كتاب

ترشيد المناسبات الاجتماعية

العديد من العشائر سبق وأن أصدرت وثائق شرف اجتماعية، تهدف الى تنظيم وتهذيب مناسبات الافراح والاتراح، التي ترسخت في عاداتنا وتقاليدنا منذ مئات السنين، لكن المؤسف أن الالتزام بها بقي محدود جدا، واستمرت مظاهر المبالغة في تكريس هذه العادات الى درجة النفاق والمباهاة في كثير من الأحيان!

والمؤسف أنه خلال جائحة كورونا، التي اجتاحت العالم والاردن جزء منه في عامي 2020 و2021، صدرت اجراءات حكومية بصيغة أوامر دفاع، كانت تتضمن حظر تنقل الأشخاص وتجوالهم في جميع مناطق المملكة، واغلاق المحلات التجارية الضرورية في أوقات محددة.

وكانت أوامر الدفاع تنظم العادات الاجتماعية، سواء فيما يتعلق بالأفراح أو الاتراح، بحيث كانت المناسبات تقتصر على عدد قليل من الأقارب عند الدفن، بالنسبة لحالات الوفاة وكذلك الأمر في بيوت العزاء، وبالنسبة للأفراح أيضا كانت تقتصر على عدد محدود من المدعوين، لكن بعد كورونا «عادت حليمة الى عادتها القديمة'!

وكأننا بحاجة دائما الى أوامر دفاع، لتهذيب السلوكيات الاجتماعية السلبية، رغم أن نبذ هذه السلبيات يعود بالفائدة المادية والاجتماعية، ويخفف من الضغوط على أصحاب المناسبات؟

لا شك بوجود العديد من العائلات والعشائر، التي تعلن رغبتها في الالتزام بما تضمنته الوثائق الاجتماعية، وتتقبل العزاء على المقبرة فقط، لكن بالمقابل هناك بيوت عزاء تقام في الدواوين والصالات الفارهة، وتقدم خلالها مآدب الغداء والعشاء المكلفة، ودخلت على بيوت العزاء أيضا عادة جديدة تتمثل بتقديم التمر، ومؤخرا حضرت عزاء يقدم فيه مع التمر السمن البلدي، ومن قبيل الفضول والتجربة تناولت حبة تمر وغمستها بالسمن البلدي، وكان الطعم لذيذا بدون شك، لكن هذا اختراع جديد بالنسبة لي لم ألحظه في مثل هذه المناسبات من قبل، وهو يصنف ?ي اطار الاسراف الزائد!

روى لي أحد الخبراء في العادات الاجتماعية، أنه في السابق كانت العشائر تختار شخصين أو ثلاثة، يمثلونها في القيام بواجب العزاء لمن يتوفون من العشائر الأخرى وخاصة اذا كان المكان بعيدا، بدل أن يقوم عدد كبير من أفراد العشيرة كل حسب ظروفه بزيارة بيت العزاء، وهذه مبادرة ايجابية من المناسب احياؤها. والان أعتقد أن الأمور أصبحت ميسرة أكثر من أي وقت مضى، ويمكن الاكتفاء بالاتصال الهاتفي لتقديم العزاء، او النشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، بدل قطع مسافات طويلة لهذه الغاية!

وبالفعل أصبح الاعلان عن الوفيات غالبا يتم من خلال هذه المنصات، وخاصة الفيسبوك الأكثر شعبية وتفاعلا، وسابقا كان النعي يتم من خلال النشر في الصحف اليومية، كما يقوم من لديهم القدرة المالية بنعي المتوفين أو بعضهم بالصحف، وكلما كانت درجة المتوفى السياسية أو الاجتماعية والادارية كبيرة يكون النعي بمساحة أكبر، وبعضهم كان ينشر نعيه بمساحة صفحة كاملة!

ونفس المعايير تنسحب على مناسبات الافراح، فمن السلبيات المستجدة في حالات خطبة العروس، أصبح يدعى لهذه المناسبات مئات الأشخاص، واذا كان والد العريس على درجة عالية من النفوذ الاجتماعي والسياسي والاداري، أو حتى أمينا عاما لأحد الأحزاب المستجدة، يتم زيادة عدد المدعوين وخاصة مما أصبحوا يصنفون من «علية القوم'! ويتم تجمع الجاهة في مكان محدد لكي يدخلوا بشكل طابور، ثم يلقي من يختاره والد العريس ويكون غالبا رئيس وزراء أو وزيرا سابقا أو شيخ عشيرة «خطبة عصماء» لطلب يد العروس، رغم أن طلب العروس يمكن اختصاره ببضع كلمات، و?عدد قليل من المدعوين والأفضل أن يكون من الدائرة الضيقة من أقارب العريس، خاصة وأن اهل العروسين يكونون متفقين على كل التفاصيل، ولا ضرورة لاستئجار صالات أفراح أو في الفنادق!

ويمكن أن يقال الكثير من الكلام حول تكاليف الأعراس والحفلات التي ترافقها، أو مناسبات الخريجين من التوجيهي والجامعات التي أصبحت مزعجة جدا، وتتمثل بمواكب السيارات واطلاق العيارات النارية والالعاب النارية.

نحن بحاجة ماسة لتعزيز الايجابيات ونبذ السلوكيات السلبية في مختلف المناسبات، ذلك أن تكاليف الحياة أصبحت مرهقة لغالبية المواطنين.

ولنتذكر أن أهلنا في غزة لا يجدون حتى مكانا لدفن الشهداء، اللهم ارحم شهداء فلسطين ولبنان وأمواتنا جميعا.

Theban100@gmail.com