الاقتصاد الأخضر عبر التنقل الأخضر المستدام
12:01 20-12-2024
آخر تعديل :
الجمعة
<p>التنقل الأخضر المستدام هو عنصر أساسي في التحول نحو الاقتصاد الأخضر، إذ يعزز خفض الانبعاثات الضارة ويحسّن من نوعية الهواء، وبالتالي جودة الحياة المعيشة. ويشير هذا المفهوم إلى تبني وسائل نقل تعتمد على الطاقة النظيفة وتقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، فضلا عن تحضير بنية تحتية خضراء ومستدامة.</p><p>وفي هذا السياق، يمكن للنرويج أن تكون مثالاً بارزًا، حيث تمكنت من تحويل قطاع النقل لديها بفضل الحوافز الحكومية التي قدمتها للمواطنين لشراء المركبات الكهربائية. هذه السياسات ساعدت النرويج في الوصول إلى نسب عالية من استخدام السيارات الكهربائية، حيث تشكل الآن أكثر من 50% من مجموع السيارات على طرقها، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في الانبعاثات الضارة، وتحسّن ملحوظ في جودة الهواء.</p><p>الحوافز المقدمة في النرويج تشمل تخفيضات ضريبية وإعفاءات، إلى جانب توفير بنية تحتية متقدمة لمحطات شحن السيارات الكهربائية في جميع أنحاء البلاد. هذه الخطوات لم تقلل فقط من الانبعاثات، بل جعلت من التنقل الكهربائي خيارًا اقتصاديًا وجاذبًا للأفراد والشركات. أما عندنا فالاستراتيجية مقلوبة، فبدلا من تقديم الحوافز، ارتفعت الضرائب عليها، الأمر الذي سوف يحد من ازدياد أعداد المركبات الكهربائية، وبالتالي زيادة التلوث وفقدان الوظائف.</p><p>والصين تعد أيضًا لاعبًا رئيسيًا في تعزيز التنقل الأخضر. إذ تقوم الصين بإنشاء شبكات واسعة للنقل المستدام، حيث تولي اهتمامًا خاصًا للبنية التحتية للدراجات الهوائية والنقل العام الكهربائي. الصين ليست فقط واحدة من أكبر منتجي السيارات الكهربائية، بل إنها تركز أيضًا على تشجيع استخدام وسائل النقل الجماعي، من خلال تحسين شبكات القطارات الكهربائية والحافلات الكهربائية، مما يقلل من الازدحام المروري وتلوث الهواء في المدن الكبرى. إضافة إلى ذلك، تعمل على تطوير بنية تحتية متقدمة للدراجات الهوائية، مما يتيح لسكان المدن ال?برى الاعتماد عليها كوسيلة نقل رئيسية، وخاصة في المدن المكتظة.</p><p>إلى جانب الجهود الوطنية لكل من النرويج والصين، فإن العديد من الدول في العالم بدأت تعتمد سياسات الاقتصاد الأخضر في مجال النقل. إذ تُعد المركبات الكهربائية والدراجات الهوائية إحدى أكثر الحلول فعالية في هذا السياق. هذه السياسات لا تسهم فقط في خفض الانبعاثات، بل أيضًا في خفض استهلاك الطاقة وتقليل الاعتماد على النفط. إلى جانب ذلك، يشمل التنقل المستدام تطوير وتحسين وسائل النقل العام مثل الحافلات الكهربائية والقطارات العاملة بالطاقة النظيفة، وهو ما يساعد على خفض عدد المركبات في الشوارع، وبالتالي تخفيف الازدحام وا?تلوث.</p><p>إضافةً إلى المركبات الكهربائية، تُعتبر الدراجات الهوائية عنصرًا رئيسيًا في التنقل المستدام، إذ يتم تعزيز استخدامها في المدن الكبرى من خلال تطوير بنية تحتية ملائمة تشمل مسارات مخصصة، مواقف للدراجات، وبرامج تأجير عام للدراجات؛ بعضها مجاني. والدول التي تتبنى هذا النهج تشجع مواطنيها على استخدام الدراجات الهوائية كوسيلة رئيسية للتنقل، خاصة لقطع المسافات القصيرة، مما يساهم في تقليل انبعاثات الكربون، ويحسّن صحة المواطنين من خلال النشاط البدني. وللأسف لم نخصص بعد مساحات مادية وتوعوية لاستخدام دراجات الهواء في بلاد?