الاقتصاد الأخضر بحاجة إلى بنية تحتية خضراء
11:42 7-12-2024
آخر تعديل :
السبت
<p>الاقتصاد الأخضر، الذي يقوم على تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة مع تقليل الأثر البيئي السلبي، أصبح هدفًا عالميًا في ظل التحديات البيئية مثل تأثيرات التغير المناخي، واقتراب نضوب الموارد الطبيعية، واضطراب الاقتصاد العالمي.</p><p>لتحقيق هذا التحول، لا يكفي الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح فقط، رغم أهميتها، بل يتطلب الأمر بنية تحتية خضراء متكاملة كي تدعم هذا التحول. فما هي البنية التحتية الخضراء هذه؟</p><p>تشمل هذه البنية تطوير الشبكة الكهربائية وتوفير وسائل فعالة لتخزين الكهرباء لاستيعاب الطاقة المتجددة، والتي غالبًا ما تكون متقطعة بسبب العوامل الطبيعية. فالشبكات الكهربائية التقليدية ليست مهيأة لاستيعاب الكميات المتزايدة والمتذبذبة من الطاقة المتجددة. ويتمثل التحدي الرئيسي في عدم استقرار إنتاج الطاقة المتجددة، حيث تختلف مستويات التوليد تبعًا للظروف الجوية. لهذا السبب، تحتاج الدول إلى تطوير شبكات كهربائية ذكية تستطيع التكيف مع هذا التغير.</p><p>ويمكن القول إن الشبكات الذكية تعتمد في أحد جوانبها على تقنيات متقدمة، مثل الإنترنت والتخزين والذكاء الاصطناعي، وذلك لتحسين كفاءة توزيع الطاقة، وتقليل الفاقد، وضمان استقرار الإمداد. فعلى سبيل المثال، استثمرت ألمانيا في بنية تحتية ذكية تتضمن شبكات كهربائية قادرة على التكيف مع الانتاج من مصادر الطاقة المتجددة، حيث يتم استخدام تقنيات تحليل البيانات في الوقت الفعلي لتحديد الحاجة إلى توزيع الطاقة أو تخزينها. كما قامت الصين بإنشاء الشبكة الفائقة Ultra High Voltage Grid التي تربط محطات الطاقة المتجددة في المناطق النائية بالمناطق الحضرية ذات الطلب العالي على الطاقة، مما يضمن نقلًا فعالًا للطاقة مع تقليل الخسائر.</p><p>ويُعتبر تخزين الكهرباء من أبرز التحديات في مجال الطاقة المتجددة. فمن بدون تقنيات تخزين فعالة، يصبح من الصعب استخدام الطاقة المنتجة في أوقات عدم الحاجة إليها أو عند انخفاض التوليد. ويمكن تحقيق ذلك من خلال البطاريات العملاقة، إذ تُعد البطاريات وتخزين المياه في السدود وتخزين الحرارة من الحلول الأساسية لتخزين الكهرباء. وتعمل هذه الأنظمة على تخزين الطاقة الفائضة من الشمس أو الرياح في ذروة إنتاجها واستخدامها في وقت لاحق عندما يزداد الطلب عليها.</p><p>شهدت أستراليا إنشاء مشروع بطاريات تخزين Hornsdale Power Reserve، الذي بدأ بمئة ميجاوط، وقد تم توسيعه إلى قدرة 150 ميجاواط، والآن سيتوسع من جديد بمقدار 50%، وكان يُعد الأكبر في العالم، وقد ساهم في استقرار الشبكة وتقليل تكلفة الكهرباء. ولكن ابتداء من هذا العام يصبح مشروع The Moss Landing Energy Storage هو الأكبر بقدرة 400 ميجاواط في ولاية كاليفورنيا من أكبر أنظمة تخزين بطاريات الليثيوم أيون في العالم Tesla Megapack، التي تساعد في تخزين الطاقة الشمسية واستخدامها خلال ساعات الذروة.