أرشيف الرأي - مفلح العدوان
هنا كان يمر الطيبون.. وكانت الدرب، على ضيقها، تتسع للجميع.. وكل من يسكن تلك البيوت، سعداء، تكللهم فضاءات الرضا، وما كان بينهم حاقد، ولا حاسد، ولا عرفوا من ينظر بانكسار إلى الجار الذي يشاركه حوش الدار، ويبارك بحضوره عتبة الزوار، وفنجان القهوة، والدالية التي تظلل أماني الكبار والصغار. *** هنا كان الأهل يتسامرون.. وكانت تعاليلهم عامرة، تبقى، على مرأى من مهابة الحجارة البكر، حتى مطلع الفجر، وهم «يجرّون الرباب»، بين حنين القصيد، وأنين الحكايات، والتوق للأحلام التي ينظمونها أغنيات لليوم الجديد.. كل يوم كانوا ينهضون ليلوّحوا للشمس بطلّة الخير من وجوه، تصحو أكثر تفاؤلا، وأعمق انتماء، وأرسخ حضورا!! *** يا الله.. تغيّر الحال، مثل كابوس ثقيل.. تغير الحال بعد أن ترك الناس حميمية أمكنتهم، وركضوا وراء وهم مزعوم، محاصر بين سواد الإسفلت، وثقافة الاسمنت.. يا الله.. كيف احتملت قلوبهم أن يهجروا مساكن أرواحهم ، ليقيموا في طبقات، وعمارات، ينظرون فيها لبعضهم البعض من وراء زجاج؟ كيف؟كيف؟ وصار، بعدئذ، الفراغ يسكن الدور العتيقة، وبات القلق يعيث صخبا في البيوت الحديثة؟ *** ها هو الباب ينتظر.. والزقاق.. والحجارة البريئة.. وما تبقى من نقاء يمكن ترميمه، ليعود الحال أجمل مما كان عليه، وأكثر بهاء مما هو الواقع الآن، لنعود مرة أخرى، ونقول: هنا كان يمر الطيبون.. وهنا كان الأهل يتسامرون.. وما زالوا..هنا..