خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

التحولات الفكرية والأدبية عند الشعراء المخضرمين في صدر الإسلام

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
محمود صالح العويدي

تعالج هذه المقالة النقدية التحولات الفكرية والأدبية عند الشعراء المخضرمين في صدر الإسلام.

أما اختيار لفظة التحولات دون غيرها، فلأن بُعْدَها اللغوي في المعاجم اللغوية العربية يشتمل على معنى التَّحَوُّل وهو التغير والتبدل، أي الصيرورة إلى حال يغاير الحال التي كان عليها، ويختلف عنه، ففي لسان العرب: «تَحَوَّل: تَنَقَّلَ من موضع إِلى موضع آخر. والتَّحَوُّل: التَّنَقُّل من موضع إِلى موضع. الحَوْل الحَركة، تقول: حالَ الشخصُ إِذا تحرّك، وكذلك كل مُتَحَوِّل عن حاله». وأما لفظة «الفكرية» فهي اسم مؤنث منسوب إلى فكر، والفكر هو إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة المجهول. «والأدبية» فهي تعني كل ما يتعلق?بالأدب نثراً أو شعراً. والأدب هو رياضة النَّفس بالتعليم والتَّهذيب على ما ينبغي، فيكون مجمل المعنى المتحصل من هذا العنوان هو: رصد وبيان التغيُّرات والاختلافات وكل ما يتعلق بالفكر(ومنه العقيدة، والقضايا الفكرية كافة) والأدب، مبيِّناً المنظور الفني للشعر في ضوء الواقع المُتَحَـوَّلِ إليه.

إن الدراسة موضوع البحث، تــتقصى نماذج دالَّـةً على ما يراه الباحث تحولاتٍ فكريةً، وأدبيةً، عند الشعراء المخضرمين عامة، وكعب بن زهير خاصة. ومن النظر إلى التوزيع الجغرافي للشعراء المخضرمين، نجدهم من بيئات شتى: المدينة، والبادية، ومكة. ولكل بيئة آثارها النفسية، والدلالية، والثقافية، المنبثقة من واقع البيئة، كَمُكوِّن رئيسي لثقافة الشاعر وفهمه للأمور، وحكمه عليها. «إنما يستمد الشاعر موضوعاته من المجتمع الذي يكتنفه، والأفق الذي يظلله، والبيئة التي تنشئه، والعصر الذي يعيش فيه.. فأغراض الشعر تختلف باختلاف البيئة،?وتتقلب بتقلب الأزمان، وتتطور بتطور المجتمع، وتتأثر بالحضارة أو البداوة، بالجهل أو العرفان» غير أن اللغة والشاعرية، والإيمان بالمبدأ الذي ينتمي إليه الشاعر، هي مكونات رئيسية مشتركة بين هؤلاء الشعراء جميعاً، فهم تجمعهم البيئة العربية العريضة، مع خصائص وسمات كل بيئة، وهذا يعطي إثراءً واتساعا للمفهوم والمنظور، كما يعطي الشيء ذاته للتحولات أيضاً.

ومن النقاد من أشاروا إلى بعض خيوط التباين بين نتاج الشعراء من هذه البيئات المشار إليها، كَسِمَةٍ تطغى أكثر في بيئة دون أخرى. وهذا مقبول ومبرر، لما للبيئة من أثر على الأدب، فمثلاً: «يمتاز شعر البادية المتأثر بالإسلام، بأنه شُغِل بِطَرْقِ فنونٍ غير التي طرقها شعر مكة والمدينة، فشعر المدينتين كانت النقائض محوره، أما شعر البادية، فقد أزدهر في جو مختلف عن جو الخصومات السياسية بين المسلمين والمشركين، لأنه كان متأخراً عن تلك الفترة، ولأنه استمر معزولا عن الحياة الإسلامية، ولذلك كله، فقد كان شعرهم هو شعر الوفود، و?دح الخلفاء، ورثائهم». وأصبح الشاعر يتجه في مديحه إلى الإسلام ونَبِيِّهِ، بعد أن كان يتجه في مديحه إلى الملوك والأمراء، فَهَمُّ الشاعر المسلم أن ينال رضوان الله، وأن يحظى بعطائه، فالكسب عنده هو كسب الآخرة، كما نرى في قول عبدالله بن رواحة:

فَـلمْ أرَ كالإســـلامِ عِـــزاً لأمَّــةٍ ولا مِـثلَ أضيافِ الأراشيِّ مَعْشَرا

نَبِيٌّ وَصِـــــدِّيقٌ وَفَــاروقُ أمَّــةٍ وَخَـــيْرُ بَنِي حَوَّاءَ فَرْعاً وعُنْصُرا

