كتاب

الأردن بقيادة الملك يستعد لمواجهة كلّ الاحتمالات

كلّ شيءٍ ينهار في سوريا، بزوغ شمس الأحد الثامن من كانون الأول (ديسمبر) لعام 2024 لم يكن عادياً، ولم تقرأ بعدُ خيوطه الصحيحة، فهي إنْ حملت فجراً وبزوغاً جديداً لسوريا والمنطقة، إلا أنّ هذا البزوغ يحتاجُ فترةً زمنيّةً لقراءته بالشكل الصحيح.

تزامن انهيارُ النظامِ، وانهيار الجيش السوريّ، مع انهيار اتفاق الهُدنة مع دولة الاحتلال، وتحشيدها العسكريّ غير المسبوق على الحدود، وتنفيذها ضرباتٍ جوية صهيونيّة ضدّ أهدافٍ سوريةٍ في قلب دمشق، وهذا الاستغلال الإسرائيليُّ للفراغ والفوضى يبعث رسائلَ تثير القلق.

الأردن، الذي يتابع هذه التّطورات الخطيرة بعين القلق والترقب، ويعلم أنّ ما يجري في سوريا لن يترك أثره على داخل القُطر الشقيق؛ بل سيتعداه للإقليم بأكمله، ومتيقناً أنّ شَرَر الفوضى إنْ وقعت ستعمّ الجميع.

جلالة الملك عبدالله الثاني، في حديثٍ يحمل عمقاً استراتيجياً، أكّد على ضرورة التحرك العاجل لتثبيت الاستقرار في سوريا، بالنسبة للأردن، هذا ليس مجردُ موقف سياسيّ، بل واجبٌ جغرافي وأخلاقي، فالأردن الذي استقبل اللاجئين السوريين وقدم لهم كلّ الدعم الممكن، يعرف أنّ استقرار سوريا سينعكس بشكلٍ مباشرٍ على أمنه الداخليّ وأمن المنطقة بأكملها. حمايةُ أمن سوريا وشعبها أمرٌ أساسيٌّ ليس فقط للسوريين، بل للمنطقة بأكملها»، بهذه الكلمات اختصر الملك الموقفَ الأردني.

فعلى مدى سنوات الأزمة، لعب الأردن دوراً استثنائياً في حماية حدوده وتأمين استقراره الداخليّ، فالقوات المسلحة الأردنية كانت وما زالت العين الساهرة التي تصدت لمحاولات تسلل الإرهابيين، ومنعت امتدادَ الصراع إلى داخل المملكة، لكن الحفاظ على الأمن الأردنيّ يتطلب أكثر من مجرد تأمين الحدود، بل يتطلب ضمان استقرار سوريا نفسها، باعتبارها العمقَ الاستراتيجيّ للأردن.

إنّ المجتمع الدولي، مطالَبٌ اليوم بتحمل مسؤولياته تجاه سوريا، ودعم الشعب السوري، وتأمين وحدة أراضيه، وهذه ليست مجرد ضرورةٍ إنسانية، بل خطوة أساسيةٌ لمنع تدحرج المنطقة إلى مزيد من الفوضى، فالأردن، من جهته، سيواصل التنسيق مع الأطراف الإقليميّة والدوليّة، لكنّه يدرك أنّ الحلول السياسية هي وحدَها القادرة على وضع حد لهذه الأزمة الممتدة.

ويفتح إعلان إسرائيل انهيار الهدنة وسيطرتها على مواقع عسكريّةٍ سوريةٍ البابَ أمام تساؤلات خطيرة حول مستقبل الأراضي السورية، هل نحن أمام إعادة رسم للخريطة السورية؟ وكيف يمكن لهذه الخطوة أن تؤثر على استقرار المنطقة؟ إنّ التوغل الإسرائيليّ يزيد من تعقيد المشهد، ويجعل الحاجة إلى تحرك دوليّ أكثر إلحاحاً، فالمخاوف تتصاعد من أن يؤدي هذا التدخل إلى تقسيم الأراضي السورية أو تفجير صراعاتٍ جديدة داخلها، ما يضعف أي جهود لإعادة بناء الدولة.

وعلينا التيقن أنّ ما يحدث في سوريا اليوم ليس مجرد أزمة داخلية، بل هو اختبار حقيقيّ لمدى قدرة المنطقة على الصمود أمام الفوضى، الأردن يُدرك هذا جيداً، ولهذا يُصر على أن دعم استقرار سوريا هو البوابة الرئيسية لاستقرار الشرق الأوسط بأكمله، وهذه المعادلة بسيطة لكنّها صعبة التنفيذ: سوريا المستقرة تعني منطقة أكثر أماناً، وأيّ شيء أقل من ذلك يعني مستقبلاً أكثر خطورة للجميع.