</p><p>وهناك تقنية التخزين المائي بالضخ التي تعتمد على استخدام الطاقة الزائدة لضخ المياه إلى ارتفاعات عالية، ثم إطلاقها لتوليد الكهرباء عند الحاجة، كما ينوي الأردن تطبيقها في سد الموجب، ولكن على نطاق محدود، بقدرة نحو 450 ميجاواط. وفي النرويج تستغل هذه التقنية بكفاءة عالية عبر الاستفادة من مواردها المائية الوفيرة، فتصل القدرة إلى أكثر من 31000 ميجاواط. وتعمل البلاد على تصدير الكهرباء المخزنة إلى دول أوروبية أخرى عبر شبكات ربط دولية. وفي دولة سويسرا التي تعتمد محطات الضخ لتخزين الماء في السدود، مثل مشروع سدود Linth Limmern الخمسة، وذلك لتوفير طاقة نظيفة ومستقرة بدأت بقدرة 450 ميجاواط وأصبحت اليوم بقدرة 1520 ميجاواط.</p><p>وتُعد الدنمارك مثالًا رائدًا في الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر. إذ قامت الدولة بإنشاء شبكة كهربائية ذكية قادرة على استيعاب الطاقة المتجددة، كما استثمرت في تخزين الطاقة من خلال البطاريات وتقنيات التخزين الحراري. فهدف الدنمارك هو الاعتماد الكامل على مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050 حيث بلغت مساهمة الطاقة المتجددة هناك 63% عام 2023.</p><p>والهند، كذلك اتخذت خطوات جادة لتطوير بنيتها التحتية الخضراء. فأنشأت محطة Bhadla Solar Park، وهي من كبريات محطات الطاقة الشمسية في العالم بقدرة تتجاوز 2200 ميجاواط، وشرعت تعمل على تطوير بطاريات منخفضة التكلفة لتخزين الكهرباء وضمان استخدامها في الأوقات الحرجة. والإمارات العربية المتحدة لديها استثمارات طموحة في البنية التحتية الخضراء، حيث تعمل على تطوير تقنيات تخزين الطاقة لتأمين استقرار إمدادات الكهرباء.</p><p>وعلى الرغم من الإنجازات على صعيد عالمي، تواجه الدول تحديات عديدة في بناء بنية تحتية خضراء. من أبرزها التكاليف المرتفعة، حيث تتطلب مشاريع تطوير الشبكات الذكية أو إنشاء أنظمة تخزين ضخمة استثمارات كبيرة. لذا، يكمن الحل في تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص والدولي لتقاسم التكاليف والأعباء والتكنولوجيا، فضلا عن تعزيز ذلك بصناديق المناخ الخضراء لدى الأمم المتحدة.</p><p>وتحتاج الدول النامية إلى نقل تقنيات عالية من الدول المتقدمة. وهنا يمكن للدعم الدولي أن يلعب دورًا كبيرًا في دعم هكذا مشاريع من خلال نقل المعرفة والتكنولوجيا. لذلك يتطلب الاقتصاد الأخضر وجود سياسات تنظيمية فعالة تُشجع على استخدام الطاقة النظيفة وتُحفز الاستثمارات في البنية التحتية. الخضراء.</p><p>وبناء عليه، فإن الاقتصاد الأخضر لا يمكن أن يتحقق من دون وجود بنية تحتية خضراء شاملة، كتطوير الشبكات الكهربائية الذكية واستعمال تقنيات تخزين الطاقة الضرورة لاستيعاب الطاقة المتجددة بشكل فعال، مثل البطاريات والتخزين المائي والحراري. والأمثلة العالمية تُظهر أن الاستثمار في هذه البنية يؤدي إلى فوائد اقتصادية وبيئية جمة، ويخلق وظائف جديدة، وبالتالي يؤسس لمستقبل مستدام للأجيال القادمة. ولتحقيق ذلك، يحتاج العالم إلى تعاون دولي جاد، وابتكار تقني مبدع، والتزام طويل الأمد بالتحول الاقتصادي الأخضر، بدلا من توجيه المال نحو الحروب المدمرة.</p>