ومن هذا، نرى مدى تأثير الإسلام في الشعراء؛ فقد اغترفوا غَرَفاتٍ من مفاهميه السمحة وأفكاره الصحيحة، ما استطاعوا أن يعبروا به عن أحاسيسهم وعواطفهم، ويضيفوا إلى الموضوعات التقليدية التي عرفوها موضوعاً جديداً، هو الذي يتمثل روح الإسلام، وفكره، وقضاياه، ويـدعو إلى الإسلام، أو يدافع عنه، في عـامَّة أحواله. وهـذا نوع من الانقطاع إلى هذه المهمات الشريفة المستحدثة، لخدمة الدين، والدعوة إليه ونشره، ونصرته، فهو أشـبه ما يكون بــ «الشعر الديني»، جاء فيضه وَوُلِد، مع ينبوع الإسلام الدفَّاق الخلاَّق. وشعر المخضرمين فيما?يتعلق بالسِّجالِ بين الطرفين؛ المُسْلِمِين وأعدائهم «يتسم بِسِماتٍ مخصوصة تميزه عن غيره من الشعر العربي في روحه وأهدافه وغاياته» وتنبثق التحولات بشتى أنواعها، من عقيدة الشاعر، وفكره، وطبيعة تكوينه الذاتي، وبيئته، وظروف محيطه، وأيَّة عوامل طارئة عليه.

وبالنظر إلى الشعراء المخضرمين، والظروف التي اكتنفت وجودهم، نجد أن كل دواعي التحول موجودة فيهم جميعاً، بسبب وجود الإسلام، بدرجات متفاوتة بينهم، تبعاً لدرجة إيمانهم، وطول عهدهم في دخول الإسلام.

والتحولات التي تتولد عند هؤلاء الشعراء، هي من أبرز التحولات التي طرأت على المرحلة، ذلك أن نتاج الشعراء سِجِلٌّ حافلٌ لما يجري، وكان يتفاعل في ضمير الأمة، وضمير الشاعر نفسه. وهي أيضاً من أكثرها وضوحاً وديمومة، لأن الشعر ظلَّ مكتوباً فيما تلاهم من عصور؛ ولأن دراسة الأبيات أو القصيدة متاح للدارسين، مما يخولهم لدراسة العمل الأدبي بكل موضوعية وعمق وَتَؤُدَة، والوقوف على ما فيه من تحولاتٍ من أي نوع كان بسبب ما ذُكِر.

ولعل مخضرمي عصر صدر الإسلام، هم أوفى فئات المخضرمين حَظّاً على الإطلاق في مسائل التحول، للانقلاب الجذري في الواقع والحياة؛ ولأن الخَضْرَمة ذاتها، هي ضرب من التحول.

والتحول الذي برز بوجود الإسلام، هو التحول الحقيقي المفصلي في نتاجات الشعراء؛ لأنه كان حافلاً بكل التغيرات التي طرأت على المجتمع العربي في جزيرة العرب. والشعر المخضرم، وبالأخص جانب الصراع منه، هو «أدَقّ أنموذج وأصدقه للنتاج الشعري الإسلامي، فهو يعتبر بحقٍ المجال الطبيعي لاستبانة أثر الإسلام في الشعر والشعراء». وهذا يؤكد أن الشعر المخضرم كان شعراً ينبع من القلب واستشعار المسؤولية الدينية، والأدبية، والتاريخية الملقاة على عاتق الشاعر، بخلاف ما اعتادت عليه الأسماع في الجاهلية، في شتى الأغراض، وهو صوت الشاعر با?درجة الأولى، بما يراه هو مناسباً أو محبباً لنفسه، أو موافقاً لهواه، أو ما يراه ضرورياً لاعتبار أو لآخر، ضمن المعايير والمفاهيم السائدة في الجاهلية، في حين أن الشعر عند المخضرمين، وإن اشترك في أغلب الأغراض السابقة، إلا أنه كان موجهاً لغايات أخرى، تمخضت عن واقع الحياة العربية بعد دخول الإسلام في ميدان الحياة والشعر. ويقودنا هذا إلى تحول المغزى الحقيقي لرسالة الشعر، وتغير اتجاه البوصلة، فبعد أن كان يحقق مآرب الشاعر وقِيَمَهُ في سياق رسوم الجاهلية، ومعاييرها، وثقافتها غير المنضبطة أو الهادفة، ولنقل العابثة، في?أغلب أمورها وجوانب اهتماماتها، التي تدور في فلك الجاهلية، ومعطيات تشكيلها النفسي، والاجتماعي، والثقافي، والقِـيَـمي، فهو الآن قد نحا منحىً مغايراً. وبالنظر إلى الشعر المخضرم، تجد البَوْنَ الشاسع بين الأمرين.