ا، بل شجعنا الدراجات النارية التي بفعلها خسرنا الكثير من الشبان الرائعين، وأضفنا إلى تلوث الهواء تلوثا جديدا، وهو التلوث الضوضائي.</p><p>التحديات التي تواجه الاقتصاد الأخضر في قطاع النقل متعددة ومعقدة. أولاً، تُعتبر التكاليف الأولية المرتفعة من أهم العوائق. على سبيل المثال، إنشاء البنية التحتية اللازمة مثل محطات شحن السيارات الكهربائية الذي يحتاج إلى استثمارات ضخمة، خصوصاً في المناطق التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على وسائل النقل التقليدية. هذا يتطلب تطوير شبكات طاقة قادرة على دعم الاستخدام المتزايد للكهرباء، وهو ما قد يشكل تحدياً في بعض البلدان بسبب قلة الاستثمار أو التكنولوجيا. والحمدالله أننا بدأنا بذلك في الأردن.</p><p>ثانيًا، تطوير وسائل النقل العام الصديقة للبيئة، مثل الحافلات والقطارات الكهربائية، إذ يتطلب ذلك إعادة تأهيل واسعة للبنية التحتية الحالية. وللأسف لم نأخذ حساب القطارات الكهربائية عندما خططنا لمشروع النقل السريع. إلى جانب ذلك، هناك حاجة إلى تحديث أساطيل النقل العام القائمة لتصبح أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة وأقل انبعاثًا للكربون، وهذا يمثل عبئًا ماليًا كبيرًا على الحكومات والشركات.</p><p>إلى جانب التحديات التقنية والمالية، هناك أيضًا تحديات اجتماعية وسلوكية، حيث قد يواجه المستهلكون صعوبة في التحول من استخدام السيارات التقليدية إلى السيارات الكهربائية أو وسائل النقل العام. وهذا يرجع إلى عوامل مثل قلة الثقة في البنية التحتية الجديدة، أو القلق من عدم توفر المحطات الكافية للشحن، أو قلة الوعي بفوائد استخدام وسائل النقل النظيفة، أو لعدم استقرار المنظومة التشريعية.</p><p>ومع ذلك، فعلى المدى الطويل، يمكن أن تؤدي هذه الاستثمارات إلى فوائد كبيرة، منها توفير الطاقة عن طريق تحسين كفاءة النقل، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، الذي يعد سببًا رئيسيًا للتلوث والانبعاثات الكربونية وغيرها. علاوة على ذلك، فمن شأن هذا التحول تحسين الصحة العامة من خلال تقليل تلوث الهواء، وهو أمر حاسم خصوصاً في المدن الكبرى حيث يسبب التلوث العديد من المشكلات الصحية. ومن الفوائد المحتملة أيضاً خلق فرص عمل جديدة في مجالات التكنولوجيا الخضراء والصناعات المستدامة، مما يمكنه أن يحفز الاقتصاد على المدى الب?يد.</p><p>وبناء عليه، يعتبر التنقل الأخضر المستدام مكونًا رئيسيًا للاقتصاد الأخضر العالمي، وهو اقتصاد المستقبل بلا منازع، حيث يتمحور حول تقليل الانبعاثات وتحسين نوعية الحياة من خلال الاعتماد على وسائل نقل تعمل بالطاقة النظيفة؛ سواء من خلال المركبات الكهربائية أو تعزيز النقل الجماعي، فإن الشجاعة والسرعة في اتخاذ القرارات في قطاع النقل يلعبان دورًا رئيسيًا في تحقيق التنمية المستدامة، وتقليل الآثار البيئية السلبية، فضلا عن أن التشريعات والسياسات الحكومية الداعمة للاستثمار في هذا المجال تلعب دوراً حاسماً في تسهيل هذا ال?حول.</p>