كيف يمكن لأنظمة الطاقة الحرارية الشمسية خفض فاتورة الطاقة على القطاعات الصناعية والسياحية والخدمية؟ وما مقدار الوفر الذي يمكن أن تحققه بالتسخين المسبق أو التسخين الكامل؟
رغم أن هناك العديد من القطاعات، وبخاصة الصناعية والفندقية والخدمية، تتوجه نحو الطاقة المتجددة، إلإ أن فاتورة الطاقة وكلف الإنتاج لديها ما تزال مرتفعة وبخاصة الفاتورة النفطية..
إذ ما تزال العديد من المصانع تعتمد على الوقود الأحفوري والغاز المسال في انتاجها. وحتى مع التحول إلى الغاز الطبيعي تنخفض تكلفة استخدامه في الصناعة بنسبة 30 بالمئة مقارنة بالوقود الثقيل، و55 بالمئة مقارنة بالغاز البترولي المسال، و60 بالمئة مقارنة بالديزل.
ووفقا لمسؤول وحدة الدعم الفني في غرفة صناعة عمان المهندس بشار قطيشات فإن قيمة الفاتورة النفطية والغاز الطبيعي تبلغ نحو ٢٦٤ مليون دينار سنويا أما فاتورة الكهرباء التي تنتجها شركة الكهرباء عن طريق الغاز الطبيعي فتقدر بنحو ٢٧٠ مليون دينار.
وبما أن استخراج الغاز وإيصاله إلى المصانع يحتاج استثمارات ضخمة وإنشاء بنية تحتية لاستخراجه ويحتاج عشر سنوات، وفقا لتصريحات وزير الطاقة صالح الخرابشة، إلا أنه يمكن لهذه القطاعات أن تحقق وفرا كبيرا من خلال استغلال جميع مصادر الطاقة وبخاصة الشمسية التي لا يحتاج تنفيذها أكثر من شهرين أو ثلاثة.
كما يمكن أن تسترجع ما أنفق على المشروع من خلال الوفر الذي تحققه من خلالها من سنتين إلى أربع سنوات.
أحد هذه المصادر هو «الطاقة الحرارية الشمسية» وبخاصة المدمجة مع «المضخات الحرارية»، التي تتضمن التقاط طاقة الشمس واستخدامها لتوليد الحرارة، وهذه يجب تمييزها عن الطاقة الشمسية الكهروضوئية، التي تحول ضوء الشمس مباشرة إلى كهرباء.
تستخدم الطاقة الحرارية الشمسية أشعة الشمس لإنتاج طاقة حرارية يمكن استخدامها لتسخين الماء أو الهواء أو السوائل الأخرى، لاستخدامها بعد ذلك للأغراض المنزلية أو التجارية أو الصناعية.
يقول المهندس هاني ربيع إن تقنية الطاقة الشمسية الحرارية معروفة منذ السبعينيات وانتشرت في معظم المنازل، لكن عدد الشركات التي عملت عليها لمشاريع كبيرة كالفنادق والمصانع والمستشفيات قليل جدا.
ويؤكد ربيع، وهو رئيس مجلس إدارة شركة «ميلينوم للطاقة المتجددة» الأردنية، أهميتها للقطاع الصناعي وبخاصة الصناعات الغذائية ودورها في تحقيق الأمن الطاقوي والأمن الغذائي، إذ أن كلفة الكيلووات من الكهرباء للصناعة مدعومة أصلاً، أما أسعار الوقود المستخدم في الصناعة فهو حسب الأسعار التجارية العالمية أو أكثر والمواد الخام حالياً مستوردة بالأصل، أما الشمس فهي مجانية ومتوافرة للجميع وعلينا استغلالها بأكبر قدر وبخاصة الحرارية التي نحتاجها في الكثير من الصناعات وبالمحصلة بنسبة تضاهي أو أكبر من الحاجة للكهرباء للإنتاج.
حيث تحتاج العديد من الصناعات الغذائية المياه الساخنة في إنتاجها، ويبدأ تسخين المياه في هذا النظام من درجة حرارة أربعين في أسوأ الأحوال الجوية ويصل إلى 90 درجة مئوية.
حتى مع وجود الغاز الطبيعي في الصناعات، الذي سيوفر نحو 60% من كلف الإنتاج، لو دمج على سبيل المثال مع هذا النظام الشمسي الحراري سيحقق وفرا 95% ما يعزز تنافسيتها محليا وبأسواق التصدير. فكلما انخفضت تكاليف الإنتاج ازدادت الفرص التصديرية والتنافسية محلياً وخارجياً، وتزيد قدرة المصانع على توفير فرص عمل.