وقد كُـتِـبَتْ بعض الدراسات والمؤلفات في هذا الباب، لكنها عامة، اللهم إلا ما وجده الباحث من دراسة قام بها كل من الدكتور أحمد الذنيبات، والدكتور خالد البداينة، من كلية الآداب، بجامعة الطفيلة في الأردن. وكان عنوان دراستهما هو «التحولات الفكرية في شعر حسان بن ثابت»، فقد كانت دراسة مفيدة، وفي سياق المطلوب، لكنها كانت تتحدث عن شعر حسان بن ثابت، وهو الأشهر في الشعراء المخضرمين، وشاعر الرسول (ص). ولا ريب أن لكل شاعر خصوصيته ومزاياه، فلهذا كانت الدراسة المذكورة إضاءة في طريق البحوث المشابهة، لكنها لا تكفي؛ لأنها ك?نت عن شاعر بعينه. أما المؤلفات أو الدراسات الأخرى التي توفرت للباحث، فهي تحوم حول الموضوع، ولا تكاد تقول شيئا مما يراد إلا قليلا، ولا تغوص فيه بما يضع النقاط على الحروف، أو توضحه بصفة شافية أو تفصيلية، أو تهتم به، إلا لماماً؛ لأن الدراسات كانت تسهب في مواضيعها، ولم تكن تلتفت إلى هذه الجوانب؛ لأنها ليست موضوعها الأساس.

وما قررته تلك الدراسات؛ وبخاصة الدراسة المشار إليها حول التحولات، يتلخص في أمور مهمة ومحددة، منها ما يتعلق في نقض واختفاء المبدأ المتعارف عليه في إلهام الشعراء في الجاهلية، الذي مؤداه أن للشاعر شيطان يعينه على قول الشعر، ومثل ذلك يتجسد في قول حَسَّان في العصر الجاهلي:

وَلِي صاحبٌ مِــن بَنِي الشَّيْصَبانِ فَـطَوْراً أقُــولُ وَطَـــوْراً هُـوَهْ

فالشعراء المسلمون المخضرمون لم يعودوا يؤمنون بهذا المبدأ، بل أصبح المبدأ يؤكد أن الله هو المعين، في كل حال، وأن هذا هو ما يتماشى مع مقتضى إيمانهم بالله كمسلمين، علماً أن التأييد بروح القدس وارد في الأثر، لكن هذا هو ضمن إطار الإيمان الكلي العميق بالله، وأنه يؤيد بنصره وجنده من يشاء من عباده، بالكيفية والحيثية التي تقتضيها إرادته وأمره الحكيم. قال تعالى: «بَلْ للهِ الأمْرُ جَمِيعاً»، ودور الشعراء المخضرمين معلوم، «فهم الذين وقفوا مع الرسول (ص)، منذ نزوله بين ظهرانيهم ينافحون عنه، ويدافعون عن دعوته مصورين له?يه الكريم، يتقدمهم حسان بن ثابت، وكعب ين مالك، وعبدالله بن رواحة». وهؤلاء الشعراء المخضرمون حول الرسول كانوا من المهاجرين والأنصار، وكُلٌّ أجاد، وأبلى بلاء حسناً صادقاً، ما استطاع، «ولكن شعراء المهاجرين لم يبلغوا شأو شعراء الأنصار في هذا الميدان، فإن شعراء الأنصار الثلاثة: حسان، وكعب بن مالك، وعبدالله بن رواحة، كانوا فرسان الحلبة الذين وقفوا مع الرسول (ص) منذ نزوله بين ظهرانيهم، وبرزوا على سطح الحياة الإسلامية الحافلة، وتولوا أمر الدفاع عن المبدأ الإسلامي، وقاموا بمهاجمة خصومه والتصدي لهم، فكان شعرهم يمثل ?لوجهة الإسلامية في أول الدعوة، وكان حَسَّانُ صاحب القدح المُعَلَّى، إذ ندبه الرسول (ص) للرد على شعراء المشركين، ودعا له بالتأييد، وأقام له منبراً ينشد الشعر من فوقه». ومن نتائج الدراسات التي تناولت شعر المخضرمين في تلك المرحلة، ما أفضت إليه من أن أبرز سِمَات هذا الشعر، الذي تصبغه الصراعات بين الفرقاء تتلخص في «الالتزام، والإيجاز والقِصَر، والصدق الفني والواقعية، وظهور الشعر الديني".

(دكتوراه في الأدب والنقد العربي القديم)

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF