضاف المصدر: «لا يكفي التقاط صورة شاشة للمنشور، بل يجب التحقيق بتاريخ الصفحة وجمع أدلة تُظهر وجود نية التحريض. كما يتم تحليل التعبيرات واللغة المستخدمة ضمن سياقها، مما يجعل العملية معقدة».
وسائل تكنولوجية وقوانين صارمة تستخدم الوحدة وسائل تكنولوجية متقدمة لمراقبة وتحليل الحسابات والمنشورات، وتعمل على تصنيف الصفحات التي يجب إغلاقها أو استهدافها. وبناءً على ذلك، يتم صياغة لوائح اتهام تعتمد على قانون عقوبات أقره قائد المنطقة الوسطى في بداية الحرب.
هذا القانون يفرض عقوبة حد أدنى بالسجن لمدة عام على تهمة التحريض، نصفها بالسجن الفعلي. ويأتي ذلك ضمن إطار سياسة ردع شاملة تهدف إلى تقييد حرية التعبير لدى الفلسطينيين.
التحكم في الفضاء الرقمي: أداة قمع جديدة يرى مراقبون أن هذه السياسة تمثل محاولة أخرى من الاحتلال لإحكام سيطرته على الفضاء الرقمي الفلسطيني، وقمع أي صوت معارض أو منتقد. فإلى جانب القيود المفروضة على حرية الحركة والحياة اليومية في الضفة الغربية، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة جديدة للقمع والاستهداف.
تتذرع إسرائيل بمكافحة «التحريض»، لكنها في الواقع تستخدم هذا المصطلح الفضفاض كذريعة لتقييد حرية التعبير، والتضييق على الفلسطينيين الذين يعبرون عن معاناتهم وآرائهم السياسية. تأتي هذه الخطوة في سياق أوسع من السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى إسكات الأصوات الفلسطينية وفرض السيطرة على وسائل التعبير المتاحة لهم. ومع تصاعد استخدام التكنولوجيا لمراقبة النشاط الرقمي، يبدو أن الاحتلال يسعى إلى تحويل الفضاء الإلكتروني إلى امتداد لسيطرته العسكرية على الأرض، مما يُفاقم من معاناة الفلسطينيين ويُقلص مساحات حرية التعبير ا?متاحة لهم.