ويلفت ربيع إلى أن ضغط الغاز ونقله بشاحنات إلى المحطات لتخزينه، ونقله عبر شبكة داخلية في المناطق الصناعية يحتاج وقتا وأسطول شاحنات كبير ومهارة لوجستية ليست بسهلة لضمان التزويد المستمر.
وتمتاز التقنيات المبنية على استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الحرارة بكفاءة أعلى من التقنيات المبنية على استخدام الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي، كما تساعد على تقليل انبعاثات غاز الدفيئة وتعزز من استخدام الطاقة المتجددة وهي أكثر كفاءة من توليد الكهرباء من الشمس.
بدوره يؤكد خبير الطاقة هشام الميخي أن هدف النظام الشمسي الحراري التوفير وليس الاستبدال.
ويشير إلى مزايا هذا النظام؛ إذ يتميز باستخدام أفضل للمساحة، حيث يحتاج ربع المساحة المطلوبة لإنتاج الطاقة الشمسية الكهروضوئية لنفس الطاقة المنتجة.. إذ يتطلب 1 ميجاوات حرارية 2500 مترا مربعا بينما يتطلب 1 ميجاوات طاقة شمسية كهروضوئية نحو 10000 متر مربعا.
ويقول الميخي إن التقنية ناضجة وقوية، إذ يمكن تركيبها ودمجها في أنظمة التسخين التقليدية خلال 3 إلى 6 أشهر كحد أقصى لمعظم المشاريع.
كما أن تخزينها رخيص، مع إمكانية الوصول إلى 100٪ من التغطية الشمسية مع التخزين الموسمي، إذ يتم تخزينها في خزانات مياه معزولة مصنوعة محليا، ولا تحتاج هذه الأنظمة لموافقات الجهات الرسمية، ولا تتأثر بالشبكة الكهربائية ولا تحتاج لربط النظام معها.
ويتمتع النظام بمدة استرداد قصيرة تُراوح بين سنتين إلى 5 سنوات بأسعار سوق الوقود العالمية.
ويكشف الميخي، وهو مدير عام شركة ميلينوم للطاقة المتجددة الأردنية، عن عدة مشاريع رائدة وناجحة للنظام الشمسي الحراري التي قدمت حلولا وحققت وفرا للعديد من القطاعات كالصناعات الغذائية والتعدينية والصناعات والنفطية والقطاعات السياحية والتعليمية داخل المملكة وخارجها بكفاءات أردنية.
حيث طبقت التقنية على صناعات مثل تجهيز الأغذية، فيمكن لأنظمة الطاقة الحرارية الشمسية توفير الحرارة اللازمة لعمليات التصنيع المختلفة. وهذا يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويحسن كفاءة استخدام الطاقة ويعزز استدامة العمليات الصناعية.
ويمكن لهذه الأنظمة تلبية الطلب الكبير على الماء الساخن للمرافق مثل الفنادق وصالات الألعاب الرياضية والمستشفيات والمغاسل. ويمكنهم أيضا المساهمة في تلبية متطلبات التدفئة في مباني المكاتب الكبيرة والمستودعات، حيث يمكن دمج أنظمة التدفئة المركزية مع تقنية الطاقة الشمسية الحرارية.
ويقترح الميخي تأسيس «شبكات التدفئة الحضرية أو المناطقية» القائمة على الطاقة المتجددة قبل إنشاء المدينة الجديدة أو العاصمة الإدارية أسوة بالتجربة الدينماركية ليحظى السكان على مدار العام بالمياه الساخنة والتدفئة مما يعزز مكانتها كمدينة خضراء بعيدا عن استخدام الغاز الطبيعي والوقود الأحفوري خصوصا وأن الأردن يتمتع بـ315 يوما مشمسا في العام بمعدل ثماني ساعات يوميا.
وبناء على الإنجازات التي طبقت على أرض الواقع بنجاح يدعو الربيع والميخي الشركات إلى استغلال جميع مصادر الطاقة المتاحة، وبخاصة المتجددة، لتخفيض فاتورة الطاقة وتحقيق الوفر وتخفيض البصمة الكربونية على العديد من الصناعات كتجهيز الأغذية وتصنيع المنسوجات والإنتاج الكيميائي الصناعية والتعدين وإنتاج الأسمنت ومصانع الورق والتي لها أبعاد بيئية تساهم بالتصدير عدا عن خفض الكلفة.
حيث يمكن لهذه الأنظمة أن تحل محل البويلرات التقليدية التي تعمل بالوقود الأحفوري أو تكملها، مما يقلل تكاليف التشغيل وانبعاثات الغازات الدفيئة.